ما تزال أشغال الترميم متوقفة بالمواقع التاريخية للمدينة القديمة بقسنطينة، منذ أزيد من ثلاث سنوات، بما بات يهدد هذا الموروث الحضاري، حيث تؤكد مديرية الثقافة بأنها وجهت إعذارين إلى مكاتب الدراسات قبل الإعلان النهائي عن فسخ الصفقات، في حين يتحدث ممثلو المكاتب عن عدم تخليهم عن المشاريع و يؤكدون بأن مهلة الإعذارات غير كافية للشريك الأجنبي من أجل إعداد وثائقه. وقد أدى التوقف عن عملية ترميم المدينة القديمة والقطاع المحفوظ، التي استفادت منها قسنطينة في إطار مشاريع عاصمة الثقافة، وخصص لها غلاف مالي ضخم يقدر ب 7.7 مليار دينار، إلى تحول العديد من المباني و الزوايا والمساجد إلى منشآت هشة آيلة إلى السقوط، إذ يؤكد مختصون بأنها قد تنهار في أية لحظة، بعد أن اضطرت مؤسسات الإنجاز إلى هجرة الورشات تاركة آثارا وموروثات حضارية تغرق في الردوم و والقمامة، فضلا عن مساجد وأضرحة تتجول فيها الكلاب ويستغلها المنحرفون كأوكار تهدد الأمن العام. وأوضح مدير الثقافة في اتصال بالنصر، بأنه وبعد إجراء تعديلات في الصفقات ومراجعة الأسعار، فضلا عن إلغاء بعض البنود غير اللازمة في العملية، فإنه من المنتظر أن تباشر مكاتب الدراسات أشغال الترميم، لكنه أكد تسجيل عدم استجابة من طرف البعض، حيث تم توجيه إعذارين كتابيين عبر وسائل الإعلام، مضيفا أنه و في حال عدم الإنطلاق في الإنجاز، فإن الصفقات ستفسخ آليا بعد توجيه الإعذار الثالث و الأخير. وأفاد مصدر مطلع للنصر، بأن الوالي السابق وفي اجتماع مع ممثلي المجمعات المعنية، وصف انطلاقة المشاريع بالخاطئة باعتبار أن عملية التهيئة مست الممتلكات الخاصة، حيث كان من المفروض أن تشمل الدروب والأرصفة والإنارة والشبكات والأسوار الآيلة للسقوط فقط، إذ أكد مصدرنا بأنه من غير الممكن ان يتم تهيئة جميع المدينة القديمة على حساب ميزانية الدولة، مشيرا إلى أنه سيتم تهيئة ثلاث حصص تتعلق بالغلاف الخارجي لحي السويقة لتحسين صورة المدينة، أما البنايات الداخلية فإن ملاكها يتحملون مسؤولية ترميمها. وأشار ذات المصدر إلى أن 5 مساجد بالمدينة القديمة ما تزال مغلقة حاليا، حيث تم إعادة النظر في مقترحات الأسعار، كما احتوت الصفقات، بحسبه، على إدماج مؤرخين وعلماء آثار و مختصين في علم الاجتماع، إذ أن 45 بالمائة من قيمة الصفقات مخصصة لهؤلاء، وهو ما اعتبره الوالي السابق هدرا للمال، ليأمر بإعادة النظر في الصفقات والخفض من قيمتها، باستثناء بعض المشاريع المصنفة، على غرار الخاصة بمسجدي سيدي لخضر و الكتانية، حيث أوضح مصدرنا بأن الترميمات بحاجة إلى تقنيين وحرفيين، ويستحيل أن يتم دفع أموال عن أعمال لم تنجز في أرضية الميدان، بحسب تأكيده. من جهتهم أوضح أصحاب مكاتب دراسات معنية في اتصال بالنصر، بأنهم لم يتخلوا عن المشاريع الموكلة لهم على الإطلاق، حيث أكدوا بأن الإعذار الأول تم إشهاره في وسائل إعلام غير معروفة ولم تطلع عليه المؤسسات إلى بعد مدة من صدوره، في حين أن المؤسسات الأجنبية المشاركة في العملية غير قادرة، حسبهم، على تسوية جميع وثائقها في آجال لن تتعدى 8 أيام، وهو نفس الأمر الذي حدث مع الإعذار الثاني، مشيرين إلى أنه حتى بعد إصدار الإعذار الأخير الذي لا تتجاوز مدته ثلاثة أيام، ستظل المؤسسات غير مستعدة للإنطلاق في الأشغال المتوقفة منذ 2014، وفقا لأمر توقف رسمي تم إصداره من طرف الهيئات المشرفة على المشاريع. وأضافت ذات المصادر، بأنه قد تم الاجتماع مع الوالي السابق و الإتفاق على إلغاء بعض البنود، كما أنها قامت بالرد رسميا على الإعذارات وأبلغت الهيئات المعنية بوجهات نظرها، مشيرة إلى أن الاستعانة بمختصين في الآثار وعلماء في الاجتماع يعد ضرورة ملحة في عملية الترميم، و هي أعمال نظمها القانون ويشرف عليها مهندسون معتمدون لدى وزارة الثقافة، و قدّم محدثونا مثالا عن زاوية باشتارزي التي تحتوي على أعمال منقوشة بخيوط الذهب ولابد، حسبهم، من تدخل مختصين في المنمنمات والآثار لإعادة تأهيلها. أما فيما يخص المستحقات، فقد أكد ممثلون عن مكاتب الدراسات المعنية، بأنهم لم يتلقوا أي منها إلى حد الساعة ومنهم من دخل مرحلة الإفلاس بسبب الديون العالقة، التي وصلت لدى البعض إلى حدود 600 مليون سنتيم، مستغربين إعادة انظر في الصفقات بعد أن تم التأشير عليها، كما تساءلوا عن كيفية دفع المستحقات المالية للمؤسسات الأجنبية بالدينار الجزائري، فيما أكدوا بان العديد منها قد ذهبت إلى التحكيم الدولي في القضية من خلال رفعها بالتنسيق مع سفارتها بالجزائر، لدعاوى قضائية. و قد انطلقت عملية الترميم في البداية برخصة استثنائية من الوالي السابق منحت للمقاولين بهدف الإسراع في 79 عملية ترميم، لكنها توقفت بعد اصطدام لجنة الصفقات العمومية بالولاية، بعائق قانوني يتمثل في استحالة حيازة المجمعات المختلطة البالغ عددها 22 مجمعا جزائريا وأجنبيا للدفاتر التجارية، و ذلك بسبب الشراكة بين شخص معنوي المتمثل في مكاتب الدراسات الأجنبية والشخص الطبيعي المتمثل في المتعامل الجزائري، ما دفع بالسلطات إلى تأجيل الفصل في ملفات الصفقات الممنوحة لها، وأدى إلى توقيف الأشغال من طرف مكاتب الدراسات نتيجة عدم تسوية الأغلفة المالية للمشاريع.