الفعل الثقافي لن يبقى شأن الدولة وحدها وعلى الخواص المساهمة فيه قدمنا طلبا لتصنيف الراي كتراث جزائري و فيلم ابن باديس سيكون في المستوى شدّد وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي، أمس الاثنين، على أن الفعل الثقافي لن يكون شأنا خاصا بالدولة فقط مستقبلا، بل على عدة جهات وخاصة الخواص المساهمة فيه أيضا، وألح على ضرورة إحداث إصلاحات عميقة في تسيير الشأن الثقافي، وجعله رافدا من روافد التنمية المستدامة حتى يضطلع بأدوار أساسية في مواجهة التحديات التي أفرزتها ظاهرة العولمة والمتغيرات الجيو-استراتيجية ذات الصلة بأمن واستقرار البلاد، مؤكدا المراهنة على ثقافة الجزائر العميقة وليس ثقافة المدن. قدم وزير الثقافة، عزالدين ميهوبي أمس أمام أعضاء لجنة الثقافة الموسعة بمجلس الأمة أهم محاور إصلاح المنظومة الثقافية التي تعتزم الوزارة ومن ورائها الحكومة إدخالها على القطاع، وقال بالمناسبة، أنه بعد الدعم الكبير الذي لقيه قطاع الثقافة على مدى 15 سنة الأخيرة، والذي مكن إلى حد بعيد من تدارك النقص الملحوظ في المرافق والضعف في وتيرة الإنتاج، أضحى لزاما اليوم التفكير في وضع استراتيجية جديدة تهدف إلى إضفاء المردودية والنجاعة على الوسائل التي توفرها الدولة، وعلى الاستثمارات المنجزة والمؤسسات المحدثة وتحفيز الاستثمار في الصناعات الثقافية من خلال اشراك القطاع الخاص. إعادة صياغة دور الدولة في المجال الثقافي ويتمثل المحور الأول في مشروع إصلاح المنظومة الثقافية حسب ميهوبي، في إعادة صياغة دور الدولة في المجال الثقافي، وفيه أوضح أن لقاءه بأعضاء مجلس الأمة جاء لتوضيح أمر واحد هو «كيف نقضي على فكرة أن الثقافة شأن الدولة وحدها»، وأضاف أن دور الدولة يتمثل في بناء المرافق والبنية التحتية، وتأمين وتوفير الإطار البشري لتسيير هذه المرافق، ووضع القوانين والتشريعات، وأخيرا تأمين جزء من تمويل العمل الثقافي. وشدّد في هذا الصدد، على أن فكرة أن الدولة هي من يمول الفعل الثقافي بالكامل انتهت، وأنه على قطاعات أخرى وبخاصة القطاع الخاص المساهمة بقوة في إنتاج الفعل الثقافي بكل أنواعه، خاصة في مجال السينما، وهنا أكد أن قانون السينما لسنة 2011 سيعدل قريبا ليتماشى مع هذا التوجه الجديد. وبالنسبة لترقية الخدمة العمومية للثقافة، أوضح ميهوبي أنها تبقى على عاتق الدولة أو بدعم منها، ويخص المجالات غير المربحة التي تساهم في ترقية الابعاد التربوية والتثقيفية للمواطن، على غرار التكوين والانجاز المكتبات العمومية، والمتاحف العمومية، والحفاظ على الموروث التاريخي للأمة وإيصاله للأجيال، كما للدولة دور في ترقية ثقافة الطفل وتلبية الحاجيات الثقافية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وإيصال المنتوج الثقافي للمناطق النائية. وفي المحور المتعلق بالتراث فإن مسؤولية الدولة في حماية التراث الثقافي الوطني قائمة حسب المادة 45 من الدستور، من إطلاع بأشغال ترميم المعالم التاريخية والممتلكات الثقافية والمنقولة، وإجراء الحفريات وغيرها. ومن المهام الثقافية للدولة أيضا -يقول الوزير-تعزيز دور الثقافة في تحقيق الأمن