النّص الجزائري ومنصّات التتويج العربية التتويج العربيّ الجديد للنّص الروائيّ الجزائريّ على وجه الخصوص، يدفع إلى التساؤل وإلى طرح علامات استفهام كثيرة: فهل مثلا قدر النّص الأدبيّ الجزائريّ أن يسطع في سماء أخرى غير سماء الجزائر؟، هل قدره أن يتوّج في محافل عربية وغربية ؟. قوس أسئلة يُفتح ولا يُغلق عن حضور النّص الجزائريّ لأدباء شباب في محافل الجوائز العربية والفوز والتتويج بها، وكيف استطاع هذا النّص الخروج من عباءة الوصاية الأبوية التي نادرا ما تؤمن به وبجودته، بل على العكس غالبا ما تصفه بالنّص غير الناضج، النّص غير الجيّد، وكأنّ الشباب لا يحمل مقومات وبذور الإبداع. لماذا النّص المخذول محليا يُتوّج عربيا وبأهم وأعلى الجوائز، والأمثلة كثيرة من بينها: جائزة سعاد الصباح، جائزة الشارقة للإبداع، جائزة الطيب صالح، جائزة الشيخ زايد، وجائزة كتارا، وغيرها من الجوائز المهمة في الخارطة العربية وحتى في الضفة الأخرى .فكيف استطاع هذا النّص الخروج من الجغرافيا المحلية والوصول إلى محافل الجوائز العربية وغير العربية؟. استطلاع/ نوّارة لحرش «كراس الثقافة» لعدد اليوم، يفتح هذا الموضوع مع مجموعة من النقاد والأدباء الذين واكبوا الكثير من التجارب الأدبية للكتاب الشباب، وأشادوا بها وكتبوا عنها وآمنوا بها وبما تقدمه من إبداعات. كما يتحدث في هذا الحيز من الملف، بعض الكتاب الذين توجوا بجوائز عربية ومنها جائزة كتارا في طبعتها الثالثة والتي أقيم حفل توزيعها منذ أيّام فقط في الدوحة. السعيد بوطاجين الاستحقاقات الجزائرية الكثيرة دليل على أنّ هناك عملا ما ينجز بمقدرة أشرنا في عدة مناسبات، وفي مقالات مختلفة إلى أنّ الأدب الجزائري يشهد تطورا كبيرا من تجربة إلى أخرى، رواية وقصة وشعرا ونقدا، وهذه ظاهرة لافتة، مقارنة بطبيعة السياق التاريخي الّذي لم يُقدم له أشياء كثيرة، اهتماما ودعما. هناك مؤسسات تقدم الملايير لكرة القدم، ولا شيء للكتاب.لقد ظلّ الأدب في السنين الأخيرة يشق طريقه اعتمادا على قدراته، ودون سند مادي، إلاّ ما ندر منه في سياقات عينية محدودة، وبفضل إصرار الأدباء على تحقيق ذواتهم، على الأقل من الناحية الفنية، كخيار له مسوّغاته. لا أنوي ها هنا الحديث عن خلفيات بعض الجوائز وما أُثير حولها من جدل، لأنّ أغلب هذه المسابقات الأدبية لها إيجابياتها وسلبياتها، ولها خلفيات تؤسس عليها، وقد تخضع، في حالات، إلى منطق الممول وإستراتيجياته ومقاصده، وهذا أمر آخر.الحضور الجزائري اللافت مفخرة للجميع، وليس لنا أن ننتقد هذه الجوائز أو اللجان دون سابق معرفة، وذلك تفاديا للوقوع في الزلل، أو في الأحكام المسبقة التي كثيرا ما تسيء إلى بعض الكفاءات. هناك أعمال أدبية راقية تستحق أن تجازى لأنّها بذلت جهدا استثنائيا لترقية أدواتها، الشّعرية أو السردية، ومن ثمّ أهليتها التمثيلية.