كانت الكوميديا الجزائرية, في وقت سابق, تعتمد على الأسماء الكبيرة التي كان لها باع في هذا المجال, واستطاعت فعلا إضحاك الجزائريين من القلب, إيمانا من أصحابها أن الكوميديا لم تعن أبدا الإستخفاف بعقول المشاهدين وفي ظل غياب المفتش الطاهر, بوبڤرة, قريقش, قاسي تيزي وزو وغيرهم, وجد المشاهد الجزائري أن جرعات الكوميديا عرفت انحسارا تدريجيا إلى أن تحولت إلى ضحكات مناسباتية لا تطل علينا إلا في شهر رمضان ببروز جيل جديد في المشهد الكوميدي الرمضاني الجزائري مع جيل صالح أوڤروت, لخضر بوخرص, كمال بوعكاز, حميد عاشوري, وغيرهم. ”الفجر” تحدثت إلى بعضهم لمعرفة آرائهم في الإرتجال والرداءة في الأعمال الفكاهية والكوميدية حاليا, فقالوا.. السيناريست محمد شرشال ”لا يمكن أن تكون كوميديا في الكاميرا الخفية بدون الإرتجالية” يقول السيناريست محمد شرشال, إن معظم الكاميرات الخفيٌة التي نعرفها, سواء عندنا أو عند الآخرين, تعتمد في الغالب وبنسبة كبيرة على الإرتجالية التي يعتمد عليها الممثٌل للإيقاع بضحاياه. أما بالنسبة ل”السيت كوم”, فهو يعتمد أساسا على السيناريو المكتوب والحوارات القصيرة المضحكة, والإرتجال قد يقتلها ويسقطها في ريتم بطيء وممل. أما بالنسبة للكاميرا الخفيٌة ”أش أداني” التي أخرجها للتلفزيون, جعفر قاسم, فقد خرجت عن القاعدة, حيث ”اعتمدنا أنا وأسامة بن حسين, كتابة حوالي 15 حلقة من سلسلة ”أش داني” على كتابة سيناريو الحلقات معتمدين على كل توابل الدراما, من تسلسل للأحداث, الحوار والقصٌة.. فلقد اعتمدت أصلا على تكويني المسرحي في هذا العمل, فحين مشاهدة الحلقات يبدو لك وكأنٌك تشاهد فيلما لما في السيناريو من تماسك ومتانة”. وأضاف: ”والحقيقة أن هذه التجربة جديدة في الجزائر, حيث نرى أن معظم الكاميرات الخفيٌة السابقة بنيت على الإرتجال. يبقى الحكم بين الطريقتين, ومن الأصلح الإرتجال أو غيره, للجمهور الذي من المؤكٌد أنٌه قارن واستنتج في الموضوع”. فنجاح العمل الفكاهي يرجع في الأساس إلى السيناريو والممثل, فممثل بدون سيناريو يسقط هذا الأخير في الأداء الغير المنطقي والمدروس, والسيناريو من دون ممثل يجعل يعني انتحار الأوٌل وعدم وصوله للمتلقي بالطريقة التي يجب أن يصل بها. ولكن نجاح العمل الكوميدي ليس مرتبطا بالسيناريو والممثل فقط, إنه يعود إلى تعاون كل المتعاونين الفنيين, من مخرج, سيناريست, ممثلين وتقنيٌين. الممثل حكيم دكار ”ضعف السيناريو يوحي أحيانا بالإرتجال” يرى الممثل حكيم دكّار, أن مسلسل جحا من الأعمال التي استطاعت المحافظة على اكتساب حب واهتمام المشاهدين في مواسمها الثلاث, بعد أن نجحت في إيجاد مكان لها في الشبكة البرامجية في رمضان الحالي. ويضيف بطل المسلسل الكوميدي”جحا” أن المشكل, أولا وأخيرا, يتعلق بغياب كتّاب سيناريو متمكنين, وهو ما فتح المجال حسبه, إلى ظهور أعمال لا تستحق المشاهدة حتى وصل الأمر بالمشاهد إلى الظن بأن هذه الأعمال في مجملها لا يمكن أن تقوم إلا بالارتجال, الذي يؤكد أنه من معارضيه. لذا فهو يرى أن غياب كتّاب متمرسين تسبب في ظهور أعمال ضعيفة من حيث السيناريو. ويعتقد المتحدث أنه لا يمكن توظيف الإرتجال والحديث عنه إلا في