على الكاتب أن يكون حرا من كلّ الإملاءات بما في ذلك إملاءات الناشر والجوائز في هذا الحوار، يتحدث الروائي سمير قسيمي، عن روايته الجديدة «الماشاء» التي صدرت عن دار المدى بالعراق، كما يتحدث عن فوز الرواية ذاتها بجائزة آسيا جبار في دورتها الثانية لعام 2016. قسيمي تحدث أيضا عن الترجمات التي حُظيت بها رواياته إلى عدة لغات، مؤكدا أنّ نصوصه وصلت للترجمة والانتشار من غير أن يبذل جهدا خارج جهد الكتابة. يذكر أن للكاتب سمير قسيمي مجموعة من الإصدارات في الرواية، هي على التوالي: «تصريح بالضياع» 2009، والتي صدرت أوّلا باللغة الفرنسية وبعدها باللغة العربية عن منشورات البيت، ثم صدرت في طبعة عربية ثانية مشتركة عن منشورات الاختلاف بالجزائر والدار العربية للعلوم ناشرون بلبنان، وبفضلها فاز قسيمي بجائزة الهاشمي سعيداني للرواية عام 2010. ثم صدرت له روايته الثانية «يوم رائع للموت» عن منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم ناشرون بلبنان، والتي وصلت إلى القائمة القصيرة للبوكر في دورتها الثالثة لعام2010. وفي العام نفسه صدرت له روايته الثالثة «هلابيل» التي رُشحت للبوكر أيضا في دورتها الرابعة لعام 2011، لكنها لم تصل إلى القائمة الطويلة، «في عشق امرأة عاقر»2011، «الحالم» 2012، و»حبّ في خريف مائل» 2014. حاورته/ نوّارة لحرش جائزة آسيا جبار للرواية في دورتها الثانية كانت من نصيب روايتك الجديدة «كتاب الماشاء». هل كنت تنتظر هذا الفوز ؟ سمير قسيمي: صرحت من قبل أنّني كنتُ أتوقع فوز «الماشاء» بجائزة آسيا جبار لأسباب كثيرة، وقد لقيّ تصريحي استهجان بعض الروائيين، معتبرين أنّه تصريح غير لبق ويستحقر ترشح البعض. على عكسهم أحسنُ التمييز بين الغرور والثقة بالنفس، وأنا بتصريحي لم أحاول استصغار زملائي الروائيين بقدر ما أردت أن أقول، أن الرواية الفائزة وهي «الماشاء» بعيدا عن شخص كاتبها، كانت الأفضل بكلّ المعايير النقدية. ومع ذلك لم أفهم اللغط الذي حدث بعد نتائج آسيا جبار، لم أفهمه من باب أن الاحتجاج لم يكن على النص الفائز بل على شخصي، وهو ما أصابني بالدوار حقا. ثم إن انتقاد أي نص فائز بجائزة ليس رياضيا إن كان من قِبل المترشحين أنفسهم والذين قبلوا اللعبة وترشحوا، وحين لم يفوزوا انتقدوا الجائزة، أعتبر الأمر مأساويا ومقززا إلى حد كبير. النقد الجزائري غائب بشكل واضح في مسايرة التجارب الجزائرية قبل تتويجها حُظيت الرواية بقراءات كثيرة في الصحافة العربية. هل ترى أن هذا التناول النقدي العربي اللافت للرواية ساهم في الإجماع عليها على مستوى لجنة التحكيم وبالتالي تتويجها بالجائزة؟ سمير قسيمي: لا أعتقد، فعلى حد علمي ومعرفتي بأعضاء لجنة التحكيم أو ببعضهم، أؤكد أن آراءهم جاءت مستقلة عن آراء سواهم، يكفي أن نقرأ بتمعن سيرهم الذاتية لندرك أنّهم من النوع الذي يُشكل رأيه بعيدا عن أيّ توجيه. القبول النقدي الذي عرفته رواية «الماشاء» كان عربيا فحسب، أقصد أن الآلة النقدية الجزائرية كانت غائبة تماما، وهي مسألة يُؤسف عليها نظرا لأن النقد الجزائري غائب بشكل واضح في مسايرة التجارب الجزائرية فما بالك بالعربية. الناقد