الاستحقاقات الجزائرية الكثيرة دليل على أنّ هناك عملا ما ينجز بمقدرة، وبتميز، وهذا أساسي، وتشريف للبلد وأدبه. أمّا الانتقادات المحتملة فيمكن تأجيلها إلى سياقات أكاديمية موضوعية، مع ضرورة تكريم من يستحق ذلك، دون الوقوع في مطبات «الكمال». كلّ ما نكتبه قابل للمراجعة، من الناقد أو من الكاتب نفسه. لست مع فكرة الوصاية، كما تُطرح حاليا، ولا مع ما يُسمى صراع الأجيال، هذه سفسفة حقيقية لقضايا جمالية تستحق اهتماما آخر، أكثر عمقا من بعض الطرح الاختزالي الّذي لا يبني على منطق بيّن. ما يُكتب أحيانا في هذا الشأن لا يرقى إلى مستوى الجدل المؤثث لأنّه يبني على الجزئيات والوقائع الشاذة، وليس على الحقائق التاريخية.الأدباء المكرسون لم يدّعوا الألوهية، ولم يقولوا إنّنا المجرى والمرسى، أو نحن وبعدنا الطوفان. أمّا إذا حصلت استثناءات، في فترة ما، فليس لنا أن نقيس عليها، ثمّ إنّ هؤلاء، شعراء ونقادا وقصاصا وروائيين قدموا لبعضهم ما وجب تقديمه، لذا من المهمّ تجاوز هذا الطرح الّذي فقد كلّ مسوّغاته بالنظر إلى انبنائه على مواقف ذاتية. الكتابة الحالية، بقضها وقضيضها، تنتج نوعا من التكامل، بصرف النظر عن المستويات، من حيث إنّ الاختلاف ضرورة مُنتجة للمعنى. أمّا من موقعي كقارئ، فألاحظ أنّ ما ينجزه هؤلاء تقوية فعلية للأدب، وانتصار له في سياق صعب تصبح فيه فكرة الكتابة إنجازا. علاوة كوسة حضور النص الجزائري في المسابقات العربية يعكس مدى نضج الكتابة الأدبية في الجزائر إنّ حديثنا عن الجوائز الأدبية العربية هو حديث عن محافل وفرص يمكن من خلالها اكتشاف مواهب سبق لها التتويج وطنيا، وطاقات لم تتح لها الفرص للظهور في بعض الحالات.. والجوائز مُهمة جدا في جانبها الإشهاري للأدباء الفائزين وفي جوانبها المادية أيضا.. ولقد صار للنّص الأدبي والنقدي الجزائري حضوره وتواجده الكبير في المسابقات العربية وهذا يعكس مدى نضج الكتابة الأدبية في الجزائر.. ويبيّن أنّ هناك جيلا جديدا من الأدباء الشباب انفتحوا على عوالم الكتابة بأدوات جديدة تواكب العصر، ولابدّ علينا الآن كجزائريين أن نحتفي بالأمر والتتويج بوصفه تمثيلا للجزائر، وأن نكرم المتوجين بجوائز عربية لأنّ التكريم ببلدك بألف معنى، ويكون التكريم ماديا ومعنويا، وبإعادة نشر أعمال المتوجين، ولعلّ فوز الثلاثي الجزائري بجائزة عربية كبيرة منذ أيّام هي جائزة كتارا للرواية العربية، خير دليل على ذلك.. خير دليل على أنّ الجيل الحالي من الشباب المبدع يمكن أن يواصل رحلة كتابة النصوص الخالدة ليكون امتدادا لجيل سابق ممتاز. كمال قرور النّص الجيّد موجود، المشكلة في غياب استراتيجية واضحة تؤثث لبيئة حاضنة للإبداع كقارئ وناشر ومُتتبع للمشهد الثقافي بكلّ تنويعاته الأدبية، أقول: النّص الجزائري الجيّد موجود بإبداعيته