انتقد الكوميدي صالح أوقروت أو «صوايلي» كما يفضل الكثيرون مناداته، المستوى الذي آل إليه الإنتاج الدرامي و الكوميدي الجزائري، معتبرا بأن هناك نية لكسر ما أطلق عليه هرم الأخلاق و الطابوهات، مضيفا بأن الفنان قادر على تمرير رسائله دون اللجوء إلى الأمور المبتذلة و تفريق أفراد الأسرة. بطل «جمعي فاميلي» و «البرنوس» و «بوزيد دايز»، تحدث للنصر عن مغامرته في سلسلة «عاشور العاشر» مع المخرج جعفر قاسم التي أكد بأنه يتمنى لو أن الإمكانيات المتوّفرة لهذه السلسلة استغلت في تجسيد عمل تاريخي ضخم. صالح أوقروت قال في هذا الحوار الذي خص به النصر، بأن هجر المشاهد الجزائري للقنوات الجزائرية راجع لكونها لا تعبر عنه ، عكس الأفلام القديمة التي لم تشغله الأفلام الأمريكية و المصرية الرائجة آنذاك عن متابعتها. حاورته مريم بحشاشي تمنيت لو قدمنا عملا تاريخيا بميزانية «عاشور العاشر» - لماذا لم نعد قادرين على إنتاج أفلام كوميدية بنفس طويل كما كان رويشد و حسن الحساني و عثمان عريوات؟ - هناك جهد فردي، لكن ليس مثمنا، و لو لاحظنا الدول المنتجة للأفلام الكوميدية الطويلة، لوجدناها تولي اهتماما كبيرا للثقافة على مدار السنة و ليس في المناسبات فقط، و هذه المزايا تشجع على العمل و الإنتاج السينمائي بكل أنواعه، و هذا طبعا يحفز بدوره الكتاب على الإبداع، و هو للأسف ما يكاد ينعدم عندنا ، خاصة في ما يتعلق بكتاب الكوميديا المحترفين، و أغلب ما يقدم عندنا عبارة عن ارتجال و يليق عادة بالاسكاتشات، لأن المنتجين يرفضون الاستعانة بالمختصين من باب البخل و حب المال و عدم التفكير في مستقبل الفن و إثراء الفن الجزائري بأعمال ناجحة، و عليه فأنا أرى مشكلة الكوميديا و السينما عموما، تكمن في لهث سينمائيي اليوم وراء المادة. الأفلام الأمريكية و المصرية لم تكن تشغلنا عن الإنتاج الوطني - هل يعني هذا أنه لم يعد هناك شغف بالسينما؟ - الشغف اليوم بالمال فقط، و إلا بما نفسر عدم وجود أفلام مشرّفة، و الدليل هجر المشاهد الجزائري للشاشة و السينما الوطنية و اختياره فضائيات عربية أو أجنبية، طالما أنه لا يجد نفسه في الأعمال الجزائرية، في حين كنا في السابق نعيش كل لقطة و كل مشهد مع رويشد، سيد علي كويرات و غيرهما كثيرين، و الفضل يعود للكتاب آنذاك و المخرجين البارعين الذين كنا نشعر بأنهم قريبين فعلا من الشعب، ليس كبعض سينمائيي اليوم الذين يعرضون أشياء تصدمنا حتى نحن الفنانين، و رغم أننا كنا نتابع الأفلام الأمريكية و المصرية، لكنها لم تشغلنا عن متابعة الإنتاج الجزائري، و عذرا إن قلت أن المستوى أصبح في قمة الانحطاط و كم أتأسف عندما أسمع بعض المعجبين يقولون لي»لم تبق إلا أنت»، فأنا لست «طرزان» ، إنني أستغرب كيف لبلد كالجزائر أن يشح لهذه الدرجة في صناعة الكوميديين و أنا مقتنع بوجود مواهب و مبدعين، لكنهم مهمشين أو فضلوا الابتعاد لأنهم ملوا الوضع، فعندنا لا يشجع المبدعين و إنما الرداءة. لست طرزان الكوميديا - كيف نجح صالح أوقروت في الاستمرار ؟ - أظنه الحظ و القدر، و أظن أن استمراري دام منذ مشاركتي في «كرنفال في دشرة»عام 1993 إلى يومنا هذا، لأنه لم يكن هناك عدد كبير من الفكاهيين. - هل بلوغك مرحلة النجومية مكنك من فرض أجر خاص؟ - لا يمكن فرض الأجر الذي نريد و نراه يناسب موهبتنا و قدراتنا الفنية في الجزائر، و ذلك لانعدام المساهمين الاقتصاديين في مجال صناعة السينما، لو وصلنا إلى هذا المستوى من الدعم، سنتمكن ذات يوم من فرض «الكاشيه». - يوعز الكثير من السينمائيين سبب تدهور الإنتاج الوطني إلى انعدام كتاب السيناريو المؤهلين، ما رأيك؟ - أنا مقتنع بوجود كتاب مبدعين و في المستوى، لكن المنتجين يفضلون التعامل مع المبتدئين بسبب المال دائما، لأن المحترف لا يقبل بأجر ضعيف عن عمل هو أساس الفيلم. لا بد من تشجيع المبدعين في كل مجال وتخصص، و إذا احتجنا لمصوّر نطلب مصوّرا محترفا، و نفس الشيء بالنسبة للسيناريست و مصمم الديكور و الكوميدي، لكن طالما لا زلنا في مستوى استقدام نادل بمقهى لم يسبق له التمثيل لتجسيد دور سينمائي، و ترك الممثلين الموهوبين، لا يمكن التفاؤل، لقد هان الفن، و من المواقف الطريفة و المخزية في آن واحد، أن بعض المواطنين يطلبون مني في الطريق إذا كان بإمكانهم المشاركة في عمل سينمائي و هم لا يمتون بصلة للفن. ما يقدم اليوم عبارة عن إرتجال لا كوميديا -ألم تدفعك مثل هذه الظروف المحبطة لتجريب حظك بالخارج؟ - أبدا، أنا بصراحة لا أحب الهجرة و بشكل خاص إلى فرنسا التي لا أخفي كرهي لها، و سأبقى في بلادي حتى و إن لم أتطوّر، فأنا لا أبحث عن العالمية. - و ماذا عن البلدان العربية؟ - لا أجد مانعا في العمل بالدول العربية و قد شاركت مؤخرا في فيلم مغربي و هو في مرحلة التركيب الآن، تقمصت فيه شخصية المفتش الطاهر التي جسدها الراحل الحاج عبد الرحمان، الذي كنت أقلده كثيرا في بداياتي و لا زلت معجبا به. - ما رأيك في الفكاهيين الجدد؟ - إنهم لا يطالعون و قد زاد عدد المنحرفين في مجال الفن ، الفنان أخلاق و لديه رسالة نبيلة عليه إيصالها بطريقة بسيطة تناسب مجتمعنا، بعيدا عن موضة العالمية التي تدعيها الأغلبية، فنحن هنا لا نتحدث عن براد بيت، و إنما عن فنان جزائري له ثقافة خاصة عليه احترامها، صدقيني لدينا الكثير لنتيقد به قبل البحث عن أشياء و أفكار نستوردها من الخارج، أمس فقط زرت قصر الحاج أحمد باي بقسنطينة و أعجبت كثيرا بهذه التحفة المعمارية، و شعرت بأننا قادرين على إنتاج أعمال تاريخية في القمة، بدل تبني أفكار لا تمت لمجتمعنا بصلة و مع هذا تلقى التشجيع و هو ما أعتبره خيانة للفن و البلد. زاد عدد المنحرفين في الفن - جيلك كان يقتدي بمن سبقوه حدثنا عن ذلك؟ - كنت أعتبر عبد القادر علولة الذي رأيته أمامي على المسرح مثلي الأعلى في الفن لطالما أدهشتني براعته في التمثيل، و اعتبرته نجمي العالمي، لأنه كان يجتهد كثيرا و ليس كجيل اليوم الذي يبحث عن الأمور السهلة، حتى أنا أصبت بهذه العدوى(يضحك) لأنني قبلت تقديم عرض بقسنطينة في إطار فعاليات الطبعة السادسة من المهرجان الدولي للحكاية و القصة دون تحضير مسبق، لا لشيء سوى لأنني أعشق قسنطينة و لم أرغب في تفويت فرصة الوقوف أمام جمهورها و تلبية دعوة جمعية كان يا مكان التي شرفتني بهذه الدعوة. - ما رأيك في موضة الارتجال في كل شيء؟ - مهما كان نوع العرض، لابد من التحضير و التخطيط له من قبل و التقيد بالنص المدروس و المنتقى، احتراما للجمهور، أما الارتجال فيبقى ضروريا في التدريبات و في مواقف محددة. وردية نجمة تلقائية وضعت في مشاهد لا تليق بها - رغم تزايد عدد الممثلات الفكاهيات، إلا أنهن لم تحققن المكانة التي حققتها قبلهن الممثلتان وردية و بيونة لماذا في رأيك؟ - وردية كانت امرأة تلقائية جدا و هذا ما صنع تميّزها. كل شيء قدمته كان نابعا من الأعماق، و لو منحت فرصا أكبر للعمل، لكانت من ألمع نجوم الكوميديا، بالنسبة إلي وردية لم تمثل فعلا، أو بالأحرى لم تستخرج منها الطاقة الإبداعية الحقيقية التي تتمتع بها هذه المرأة المتميّزة، فلو منحت الراحلة دورا رئيسيا في عمل كوميدي، لأبهرتنا دون شك أكثر من أدوارها الثانوية، لكن للأسف لم تمنح حقها. كم تأسفت لرؤيتها في مشاهد لا تليق بمستواها كمقدمة نشرة جوية ساخرة. -هل أنت متشائم بخصوص مستقبل الكوميديا؟ - يوجد فكاهيون مبدعون، لكن ينتظرون من يأخذ بيدهم، لكن لا بد أن تكون لدى هؤلاء نظرة نابعة من عمق مجتمعهم. يمكن للفنان أن يمرر رسالته بذكاء أو إضحاك المشاهد أو الجمهور دون اللجوء إلى أسلوب مبتذل، فما يحدث عندنا اليوم هو محاولة كسر الطابوهات، و ظهر منهج جديد قائم على الوقاحة، فثمة أعمال تفرّق العائلة و لم يكن هذا من ركائز أو أهداف الفن الدرامي أو الكوميدي أبدا. إن رسم البسمة لا يستدعي اللجوء إلى القبل على الطريقة الأمريكية، أظن أن هناك نية لكسر هرم الأخلاق، و أنا كأب لا أسمح بذلك حتى لو كنت فنانا. هناك محاولة لكسر الطابوهات والمنهج هو الوقاحة - لماذا تلقى الأعمال الجزائرية النجاح أكثر عندما تكون منتجة أو مركبة في الخارج أو بمساعدة فرق من الخارج؟ -الأمر لا يختلف عن ظاهرة تفضيل المستورد، «مايد إن» ، هذا له خلفية تاريخية تعمد الاحتلال الفرنسي غرسها في أبناء هذا الوطن. - وجهت انتقادات كثيرة لسلسلة «عاشور العاشر»، فهل وجدته في المستوى الذي توقعته؟ - لو أخذنا الأمر من زاوية التسلية و الترفيه عن المشاهد، يمكن قبوله كعمل كوميدي، لكن صراحة كان بإمكاننا تقديم عمل أهم، مقارنة بالإمكانيات المتوفرة، و أنا شخصيا تمنيت لو أنجزنا مسلسلا تاريخيا باللغة العربية الفصحى، لنبيّن قدرتنا على إنتاج أعمال تاريخية قادرة على المنافسة. نحن لسنا في حاجة للضحك فقط، و قد تكون هناك أمور تتجاوزني و لست على اطلاع عليها، لكن في رأيي يبقى السبب الأول هو المادة. كتاب السيناريو يفضلون إستيراد الأفكار - سيكون هناك جزء ثان ل»عاشور العاشر»؟ - نعم لكن العمل في مرحلة الكتابة و لم ينطلق التصوير بعد. - ما الذي تعيبه على كتاب السيناريو الجزائريين؟ -بعدهم عن المجتمع الجزائري و استيراد الأفكار، علينا أن نتمسك بشخصيتنا الوطنية و نفرضها.