تتعرض صحراء الجزائر في السنوات الأخيرة إلى عمليات نهب منظم من نوع جديد، تحركها عصابات عابرة للقارات تسخّر العلم لخدمة تجارة تفطن لها جيراننا، فراحوا يمحون أي أثر يدل على خصوصية طبيعية لا نجدها في أي مكان آخر من العالم، ليجمعوا ما كنا نعتقد بأنه مجرد حجارة وبمساعدة الجزائريين. النصر كشفت عبر تحقيق نشر في عدد أمس عن جريمة جديدة تتعرض لها خيرات الجزائر التي تعرض في مزادات دولية، حجارة نيزكية نادرة يزيد عمرها عن أربعة ملايير سنة تنقل من عمق الجزائر، لتصل إلى أيدي علماء يؤشرون عليها علميا ثم يفتحون المزاد لبيعها، سواء لأغراض علمية أو للزينة و حتى استعمالات أخرى تقترب من السحر والشعوذة. بعد تسويق زيت الزيتون والبرتقال والتمر واللباس التقليدي الجزائري على أنه مغربي، ينقب جيراننا عن مخلفات الشهب والكرات النارية المتساقطة في صحرائنا من الأجرام والكواكب منذ قرون غابرة، ثم ينقلونها إلى أماكن آمنة في أوروبا أين تتكفل شبكات عابرة للقارات ببيعها. ما نراه نحن مجرد حجارة مهملة أو مخلفات حياة، تبين أنه كنز مفتوح ومستباح بمساعدة سكان وجدوا أنفسهم طرفا في تجارة تدر أموالا طائلة، منهم من رفض عن وعي الانخراط في اللعبة، ومنهم من حاول الاستفادة قدر المستطاع دون أن يسأل عن الأهمية ولا عن المخاطر. في مثل هذه الحالات لا يمكننا أن نلوم من باع كنزا وجده مرميا أمام بيته أو نقب عنه في قلب الطبيعة، بل السؤال الذي يطرح نفسه، كيف ينتبه غيرنا لثرائنا الطبيعي ويتسلل غرباء إلى التراب الجزائري ، يعقدون الصفقات ويجمعون الحجارة ويدفعون الأموال للسكان دون أن يجدوا من يقف لهم في الطريق. محمد مواطن من ولاية البيض اكتشف عن طريق الصدفة حفرة وسط الرمال بها حجارة لونها جعله يشك في أنها ذات قيمة، وبينما كان يحاول التعرف على سر تلك الحجارة، اتصل به كثيرون من تونس والمغرب ووسطاء يعملون لصالحهم بالجزائر، وعرضوا عليه ملياري سنتيم حتى يدلهم على الحفرة، هذا المواطن رفض العرض ، لكن هل يصمد غيره أمام إغراء المال؟. المختصون تنبهوا مؤخرا للظاهرة التي يحاربها الدرك والجمارك ، لكن ذلك لم يحل دون إخراج أكياس من الحجارة وتهريبها عبر الحدود الغربية، أين تفرز و تتخذ وجهات مختلفة مقابل مبالغ تبقى بعيدة عن قيمتها الحقيقة. المختصون يعترفون بنقص الدراسات في هذا الجانب رغم أن نصف النيازك التي عثر عليها بشمال غرب إفريقيا من الجزائر ويكفي أن نعرف أن فوهة «مادنة» النيزيكية بالأغواط تعد الأكبر في العالم ، وقد شرعت فرق علمية بجامعات باب الزوار و سطيف ووهران في دراسات بشأنها، كما أنه من المقرر إنشاء مركز بحث في العاصمة لدراسة النيازك الموجودة في الجزائر على أن يعقد شهر آفريل المقبل مؤتمر علمي بحضور خبراء من وكالة «ناسا». هي خطوات هامة لكنها تبقى متأخرة نوعا ما بعد أن هربت الكثير من النيازك المتحجرة و استفاد منها علماء ومخابر بحث كبرى ، فيما تبقى صحراؤنا أكبر مخبر طبيعي مفتوح، ننظر إليه على أنه بقعة قاحلة تصلح لترميم العظام شتاء و التقاط صور عن غروب الشمس، بعيدا عن كنوز تسقط علينا من السماء وأخرى مدفونة في باطن الأرض.