أنواع نادرة من الزيتون مهددة بالاندثار بتبسة شجرة الزيتون ببلدية فركان ، الكائنة على بعد 180 كلم جنوب ولاية تبسة، لها مكانة مميزة في قلوب وعقول سكان المنطقة تصل حد التقديس ، فهي من أكثر الأشجار وفرة منذ عهود غابرة ، وهو ما تدل عليه آثار الأولين ، فقد وقفت النصر على أشجار زيتون تحجرت جذوعها بكاملها، وأصبحت كالحجر الصم، بينما أغصانها تنبض بالحياة و تعطي ثمارها ، وهو ما يدل على قدم هذه الشجرة المباركة، و قدم تواجد الإنسان في هذه المنطقة الشاسعة التي تتميز بمناخها الصحراوي، وعنايته بها حتى بقيت صامدة تقاوم عاديات الزمن في شموخ وكبرياء. وتتعدد أنواع الزيتون ببلدية فركان و تختلف جودة زيتها، فنجد «الزرازي»، و هو نوع يتميز بحبات زيتونه الكبيرة نوعا ما، و كذلك نواته ، و تقوم عادة ربات البيوت بتصبيره ، و يطلق عليه سكان فركان اسم «الزيتون المصبر» و يخلطونه بالفلفل الحار المصبر أيضا ، و يكون لون هذا الزيتون أخضر، أما الزيتون الأسود فيصبر دون أن يخلط بالفلفل الحار ويعرف محليا ب»الزيتون المرقّد» ، و يكثر تناوله عادة بين شهر ديسمبر و أواخر شهر مارس، أي طيلة موسم البرد، في حين توجه أغلب الثمار إلى العصر لإنتاج زيت الزيتون. أما النوع الثاني فيطلق عليه اسم « الشملالي « ، ويعرف بحباته ونواته الأصغر حجما من النوع الأول ، وهو النوعية الأكثر انتشارا بين أشجار الزيتون بفركان ، و يتميز بأنه أكثر إدرارا للزيت، مقارنة ببقية الأنواع ، كما يعتبر من الزيوت الجيدة التي يكثر الإقبال عليها. في حين يطلق على النوع الثالث تسمية الزيتون « الزليطني « ، حيث تكون حباته أصغر من الشملالي ، ويستعمل مباشرة في العصر، باعتباره لا يصلح للأكل لصغر حجمه، وهو مدر لزيت الزيتون ، بينما يطلق على النوع الرابع اسم « زق الطير « ، وهو يشبه إلى حد كبير الزيتون الزليطني في حجمه وخصائصه و يعصر كله. أما النوع الخامس فيعرف ب» الودكي « ، وتكون حباته مكورة الحجم ، وأقل من الزرازي و أكبر من الشملالي ، ويتميز بأنه مدرّ للزيت أيضا. تنطلق عملية عصر الزيتون بفركان في شهر أكتوبر و تمتد إلى غاية شهر مارس ، وحسب العارفين بخبايا الزيتون، فإن نسبة الإنتاج في القنطار الواحد تتراوح من 21 إلى 23 لترا خلال فترة « الليالي البيض « الممتدة من ديسمبر إلى 15 جانفي ، أما خلال فترة « الليالي السود « أي بعد 15 جانفي، فيتراوح الإنتاج بين 23 و 25 لترا في القنطار الواحد ، وقد عرفت بلدية فركان تراجعا في عدد أشجار الزيتون، إذ تتراوح بين 6 آلاف و 7 آلاف شجرة زيتون ، ناهيك عن مشاتل زيتون الجبل المعروف بكثرته. صعوبة استخراج زيت الزيتون بالطريقة التقليدية لا تزال عملية عصر الزيتون تتم بالطريقة التقليدية ، فبعد أن يجمع الزيتون ويحمل إلى البيوت، تشرع النسوة بفرز الزيتون الناضج وغير الناضج كل على حدة ، و ينقى جيدا من العيدان و أوراق الزيتون ، وبعد هذه العملية المضنية والصعبة تقوم النسوة بغسل الزيتون المراد عصره بالماء الساخن، لإزالة ما علق به من تراب وغبار وأوساخ ، ثم يوضع بجانب «القرقابة»، و هي عبارة عن حجر كبير مسطح و محفور في الوسط و فوقه حجر دائري مكور و كبير يسمى « الكرد»، ثم يتقابل النسوة حوله، فتقوم إحداهن برمي حبات الزيتون