التحق الوزير الفرنسي جورج ترون بنادي النخب الفرنسية المتحرشة بالنساء قبل أن يجف دم ستروس كان على صفحات الصحف. الوزير الذي يشغل أيضا منصب رئيس بلدية اعتدى على سيدتين تعملان تحت إمرته استغلتا التجاسر على السياسيين الفاسدين في فرنسا لفضحه. وتعرف فرنسا هذه الأيام جدلا حول "أخلاق" ساستها إلى درجة أن جريدة لوموند أمنت على اتهامات الصحافة الأنجلوساكسونية للفرنسيين بالنفاق وقالت في مقال مثير أن العدالة لا تطال السياسيين في فرنسا. وسجلت الصحيفة تحجر المجتمع الفرنسي الذي تضامن مع المعتدي في قضية ستروس كان متسائلة عن مكانة العدالة في الديموقراطية الفرنسية التي تفتقر إلى ثقافة السلطة المضادة، معترفة بأن السياسيين يوجهون أحكام القضاء حسب مصالحهم. بل أن لوموند انتهت إلى وضع الديموقراطية الفرنسية موضع تساؤل مشيرة أن قضية ستروس كان كانت درسا أمريكيا قاسيا للفرنسيين فحواه: ما أطول الطريق أمامكم نحو الديموقراطية. وسبقت الفضيحتين فضائح كان أعضاء في حكومة ساركوزي أطرافا فيها من فضيحة وزيرة الخارجية آليو ماري التي استغلت عطلتها في تونس لتسهيل شراء والديها لشركة تونسية مقابل دفاعها عن نظام بن علي إلى فضيحة رئيس الوزراء الذي استفاد من خدمات الرئيس المصري المخلوع الذي وضع طائرة تحت تصرفه خلال عطلته، وفضيحة الوزير كريستيان بلون الذي يشتري السجائر بأموال عمومية، فضلا عن فضائح مالية لمقربين من السلطة يجري التستر عليها. كل ما سبق يعني المجتمع الفرنسي حتى وإن كانت سلوكات النخب الحاكمة في هذا البلد تعنينا لارتباطات تاريخية وثقافية. لكن المثير أن فضائح "نظام الحكم الفرنسي" تزامنت مع دعوات لتبني هذا النظام في حكم الجزائر مستقبلا من طرف نخب جزائرية لا ترى أبعد من باريس، مع أن العالم واسع خلف جدران هذه المدينة كما قال شيخ الروائيين الجزائريين محمد ديب، دعوات تأتي مع تشكيك عالمي في جدوى "النظام شبه الرئاسي" الذي يفلت من كل الرقابات ويبدو أقرب إلى الأنظمة الديكتاتورية أو ملكيات العصور الغابرة. ثمة مرض فرنسي في حياتنا، مع أن فرنسا لم تعد نموذجا لا في السياسة ولا في الثقافة والاجتماع، بل صارت مادة للسخرية بين الأنجلوساكسونيين وحتى بين الأمم الأوروبية الصغيرة. وربما يأتي الافتتان بالنموذج الفرنسي من التشابه في الفساد بين النخب، مع فارق بسيط يتمثل في بداية التشهير بالفاسدين في فرنسا في وقت يتمتع فيه النظراء هنا، بالحب و الود والتودد والقبول الاجتماعي!