وأصالته وتجدّده وتميّزه. مهما قيل في جلسات النميمة الثقافية المُنظمة أو التصريحات الإعلامية غير المسؤولة. مشكلنا الحقيقية ليست في وجود أو انعدام النّص الجيّد. المشكلة في غياب إستراتيجية واضحة المعالم تؤثث لبيئة حاضنة للإبداع. تتكئ على معايير موضوعية، تُثّمن النصوص الجيّدة، وتعرف كيف تُراكمها، وترعاها ثمّ تستثمرها استثمارا ايجابيا. الحقيقة المُرّة التي لا تُقال في بلادنا هي أنّ: النّص الجيّد «ماعندوش الزهر» فهو يتيم لا أحد يتكفل به ويرعاه، وغالبا ما يُواجه بالتهميش والإقصاء والمتاريس، أو ما أسميه «التواطؤ العام». وحتى لو توج هذا النّص بجوائز عربية سرعان ما ينطفئ وهجه، ولا يستطيع صاحبه أن يجد مكانا له في المشهد الثقافي. أنوّه هنا بمتابعات الأستاذ مخلوف عامر للنصوص الجزائرية الجديدة، فهو في كتاباته المتواصلة، يُشيد بالنصوص الجيّدة ويُشجع أصحابها ويفخر بهم، وقد قال قولته الشهيرة: «أخاف أن يدركني الموت، وقد فاتني نص جزائري جيّد لم أطلع عليه». ما أحوجنا اليوم إلى عشرات النقاد والصحافيين والأكاديميين، أمثال الأستاذ مخلوف لإثارة نقاشات موضوعية لوضع حد للسلوك المرضي المُدمر، الّذي يُحارب النّص الجيّد. مخلوف عامر نزعة الاستخفاف بإنتاجنا الأدبي تجعلنا لا نلتفت إليه إلاّ إذا تمَّ تثمينه بالخارج عندما نتأمَّل الحركة الأدبية عموماً والكتابة السردية منها على وجه الخصوص، فإنَّ هناك أمريْن لا بدّ من أخذهما في الحسبان: فأمّا الأوّل، فيتعلَّق بعُمْر هذه التجربة الّذي هو قصير بالقياس إلى غيرها، إذ انتعشت الكتابة السردية منذ سبعينيات القرن الماضي بحكم المكانة التي حُظيت بها اللّغة العربية يومئذ. وأمَّا الثاني فيعود إلى أنَّ الكُتَّاب -وإنْ هم تعلَّموا المبادئ الأساسية في المنظومة التربوية- إلاّ أنَّهم يُعدُّون عصاميين أو أشباه عصاميين، لأنَّهم حتى المرحلة الثانوية لم يتعاملوا مع نص سردي، فضلاً عن طريقة التدريس التي لم تبرح الدائرة التقليدية.لكن من يطالع الأدب الجزائري، سيقف على نصوص في الشّعر والسرد غاية في الجودة من حيث القدرة على ترويض الأداة اللغوية، وخلق عوالم من التخييل تمتح من الواقع وتعلو عليه.واللافت –حقّاً- أنَّه منذ مطلع القرن الجديد ظهرت نصوص مميَّزة في شتَّى أنواع السرد، وهي لا تقلُّ قيمة عمَّا يُكْتب بالعربية في بلدان أخرى. إنَّما يبدو أنَّ كثيرين من القُرَّاء والباحثين لازالوا يسيرون تحت مظلَّة المركزية المشرقية وسكنتهم نزعة الاستخفاف بإنتاجنا الأدبي، فلا يلتفتون إليه إلاّ إذا تمَّ تثمينه خارج الجزائر.