الوطني، وتعزيز الهوية الوطنية وضمان النسق الاجتماعي في سياق وحدة الأمة، من خلال احترام كل مكونات والخصوصيات الثقافية للشعب، كما يكمن دور الدولة أيضا من خلال منظور الإصلاح المقترح في ترقية الاشعاع الثقافي الجزائري في الخارج من خلال تكريس مفهوم الدبلوماسية الثقافية. وفي نفس السياق يدخل باب ترقية المضامين الثقافية الهادفة، حيث سيتم ربط دعم الدولة للإبداع ودعم الجمعيات الثقافية ومواكبة المجتمع المدني بمدى تثمينهم للقيم الثقافية للمجتمع الجزائري وتاريخه، ورموزه، وبترقية التراث الثقافي الوطني والهوية الوطنية واللغتين العربية والأمازيغية، كما يقتضي مسار الإصلاح مراجعة الآليات المعتمدة في مجال التمويل الثقافي وجعلها أكثر انسجاما مع النجاعة الاقتصادية والفاعلية الثقافية المرجوة. ويتمثل المحور الثاني في الاستراتيجية الجديدة في تكييف سياسة الدعم العمومي للثقافة من خلال تحفيزات جبائية مناسبة لإنشاء قاعدة للصناعات الثقافية من قبل المستثمرين المقيمين أو في إطار الشراكة مع الخارج، وترقية أطر الشراكة مع القطاع الخاص وتحفيزه على إنشاء مرافق ومنشآت ثقافية، وفي هذه الحال سيقتصر دور الدولة على وضع المقاييس الواجب احترامها عبر دفتر شروط خاص بالاستثمار في القطاع. أما المحور الثالث والأخير في المشروع فيخص إصلاح المنظومة المؤسساتية لقطاع الثقافة، إذ تتبع لوصاية القطاع اليوم 117 مؤسسة عمومية متفرعة ومستهلكة لميزانيات إلى جانب المصالح المركزية وغير المركزية، بما يفوق 17 ألف موظف وعامل، حيث سيتم إدماج عديد المؤسسات في مؤسسات محدودة تضطلع بمهام خدماتية، وتكون أغلبها ذات طابع تجاري وصناعي لتحقيق توازنها المالي، و إدراج أساليب جديدة للتسيير وعصرنتها باعتماد تكنولوجيات الإعلام والاتصال. وفي رده على انشغالات الأعضاء اعترف ميهوبي بالنقص المسجل في المجال، من حيث مثلا نقص قاعات السينما، وقال إن الوزارة تسير حاليا قرابة ال 100 قاعة فقط، وهي في طريق استرجاع العديد منها، وبالنسبة للمكتبات تحدث عن إعادة النظر في توقيت فتحها ليكون مناسبا للتلاميذ. وبخصوص المهرجانات أوضح أنه من المستحيل ان يتكفل القطاع بجميعها، وقد طلب من المشرفين عليها البحث عن مصادر للتمويل، كما أعطيت الأولوية للمهرجانات الدولية لأنها تقدم صورة البلاد. وبالنسبة لترميم الآثار والمعالم التاريخية اعترف ميهوبي أيضا بأن الوزارة ليست لها الإمكانات للقيام بذلك لوحدها لأن العملية تتطلب أموالا ضخمة، فضلا عن وجود نقص في المختصين، ووزارة الثقافة تعمل بالشراكة مع قطاعات أخرى في هذا المجال، وقال إن سجن سركاجي سيحول إلى متحف تاريخي. وتحدث عن تصنيف عدد كبير من تراثنا غير المادي مثل الإمزاد، و الأهليل وأسبوع السبيبة وتقطير الزهر وغيرها، كما تم إيداع تسجيل أغنية الراي كأغنية شعبية جزائرية، وقال إن طلبات التصنيف مرتبطة بآجال وتكون مرة واحدة في السنة. وبخصوص عمل المركز الثقافي الجزائري أوضح أنه محدود الإمكانيات، وقد عقد مؤخرا اجتماع بمقر الوزارة الأولى خرج بقرارات لدعمه وتفعيل تنشيطه ثقافيا، كما طمأن بأن فيلم عبد الحميد بن باديس سيكون في المستوى.