في القرقابة ، بينما تحرك الأخريات الكرد يمينا وشمالا ، حتى تصبح حبات الزيتون على شكل عجين ، وهكذا دواليك حتى تنتهي كمية الزيتون و تصبح كلها عجين واحد ، ويتم وضعه بعد ذلك في « القسرية « وهي عبارة عن إناء كبير مصنوع من الحجارة والجبس يشبه الزير ، و يوضع عادة في مكان دافئ حتى لا يتجمد العجين و يسهل استخراج الزيت. في الليل تدخل النسوة في « القسرية «، بعد أن تضعن واقيات في أقدامهن وسيقانهن، حتى لا يتأذين من نوى الزيتون و يقمن بعملية الرفس و العفس بالأرجل لعدة ساعات، حتى ينضج العجين و يصبح الزيت باديا وظاهرا للعيان. بعد ذلك تخرج النسوة من القسرية ويتداولن السهر عليها بغرض تصفية الزيت ، وذلك عقب حفر حفرة داخل العجين، حتى يتجمع فيها الزيت لتقوم النساء بعد كل فترة وأخرى بجمع الزيت و وضعه في أوان نظيفة ، و يعتبر هذا النوع من أجود زيت الزيتون الفركاني المشهور ، وفي الصباح تقوم النسوة بتسخين الماء و وضعه في أوان كبيرة ثم يؤتى بالعجين التي كن يسهرن عليها ، و يوضع في الماء الساخن ، ثم يحرك العجين داخل الماء حتى يطفو الزيت فوقه ، لأنه أقل كثافة من الماء ، ثم تقوم النسوة بجمع الزيتون براحتي اليدين وتجميعه في أوان نظيفة وهو النوعية الثانية من زيت الزيتون الفركاني ، جودته جعلت سعره مرتفعا يعتبر زيت الزيتون الفركاني من أغلى أنواع الزيت ، حيث يتجاوز سعر اللتر الواحد ألف دينار جزائري، و قد أرجع سكان فركان أسباب هذا الارتفاع لصعوبة جنيه، فلو تمعنا جيدا الطريقة التي يتم بها جني الزيتون إلى غاية عصره ، لوجدنا أنها عملية مضنية و شاقة للغاية ، تحتاج إلى جهد كبير وصبر طويل ، فالسعر تحدده الصعوبات والجهود المبذولة في العمل ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى يخضع لقاعدة العرض والطلب ، لكن العرض أقل دوما من الطلب ، لأن العمل يتم بطريقة تقليدية بحتة ، والتهافت عليه من قبل المستهلكين كبير لاستعمالاته المختلفة داخل البلدية وخارجها ، فضلا عن شهرته التي تجاوزت الحدود وعراقة أشجاره. فأشجار الزيتون المنتشرة بفركان غير متوفرة في بقية مناطق الوطن ، ناهيك عن فوائده الكثيرة، فمن فوائده الصحية، كما يؤكد المختصون، أنه يمنع تصلب الشرايين ، و يقي من أمراض القلب والضغط الدموي ، كما يقلل من نسبة الكولسترول في الدم ،وغيرها من الفوائد. تراجع الاهتمام بالزيتون من قبل الشباب كان الاهتمام بالزيتون بفركان كبيرا قبل عقود من الزمن ، حيث كان الآباء و الأجداد يحافظون على شجرة الزيتون و يعتنون بها كثيرا، انطلاقا من تهيئة تربتها وتقليم أغصانها ومراعاة مواعيد سقيها ، لأن حياتهم كانت تعتمد أساسا على الزراعة والفلاحة وما تجود به الأرض من خيرات منذ سالف العصور ، غير أنه و بمرور الزمن تراجع الاهتمام بالزيتون لاسيما من قبل الشباب ، و ذلك لتطور الحياة ، و الرغبة في الكسب السريع ، بالإضافة إلى غياب التشجيع والدعم، كما يقولون ، لذلك يسجل تراجع كبير في غرس الزيتون الفركاني والمحافظة على عراقته الضاربة في شعاب الزمان ، بعد أن عرف اهتماما غير مسبوق من بعض الفلاحين الذين يوجد منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ، نذروا حياتهم لخدمة شجرة الزيتون، فأعطتهم الكثير .