فضائيات تنشر غسيل غيرها و تتجاهل غسيلها بينت دراسة إعلامية عربية بأن الفضائيات العربية تشكل 73بالمائة من مصادر الأخبار لدى المشاهد العربي. هذا الرقم الكبير استوقف الكثير من المختصين و المحللين الذين رأوا فيه نسبة كارثية لمدى تأثير هذه الأخيرة على الرأي العام، باعتبارأن أغلب هذه الفضائيات لم تتخلص من سيطرة الحكومات التي طالت حتى الفضائيات التجارية التي يعتقد الكثيرون أنها مستقلة لأنها تبث من الغرب. و قد كشفت التغطيات الإعلامية للانتفاضات بالشارع العربي ولاء بعض الفضائيات لحكام دون غيرهم، مؤكدة بذلك ما قاله العديد من المحللين المختصين حول فتح الحكومات و استحداثها لوسائل جديدة و عديدة للهيمنة و احتكار الإعلام و الصورة و بالتالي الرأي العام . و ذهب البعض إلى حد وصف واقع المشاهد العربي بمجموعة قنافذ محاصرة بحديقة حيوانات صغيرة قبل أن يتم تحويلها إلى حديقة أوسع و أكثر شساعة، بل مفتوحة على غابة يصعب إحاطتها بسياج. و رغم البرامج التحليلية الكثيرة و البرامج الحية المستضيفة لكبار المحللين السياسيين و الاقتصاديين التي تفاءل من خلالها الكثيرون خيرا و تنفسوا الصعداء ظنا منهم بأنهم تخلصوا من القيود الخانقة و ذاقوا أخيرا طعم حرية التعبير، غير أن تلك الفرحة لم تدم طويلا و عادت الشكوك تحيط بالعديد من الفضائيات التي أحدثت في بدايتها انعطافا كبيرا في مسار الفضائيات و الإعلام المرئي العربي قبل أن يسقط قناعها هي الأخرى و تنظم إلى قائمة القنوات المغلوب على أمرها و الموجهة رغم ما حققته من سبق في نقل أحداث مخزية كسبت من خلالها ثقة المشاهد العربي ، كالدمار الذي ألحقته الآلة العسكرية الأمريكية و الصهيونية بالعراق و فلسطين و لبنان. لكن هذا الدور الريادي سرعان ما تلاشى مع الأحداث العربية الأخيرة التي أربكت مخططات ذوي النفوذ على الفضائيات الرائدة ، فراحت تبحث و تجتهد في نقل و نشر غسيل الحكام العرب و هيجان الشارع العربي، رغم وجود مادة إعلامية خصبة في البلد الذي تبث منه ، و الذي لا تختلف ظروف و معاناة شعوبها عن باقي الشعوب العربية الثائرة، غير أن عدم تطرق الفضائيات المؤثرة لذلك جعل هذه الأخيرة أشبه بدول طوباوية مثالية. و لأن مسيري الإعلام يدركون جيدا التأثير الأساسي للفضائيات العربية في تكوين و توجيه التفكير و السلوك، راحوا يغرقون المشاهد بالمعلومات وبسهولة فائقة، لدرجة أصبح من الصعب التمييز بينه و بين المحللين و المسؤولين والصحفيين، لكن رغم ذلك يبقى المشاهد العربي سهل التأثر بالصورة المقدمة عبر هذه الوسائل، لثقته الكبيرة بها، و هو ما يؤكده سهولة انتشار عدوى الانتفاضات من بلد إلى آخر و حتى بسوريا التي يدرك شعبها قبل غيره أن أي مشاكل و انزلاق داخلي يجعل منها لقمة سهلة لأعدائها الذين طالما انتظروا و فعلوا كل شيء من أجل رؤيتها في مثل هذه الأوضاع.