فممَّا يدعو للفخر والاعتزاز أنَّ الجيل الجديد يبدع نصوصاً راقية، تشهد بها جوائز مختلفة كالجائزة الأولى (آسيا جبار) وجائزة (محمد ذيب) وجائزة (الطاهر وطار) قريباً. بالإضافة إلى الجوائز العربية (الطيب صالح) و(سعاد الصباح) و(كتارا) وغيرها. بالرغم من أنَّ لِجان التحكيم لا تعرف الفائزين وهم من «المغمورين». لازلتُ أومن -ومن خلال متابعتي المتواضعة- أنَّ لديْنا غابة من الأشجار المُثمرة إذا نحن اجتهدنا قليلاً لنتجاوز ما طال من الأشجار وحجب عنَّا رؤيتها.والأمر لا يتعلَّق بمَنْ يتهافتون على الكتابة الروائية، بلا موْهبة ولا اجتهاد، فهؤلاء سيكتبون وينشرون ما طال الزمن، لكنَّها فقاقيع -وإن هي طفت على السطح لحظة- إلاّ أنَّها لا تلبث أنْ تنطفئ ليمكث الإبداع في الأرض.ثمَّ، إنَّ غربال الأيّام كفيل بالفرز بيْن كتَّاب مُكرَّسين وقد لا تكون كتاباتهم اللاحقة سوى تنويعات مشوَّهة على السابقة، كما هو كفيلٌ بإبراز أقلام مُميَّزة، ونبقى –في كلّ الحالات- في أمسِّ الحاجة إلى ممارسات نقدية. آمنة بلعلى تألق الشباب الجزائري في كتارا هو بمثابة تحد للتعتيم الثقافي ليس غريبا على المثقفين الجزائريين أن ينالوا الجوائز تنافسا، أو تقديرا لهم، كان ذلك في أحلك أيّام الاستعمار الفرنسي، حيث تمّ ترشيح الجزائريين لنيل جوائز كانت الحكومة الاستعمارية تعتقد أنّها جزاء لهم للكتابة بلغة المستعمر، فقد كتب مولود معمري الشاب سنة 1952 «الهضبة المنسية» ونال جائزة رفض استلامها آنذاك.ولم يغب الجزائريون من مختلف الأجيال عن رهانات التنافس، التي مكّنتهم من الظفر بجوائز داخل الوطن وخارجه. وهم كثير في مجالات عدّة مِما لا يسع المقام لذكرهم، حازوا على جوائز عالمية (كان، غونكور، جائزة الملك فيصل العالمية، جائزة الشيخ زايد للكتاب، جائزة الباحة، جائزة البابطين، جائزة كتارا)، وغيرها.ولعلّ تألق الشباب الجزائري هذه السنة في كتارا، من خلال تألق ثلة منهم في مجال النقد والرّواية، (بشير ضيف الله، سعيد خطيبي وعبد الوهاب عيساوي) هو بمثابة تحد للتعتيم الثقافي الّذي يعاني منه المثقفون الجزائريون في غياب سياسة ثقافية حقيقية. ففي الجزائر مثقفون بارعون في كلّ المجالات لكنّهم مشتّتون محبطون، يشتغلون بمفردهم، لا يجمعهم عامل مشترك، ولا طموحات موحّدة، مقاصدهم متفرّقة، ولا توجد برامج وسياسة ثقافية توحّدهم، ويسعون إلى تجسيدها. ولذلك من الطبيعي أن نجدهم يبحثون عن فضاءات خارج الوطن، تُبرز عطاءاتهم وتثمّن جهودهم وإضافاتهم، وتخلق جمهورا يقرأ لهم.إنّهم فتية آمنوا بالتفوق، فازدادوا هدى بقضايا الإبداع، ولقد ساهمت وسائل التكنولوجيات الجديدة بِما وفّرته من وسائل اتصال، من كسب رهانات المنافسة، وتأكيد جرأتهم في تجاوز سياسة التدجين، وفقدان الأمل في وجود مؤسّسات وفضاءات ترعاهم، وتُخرج ما يكتبون إلى النّور.