الجزائري -مع استثناءات قليلة جدا- غائب عن المشهد السردي، وهو بذلك يسمح للساحة السردية أن تعيش حالة فوضى عارمة بسبب عدم خضوعها للتقييم والتقويم. في عام 2016 صدر في الجزائر أزيد من ستين عمل كُتب على غلافه «رواية»، لقد سمح الناقد الجزائري بهذا التجاوز التصنيفي نظرا لأن 99 بالمائة من الإصدارات لا علاقة لها بالرواية، لا من قريب ولا من بعيد. أشعر أن النقد الجزائري خان أسباب وجوده، لهذا لم يعد لوجوده من معنى، بدليل أن جائزة ك»البوكر» لم تستعن لحد الساعة بأيّ ناقد جزائري في لجان تحكيمها، ولعل معظم الجوائز العربية الكبرى تفعل نفس الشيء. إلى جانب تناولها نقديا، الرواية بدأت تأخذ طريقها نحو الترجمة. ما الذي جعلها تُحظى بفرص الترجمة مباشرة بعد صدورها؟. فالمعروف أن الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية متأخرة جدا عن عجلة الترجمة مقارنة بالرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية؟ سمير قسيمي: لا أدري، وقد قلت من قبل أنّني لا أستعجل شيئا خاصة الترجمة، لكن الاهتمام بنصوصي للترجمة ليس وليد اليوم، ولا وليد أي نوع من العلاقات. أعتقد أنّ الكتابة الجيدة والرواية الجيدة لا تحتاجان إلا للوقت لاكتشافهما، والوقت وحده يكفل بقاءها من عدمه. هذا ما تعلمته على الأقل من تجربتي المتواضعة، فقد وصلت نصوصي للترجمة والانتشار من غير أن أبذل جهدا خارج جهد الكتابة. ما يحزنني حقا، هو توجه بعض الكُتاب إلى مترجمين بعينهم واستئجار خدماتهم بمقابل للترجمة لهم، ثم يتوسلون نشر تلك الترجمات بمقابل أيضا. تحدث أمور غريبة، اطلعت عليها من موقع اتصالي الدائم بدور النشر العربية، أغربها على الإطلاق أن يسعى بعض روائيينا إلى دور نشر عربية كبيرة لتنشر لهم، مقترحين عليهم أن يدفعوا لهم من مالهم. إنّه احتيال على القارئ أولا، وإنقاص من قيمة النص الجزائري. شخصيًا أرى هذه التصرفات توحي بأمرين خطيرين: الأوّل إيمان من يفعل ذلك بضعفه سرديا ومع ذلك يدمن وهم أنّه كاتب مهم، والثاني تكريس العقدة نحو المشرق. شخصيا، لا أعتقد أن دور النشر العربية الكبرى تمثل غاية بحد ذاتها. يقيني هو أنّها أصبحت كبيرة بكُتابها، وهي لا شيء بغيرهم، أنظري فقط حالة الانحطاط التي آلت إليها دار الآداب بعد انسحاب أسماء مهمة منها. على الكاتب أن يحترم نفسه أولا قبل أن يطالب باحترام دور النشر له، وهو ما أعتقد أنّني حققته في النهاية. «الماشاء» ستحظى بأولى ترجماتها إلى الفارسية، كما سبق وأن تُرجمت بعض رواياتك إلى بعض اللغات، منها ترجمة إلى الألمانية، من طرف المترجم والكاتب العراقي حسين الموزاني. هل من لغات أخرى ستُترجم إليها؟، وهل ترى أن هذه الترجمات ستخدم نص سمير قسيمي الروائي كما كان يطمح إليه حقا؟ سمير قسيمي: حسين رحمه الله، كان صديقا عزيزا، تشرفت بصداقته، هو الذي قدمني وترجم عني في ندوة بالمهرجان العالمي للرواية ببرلين. أغتنم الفرصة لأعبر عن حزني الكبير لفقدانه كصديق أولا وأخيرا. بالنسبة للرواية المعنية بالترجمة إلى الألمانية هي روايتي «الحالم» والتي أيضا ستصدر بالانجليزية، كما ستصدر ترجمة روايتي «حبّ في خريف مائل» إلى الفرنسية عن دار لوسوي العريقة في شهر أفريل المقبل، «الماشاء» ستعرف أولى ترجماتها إلى الفارسية وقد وصلني أيضا بخصوصها عرض للترجمة إلى الإيطالية والإسبانية، المهم أن مجموع اللغات التي ستصدر عنها أعمالي هي تسع لغات إلى حد الآن، وهو أمر لا يدعوني إلى اعتقاد أي شيء أو توهم أي وهم، فالترجمة كالجوائز تماما ليست إلا محطة في مسيرة أي روائي جيّد، شريطة ألا تكون هدفه أو يكون قد سعى إليها. الترجمة كالجوائز ليست سوى محطة في مسيرة أي روائي جيّد شريطة ألا تكون هدفه «كتاب الماشاء/هلابيل.. النسخة الأخيرة». بشكل ما جاءت لتعيد صياغة فكرة رواية هلابيل، وهي بمثابة الجزء الثاني منها. ما الذي دفعك لإعادة كتابة فكرة سبق لك الاشتغال عليها ونشرها؟ سمير قسيمي: لا شيء غير المتعة، متعة قد تُكلف غاليا خاصة بالنسبة لناشريّ الذين أحيي شجاعتهم في تحمل فنتازماتي السردية الغريبة أحيانا، أخص بالذكر ناشر «الماشاء» في نسختها العربية «دار المدى» الذي نشر العمل وهو يعلم أنّه لن يستفيد منه على مستوى الجوائز العربية الكبرى خاصة البوكر، التي لا تقبل أجزاء روايات في ترشيحاتها. أحييه خاصة لأنّه غامر في نشر رواية تقوم على تقنية المحاكاة والتناص الذاتي، التي لم تُستعمل عربيا من قبل. شخصيا استمتعت كثيرا ب»الماشاء»، لأنّه أتاح لي فرصة إعادة قراءة رواية سابقة لي وكتابتها بشكل مختلف، وسمح لي في الانطلاق بكتابة مختلفة ستظهر معالمها بلا شك في روايتي القادمة «سلالم ترولار»، وهي أوّل رواية من سلسلة تسع روايات ستنزل تباعا، أقارب فيها الهامش العاصمي سرديا وبشكل واقعي بعيدا عن أي تجريب. هل ترى أنّه على الكاتب أن يعيد الاشتغال أحيانا على رواية من رواياته وفق رؤية أخرى مختلفة أو مغايرة؟ سمير قسيمي: بصراحة، لا أملك أي رأي في ذلك. على الكاتب أن يكون حرا من كلّ الإملاءات بما في ذلك إملاءات الناشر والجوائز وحتى إملاءات القارئ. لقد تابعت كغيري، ما كُتب مؤخرا عن البوكر واستياء البعض من عدم ورود روايات جزائرية في قوائم البوكر. بالطبع يؤسفني ما يحدث للتمثيل الجزائري في الجوائز الكبرى، ولكنّني مستاء من ردة الفعل التي تؤكد مرة أخرى على عدم الثقة في النفس بالتصريح أولا وقبل كلّ شيء أنّنا في الجزائر لا نملك روائيين قديرين يكتبون رواية متميزة قادرة على التنافس. إنّنا نكتب رواية بائسة لقراء بائسين يكتب عنها نُقاد أكثر بؤسا. إنّها حقيقة الفقر السردي المدقع للرواية الجزائرية، التي لن تتطور في اعتقادي، حتى يتخلص الروائي الجزائري من عقدة «الرجل الأفضل». بالطبع هناك استثناءات في هذا الحكم ولكنّها لا تصنع القاعدة. لهذا أقول لمن يصرح أنّ «الرواية الجزائرية بخير»، كفوا عن هذا الهراء من فضلكم. الرواية تستحضر مرويات بمثابة يقينيات، ثم تنسفها بمرويات مُناقضة ومُعاكسة للأولى. كأنّها رواية ضد اليقين/ أو ضد كلّ اليقينيات؟ سمير قسيمي: اليقين مفهوم لا إنساني بامتياز. إنّه مفهوم يليق بدكتاتور أو برجل دين أو بآلة، وليس بعقل متفتح ومتعطش للمعرفة، وعلى كلّ فأنا أعتقد أن ثمة يقينين في هذه الحياة: يقين الميلاد ويقين الموت، غيرهما مجرد وهم.