عجوز من سيقوس ضحية حريقين الزوج و "الطابونة" لم تتمكن من التحكم في دموعها حال وصولنا و سؤالنا على حالها، بل تضاعفت آلامها من بشرة وجهها الملتهبة، و التي بدت لزوارها و كأنها نجت من غارة جوية لم تترك جزء من جسمها دون أن تصبه. تنقلنا إلى المستشفى بعد اتصال قريب لها بالنصر طلب منا نقل معاناة ربة عائلة أصيبت بحروق خطيرة مكثت بسببها أكثر من أسبوع بمصلحة المحروقين بالمستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة. إنها السيدة بلمرابط موني البالغة من العمر 59سنة تعرضت يوم 20ماي الجاري إلى حادث انفجار "طابونة " بركن بالبيت الذي استأجرت غرفة فيه لتأوي ولدها و ابنتها فيه بعد أن هجرها زوجها منذ أكثر من سبع سنوات. خالتي موني التي كانت تئن من شدة الألم و عدم قدرتها على التحرك بسبب جروحها التي لم تلتئم بعد، قالت و هي تحاول عدم تحريك أطرافها خوفا من الألم، بأن الحادث وقع لها ببيتها الكائن بحي 1نوفمبر بسيقوس التابع لولاية أم البواقي، أين قامت صباحا كعادتها لتحضير الفطور لأسرتها الصغيرة و ما إن أشعلت الكبريت حتى سمعت دويا لم تدرك مصدره لأنه أغمي عليها و لما استفاقت من الحادث وجدت نفسها مرمية أرضا بعيدا عن مكان القدر "الطابونة" بسبب شدة الانفجار، و سمعت صراخ إبنيها خارج الغرفة و هما يناديان عليها من وراء الباب لتدرك بأنها محاصرة. و قالت المرأة الضعيفة البنية و المنهكة القوى بأنها لم تنتبه لما حدث بعد ذلك إلا بعد وصولها المستشفى أين تم إسعافها و تضميد جراحها التي قدرها رئيس الأطباء بمصلحة المحروقين البروفيسور جنان بغير الخطيرة. خالتي موني التي لم تكف عن البكاء طيلة مكوثنا معها، أخبرتنا بأن طلبها لرؤيتنا حتمته ظروفها القاسية و معاناتها التي تتضاعف يوما بعد يوم بسبب الفقر و البطالة التي تعانيها هي و أطفالها مما دفعها للخروج للعمل و الرضا بعمل بالشبكة الإجتماعية و دخل لا يزيد عن ال3000دج شهريا، قالت أنها تستغله في سد تكاليف الإيجار التي حددها صاحب البيت ب2000دج تعاطفا معها و عائلتها الصغيرة حتى لا تبقى مشردة دون مأوى، أما ال1000دج الباقية فتذهب لتسديد فواتير الكهرباء و الغاز مرة كل شهرين أو تحاول اقتناء المواد الغذائية الأساسية كالخبز و الحليب إذا لم تصل مثل هذه الفواتير. و غالبا ما تعيش و أسرتها اليوم ليومه دون مصدر مادي يذكر. فقصة خالتي موني مليئة بالمعاناة و البؤس، فهي الزوجة المهجورة التي احترقت أول مرة بعد أن تخلى عنها زوجها تاركا وراءه عائلة دون سكن، تلطمها الظروف و ترميها من مكان إلى مكان و من بيت إلى آخر، تبحث فيه عن مأوى لها و لابنتها و ابنها اللذين يعانيان من كابوس البطالة مما دفعها للخروج للعمل و هي في هذا العمر المتقدم حتى لا تمد يدها للآخرين. لكن الفقر و الجوع مثلما قالت لم يتعبا كاهلها و لم يسببا حزنها و قلقها و خوفها مثلما يفعل وقع حرمانها من السكن و معاناتها من التشرّد"أنا بنت الجزائر، راني مطايشة" تبكي المرأة بحرقة و تطلب منا التقاط صور لها عسى أن تجد قلوبا رحيمة تعطف لحالها و حال أسرتها التي ملت التنقل من مكان إلى آخر و لم تستقر منذ سنوات طويلة بمسكن واحد، و ليس هذا فحسب بل تسوء حالتهم من سنة إلى أخرى مع تضاعف ثمن إيجار البيوت، و هو ما يدفعها لقبول أي عرض مهما كان نوع السكن، فقد جربت و أسرتها الحياة في المرآب كما عانت طويلا العيش في غرفة واحدة ضيقة لا تزيد مساحتها عن المترين و لم تتذوق يوما طعم الراحة ، فقد نست المرأة على حد تعبيرها شكل المطبخ و الحمام و حتى المرحاض الخاص لأنها تعيش ببيت كل فيه مشترك بين عدد من الجيران. و أسرت بأنها منذ وفاة زوجها الأول و ارتباطها من زوجها الثاني الذي هجرها لم تذق طعم الراحة و قالت بأنها فقدت الأمل في كل شيء لولا إبنيها الطيبين اللذين تعتبرهما مصدر طاقتها على التحدي، و هي اليوم تتساءل إن كانت ستكون قادرة على مواصلة التحدي بجسم منهك و جروح ستضطرها للبقاء طريحة الفراش لمدة غير محددة. و تساءلت و هي تتنهد "لست أدري كيف سأعيل أسرتي و أنا في هذه الحالة و من أين سأوفر ثمن الإيجار و الطعام ؟"تسكت و تضيف:"هل سيبقى سوء الحظ يلازمني؟" تستغفر و تدعو من الله أن يخفف محنتها و تواصل "مشكل السكن أدخلني المستشفى لأنني كنت أطبخ بمكان ليس بمطبخ و إنما زاوية جهزتها كمطبخ فحدث ما حدث". خالتي موني التي غادرت المستشفى يوم الأحد طلبت منا أن ننشر معاناتها و كلها أمل في أن تجد من يمسح الغبن عنها و أن تسمع السلطات نداءها و تحقق أمنيتها في الاستفادة من سكن قدمت العديد من الطلبات لأجل الحصول عليه طيلة سنوات عديدة لكن لم ينالها الحظ حتى اليوم.