لا شك أنّ الشباب الجزائري اليوم يكتب بتحدّ كبير، ويصوغ تمثيلات مختلفة لرؤى ومواقف جديدة لم تكن تخطر ببال أحد، هناك باحثون نقاد، وروائيون وشعراء يخترقون كلّ أصناف الرقابة والتهميش وعصا الوصاية، ويكتبون نصوصا تجسّد رؤيتهم للعالم، ويسعون بها إلى التجاوز والإضافة والمساهمة في الفعل الثقافي العالمي. نلاحظ، أيضا، وعيًا أنثويا آخر يتشكّل، يتجاوز محاولة تهديم مؤسّسة العائلة إلى بلورة فلسفة جديدة في الكتابة النسوية، هناك أدب جديد، جيّد، قادم من الصحراء ومن المدن الداخلية أخرجت الجوائز العربية أصحابه من الظل، هذا الأدب الّذي يصوغ متخيّلا مختلفا يخط طريقه بثقة الكبار.لقد أضافت الجوائز للبعض دفعا معنويا، وكرّست أسماءهم خارج الجزائر، فكم من طاقات إبداعية عُطّلت قسرا، ليتفرّغ أصحابها لمتطلّبات الحياة القاسية، وجدت في التنافس على الجوائز حافزا لتجاوز وقع الحافر على الحافر في الجزائر، والإصرار على ضرورة الدفاع عن الثقافة الجزائرية، بعدما تقاسم شلوها السياسيون ورجال الأعمال، وهكذا تبدو هذه الجوائز بمثابة الإعلان عن ضرورة عودة السياسة الثقافية إلى أصحابها الحقيقيين. وأنّ الإبداع ليس حكرا على من يعتقدون بأنّهم كبارا لأنّهم سبقوا، وأنّهم أوصياء على الشباب المنفتح على الحياة الّذي يسير من مختلف إلى مختلف، لكن، فليحذر الشباب من آفات الجائزة الثلاث: الغرور اعتقادا بالكمال، والحسد اعتقادا بأنّ نجاح الآخر حجر عثرة في طريقه، والتوقف عن الإبداع والاكتفاء بالجائزة. متوّجون يتحدثون عبد الوهاب عيساوي لولا تلك الجوائز لظلت الأصوات الشابة مهمّشة أعتقد أنّ ما يحدث مؤخرا في الأدب الجزائري هو ظاهرة جديدة، ومختلفة، ولا يمكن أن نصفها بالقطيعة لأنّ سيرورة الآداب العالمية تكون وفق استمرارية لآدابها القومية لهذا أجدني أكثر ميلا إلى أنّه ليس هناك وصاية بالمعنى الحرفي للكلمة، أو أبوية مثلما يُرى في بعض المنابر، على الأقل في العشر سنوات الأخيرة، هناك أسماء كبيرة بالتأكيد وصلت إلى النطاق العربي، وفازت بجوائز كبيرة جعلت لها مكانا مرموقا، هذا بالنسبة للأسماء الكبيرة، أمّا بالنسبة للشباب فأعتقد أنّ الخيارات الفنية الجديدة التي اُختيرت بعيدا عن الأيديولوجيا، إضافة إلى الانفتاح الثقافي العربي والجوائز التي أحيانا لا تفرق بين الكبير والصغير في تحكيمها، وتحتكم إلى جودة النصوص، تلك الأشياء جعلت من الكل يتساوى أمامها، هذا ربّما ما جعل أصواتًا شابة تحتل أمكنة بارزة وتختصر سنوات طويلة كانت ستقطعها من أجل التعريف بأنفسها ونصوصها، ولولا تلك الجوائز ربّما لظلوا مهمشين داخل الفضاء الثقافي الجزائري الّذي يعاني من أمراض كثيرة لعلّ أهمها عدم المقروئية. وكوجهة نظر أرى أنّ أهم شيء يمكن للجائزة أن تقدمه للكاتب هي أن تزيد من عدد القراء، أمّا بالنسبة للنقد في الجزائر وعلاقته بالشباب فألاحظ أنّ هناك قسوة في التعامل من بعض الأسماء مع الأصوات الجديدة. أحيانا تكون القسوة مبررة لأنّ المشهد الروائي أضحى مليئا بالأصوات غير الجادة، ولكن القسوة في مرات أخرى لا يكون لها