المسرح, أما الدراما التلفزيونية فالأمر مختلف لأن هذا النوع من الأعمال محكوم بقواعد وقوانين لا يمكن للممثل الخروج عنها أو تجاوزها, لأنه ملتزم بالحوار الذي بين يديه, إضافة إلى أنه ملزم أمام من يمثل أمامه. لذا فإن التفكير في الخروج عن الإرتجال يعني في البداية الإتفاق مع المخرج والتفاهم على صيغة التغيير, الذي يؤكد دائما أنها لا يجب أن تتجاوز جملة أو كلمة, شرط أن لا تخل بالقالب العام للحوار. ويرى الممثل, في الأخير, أن الحل في علاج مشكل السيناريو وفتح المجال أمام الكتاب, لأنه يرى أن كثرتهم تسمح بظهور المنافسة التي يمكن أن تخدم الدراما الجزائرية بصفة عامة, وبالتالي مسايرة الأعمال العربية, بالإضافة إلى اقتناعه ضرورة وجود تكوين لفائدة الكتاب والمخرجين لتحسين الأداء العام. السيناريست عيسى شريط ”الإرتجال ظاهرة مرضية” تحدث الكاتب الروائي عيسى شريط, عن أهمية أن تكون مهنة كتابة السيناريو والأعمال الدرامية بشكل عام مبنية على أسس من الإحتراف والمهنية, حيث اعتبر أن غياب كتابة السيناريو ذريعة مزيفة اعتمدها السينمائيون الجزائريون منذ الإستقلال لغاية في نفس يعقوب, وهو ما أفرز ظاهرة المؤلف المخرج, أي أن المخرج هو الذي يؤلف لنفسه, وهذه الظاهرة امتدت إلى الممثل الكوميدي, الذي راح يعتمد على الإرتجال, والإرتجال ظاهرة مرضية لا يمكن اعتمادها في العمل السينمائي والتلفزيوني. وأضاف محدثنا أن الجميع لاحظوا ما وصلت إليه بعض الأعمال حينما اعتمدت الإرتجال.. ليتساءل عن مصير الحاج لخضر وعمارته مثلا, حيث أوضح شريط أن السلسلة الأولى تم العمل بها بالإعتماد على نص مكتوب بالإستعانة به شخصيا في بلاتوه التصوير وكانت النتيجة, حسبه, جيدة وبشهادة الجميع. وأردف بالقول إن الفنان الكوميدي لما اعتمد مصيبة الإرتجالية وجد نفسه في دوامة جعلته مسخرة قبالة الجمهور. وفي الأخير, ختم السيناريست شريط رأيه بالقول إن ظاهرة غياب كتاب السيناريو ظاهرة مزيفة وكاذبة تستهدف تهميش وإبعاد من قد يشكلون كتاب سيناريوهات مستقبلا, وهو ما اعتبره فعلا غير احترافي على الإطلاق. الممثل كمال بوعكاز ”الكوميدي الحقيقي لا يمكن أن يعتمد فقط على الكتابة الموجودة في السيناريو” يرى الممثل كمال بوعكاز, أن الإرتجال في الأعمال الكوميدية عندنا موجود, خاصة في الكاميرا الخفية وسلسلة السيت كوم, لأن النص الورقي لا يمكن أن يحتوي بالضرورة على عدد الضحكات التي يجب أن يقدمها الممثل كي يؤثر في نفس المتلقي, وغالبا ما تعتمد المواقف المضحكة والكوميدية على قدرة الممثل وبراعته في تحويل اللقطة المكتوبة على الورق إلى حالة حقيقية يشعر بها المشاهد فور مشاهدتها. ونوه المتحدث إلى أن الممثل المسرحي هو أكثر الممثلين ارتجالا في الأعمال الفنية, لأنه يكون وجها لوجه مع المتلقي, وهذا ما يخلق صعوبة للكثيرين, ولكن خبرة الممثل وقدرته على الإرتجالية غالبا ما تنقذ الموقف. من خلال هذه الآراء, أكد لنا أهل الكار أن الارتجال موهبة نادرة لا يملك ناصيتها إلا من خبر المهنة, إلا أن الملاحظ أنه تحول إلى مهنة من لا مهنة له, وهنا حلت الكارثة على الكوميديا الجزائرية التي باتت تستجدي كتابا متمكنين يعيدون إليها زمن الضحك الجميل.