معنى سوى تحطيم الروائي، إضافة إلى ملاحظة أخرى وهي أنّ المناهج النقدية صارت تقدّم على الفن في الرواية، وكأنّه على النّص أن يوافق منهجا معينا بطريقة ميكانيكية بالرغم من أنّ الإبداع سابق على المنهج. ربّما بسبب هذا نجد أنّ الكثير من النصوص لم تلاق الترحيب داخل الجزائر ثمّ وجدت لها مكانا مرموقا ما إن رأت النّور في فضاءات ومنابر خارجها. هناك مشكلة حقيقية تتعلق بالرؤية الفنية وفي تثمين النصوص الجزائرية داخل الجزائر، مفترضا أنّ الحساسيات الروائية لدى الكتاب الشباب لم تستوعب جيدا، وقد أضرب مثلا في ذلك على رواية جزائرية لم تٌقرأ بشكل عميق بالرغم من يقيني أنّ ما تحمله يمكنه أن يشكل رؤية جديدة وعميقة للإبداع الروائي العربي، وهي رواية «مولى الحيرة» للروائي إسماعيل يبرير. ولكنّي متفائل بأنّ القادم يمكنه أن يحمل الكثير من النصوص والكثير من الأسماء الجديدة في الفضاء الروائي الجزائري. بشير ضيف الله الرهان لدى الأدباء الشباب لم يعد الداخل بل صار الخارج أولا.. دعيني أهنئنا ب"كراس الثقافة" لسبقه الإعلامي واحتضانه الدائم لكلّ بارقة ثقافية تضيء هذا الخواء الضحل الّذي يميز مشهدا «مزاجيًا» لا يخضع لترتيبات متعارف عليها، وإنّما تحكمه «الانفعالات» في كثير من الأحيان. حقا، إنّ النّص الجزائري يفرض تواجده من الخارج بخلاف الأصل في هذه الأشياء، وكأنّ بمُغنية الحي لا تُطرب إلاّ إذا قدمها لنا الآخرون على طريقتهم؟؟؟ تلك خيبة ما بعدها خيبة فرضهما واقع سوسيو-ثقافي واهم يعيش على صراعات «دونكيشوتية» وأخرى «بطريركية» تمارس سطوتها المخجلة بشيء من التعالي حينا، ومن الحقد أحيانا. الجزائر حاضرة في كلّ المواعيد والفعاليات الكبرى على غرار «جائزة كتارا»، «جائزة البابطين»، «جائزة سعاد الصباح»، «جائزة الطيب صالح»، «جائزة الشارقة للإبداع الأدبي» وغيرها كثير، ولم يكن هذا الحضور تمثيليًا بقدر ما كان فاتحًا، وفي كلّ الأحوال نحتاج إلى لحظة صفاء مع أنفسنا لتصحيح ما يمكن تصحيحه، وطرح السؤال الآتي: -لِمَ لا نتصالح مع ذواتنا ونكرس سلوكا ثقافيًا نخبويا يسمو بنتاجنا، ويقدمه على أحسن صورة بدل أن ننتظر التألق ثمّ نتحرك بحثا عن حيز يحفظ لنا ماء الوجه؟؟ ثمّة فخاخ أسئلة كثيرة تفتح هامشا للخيبة والضحك حد البكاء في بعض الأحيان خصوصا حين يتعلق الأمر بكرنفاليات تصعد بنا نحو الأسفل وذلك ما يشعرني بالإحباط؟؟ الآن أفتح قوسا لأقول أنّ المبادرات الفردية وحدها منْ صنعت الفارق، وإن أراد المبدع توشيح وجوده ما عليه إلاّ ركوب البحر –مجازا- ليثبت أنّه موجود دون الحاجة إلى استجداء هياكل ثقافية «خاوية» تمعن النظر في نشر «التكلس» الّذي تملية العلاقات القائمة على مصالح ليست مشتركة دائما، خصوصا حين يتعلق الأمر بشماعة «غياب التمويل» مثلا... سأقول أنّ أسماء مثل «يبرير إسماعيل، سعيد خطيبي، هاجر قويدري، عبد الوهاب عيساوي، سالمي ناصر...» وغيرهم كثيرون في وطني أحدثوا خلخلة في مشهد سائد يتدثر بالمجاملات، فلم أكن شخصيًا –على سبيل المثال لا الحصر– أقرأ لروائي اسمه «سالمي ناصر»، وحدث أن زرت مدينة «معسكر» في نشاط أدبي ولم يكلمني بشأنه أحد إلى أن أعلنت جائزة «كتارا» فوزه وتألقه؟ ألا يوجد خلل في منظومة –افتراضا- ثقافية تجترّ كمًّا من الخيبات، وتقوّض أحلام كُتاب ذنبهم الوحيد أنّهم كتَّاب؟؟؟ إذن الرهان لدى هؤلاء لم يعد الداخل، بل صار الخارج، وكأنّ بهؤلاء الشباب يُعيدوننا إلى المعادلة التاريخية «أولوية الخارج على الداخل» التي أثبتت صحتها الآن... الحديث يطول... لكن دعيني وسط هذه «القتامة» أرفع قبعة التقدير للروائيين الرائعين «سعيد خطيبي»، وابن مدينتي «عبد الوهاب عيساوي» على تألقهما متمنيا لهما تواجدا مختلفا في «البوكر» آملا أن تتحوّل خيبات هذا الوطن إلى ما يشبه الفرح. فما أحوجنا إلى الأفراح الثقافية كيفما وأينما كانت... ناصر سالمي صرنا في حاجة إلى اعتراف خارجي وإلى إضاءة تمنحها الجوائز الدولية للنّص الجزائري أتاحت تكنولوجيا التواصل والوسائط الحديثة فرصة نادرة للكُتاب الشباب للتّواصل المباشر مع منصّات الجوائز دون المرور بالمؤسسات الوطنيّة التي تكرّس أسماءً وتقصي أخرى، وقد استطاع النّص الشّبابي أن يتجاوز الجغرافيا المحلّية والإكراهات المتعلّقة بالطبع والتوزيع من خلال ما استحدث من جوائز لا تستدعي وسيطا أو وساطة بين الكاتب ومسؤولي الجوائز.حاولت بعض دور النشر فتح مجال الطبع أمام الجميع لكنّ ذلك ميّع المشهد أكثر وصرنا في حاجة للأسف إلى اعتراف خارجي لأسماء ما كان لها أن تبرز لولا الإضاءة التي تمنحها لها الجوائز الدولية. كانت السّاحة الأدبية مغلقة لسنوات على مجموعة من الأسماء ولكنّ الأمر انتهى مع تكنولوجيا التواصل التي فتحت كلّ الأفاق أمام النص لينتقل إلى كلّ الجغرافيات ويترشح إلى مختلف الجوائز ويتوّج في أمكنة عديدة من أماكن الدنيا، غالبا ما تكون أمكنة غير أمكنة الوطن. ما يمكنني قوله اليوم أيضا: أحبّوا بعضكم أيّها الكتّاب الجزائريّون، الرّواية الجزائريّة بألف خير، رأيت ذلك في عيون القطريين والعمانيين والسّودانيين والعراقيين وكلّ من حضر مهرجان جائزة كتارا للرّواية العربيّة، فقد كان عرسا جزائريّا بامتياز.. ارتفعت دقّات القلوب، وتعالت التّصفيقات، والجزائر تعتلي منصّة التّتويج للمرّة الثالثة على التّوالي.. فبعد افتكاك رواية «مملكة الفراشة» للروائي واسيني الأعرج لجائزة كتارا في دورتها الأولى عام 2015، فتح باب التّتويج لروايتي الموسومة ب»الألسنة الزّرقاء» لتأخذ حقّها في التتويج في الدورة الثانية علم 2016، وها هو باب جائزة كتارا يُفتح على مصراعيه للكتاب الجزائريين فيفوز بها دفعة واحدة ثلاث من كتّابنا الشّباب.