تنتشر القبور القديمة في المقبرة المركزية لمدينة قسنطينة، ويمرّ بها المئات من الأشخاص أثناء تشييع موتاهم دون أن يعلموا ما تخفيه من تاريخ حافل بالأحداث المفصلية في تاريخ البشرية، فأغلب هؤلاء يجهلون أن بين موتاهم أشخاصا جزائريين حاربوا في أربع قارات منتصف القرن التاسع عشر، دون أن يُدْركوا أن المعارك التي شاركوا فيها كمجندين بسطاء ستصير نقاطا مرجعية في التاريخ عند الحديث عن صراع القوى الاستعمارية التي كانت تتقاسم العالم، على غرار حرب القِرم الأولى والحملة الفرنسية على المكسيك. تحقيق: سامي حباطي النّصر قامت بجولة في مقبرة قسنطينة، ووقفت على واحدة من القِباب المُهملة اليوم رُغم أهميّة المادّة التّاريخية التي يمكن استقاؤُها منها، حيث شيّدها أبناء قسنطينة منذ أكثر من قرن لأرواح رفاقِهم الذين سقطوا في المعارك التي خاضوها وحاولنا كشف بعض من تاريخها، في وقت ما زالت فيه هذه المقبرة العريقة تخفي الكثير من الأسرار في الكتابات البسيطة المدوّنة على شواهد من رحلوا عن هذا العالم. عند منتصف المسلك المؤدي من المدخل السُّفلي للمقبرة المركزية بقسنطينة إلى مخرجها العلوي، تنتصب قُبّة مهملة تحيط بها مجموعة من القبور، وتغطي الأشجار زاوية منها، بينما استحالت واجهات جدرانها الخارجية سوداء بسبب تآكلها وانتشار الطحالب عليها. أما بابها الذي يعلوه قوس على النّمط الجزائري القديم، فقد سدّ بجدار بُني بمجموعة من حجارة الطوب الرمادية، دون أن يكلّف من قاموا بغلقها أنفسهم عناء طلائه وتلبيسه بشكل كامل، حيث طلوا الجزء العلوي منه فقط، بينما ظلت مساحة من الطوب ظاهرة للعيان على الجهة السّفلى. ونُصِّب أعلى القُبّة هلال مقبلٌ على السّماء، في حين ما زالت بقايا قطع الخزف الزرقاء والبيضاء صامدة في البناء، بعد أن استعملها من قاموا ببناء القبة للزينة، وفي داخلها توجد أشكال دائرية لأزهار، إلى جانب قطع خزفية أخرى باللونين الأخضر الفاتح والأبيض جسّدت في داخلها أشكال أوراق الأشجار ودوائر تحمل زخارف مختلفة. ورغم وجود القبور، التي دُفن فيها أشخاص من سكّان المدينة منذ فترات ليست بعيدة، إلا أنّ الأرض ما زالت محافظة على آثار مسلكٍ قديم إلى غاية القبّة، صنعته أقدام من مروا على المكان. تقدّمنا نحو القبّة، التي لا تختلف عمّا يصطلح الجزائريون في منطقة قسنطينة على تسميته ب»القَرّابة»، حيث مررنا قبل ذلك بحجر عمودي مائل، تمت قولبته على شكل مدخل القبة للدلالة على وجودها، لكن يبدو من لونه الرمادي أنّه أُنجز بتقنيات تعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي، كما أنه لا يحمل أية كتابات أو حروف للدلالة على القبة. اقتربنا أكثر من القبّة حتى بدأت تظهر لنا كتابة باللغة العربية نقشت أعلى بابها وأخرى باللغة الفرنسية فوقها، حيث نقشت الآية رقم 46 من سورة الحِجْر في القوس الرخامي أعلى باب القبة وهي «ادخلوها بسلام آمنين»، واختار لها من كتبوها الخط المغربي. أمّا في الواجهة الرّخامية التي تعلو باب القبة مباشرة فقد دونت عبارة بحروف لاتينية كبيرة من اللغة الفرنسية، كُتب فيها: Les officiers – sous officiers –caporaux et soldats du troisième régiment des tirailleurs algériens à leurs camarades morts au service. Mai 1896 وتعني هذه العبارة حرفيا «من ضُبّاط ورقباء وعريفي وجنود الفوج الثالث للرّماة الجزائريين إلى رفاقهم الذين ماتوا أثناء الخدمة. ماي 1896»، حيث يبدو أنّ عملية بناء هذه القبة انتهت في شهر ماي من عام 1896، لكن تلاحظ أنّ التّرجمة الواردة أسفل الكتابة الفرنسية من العربيّة الدارجة لمدينة قسنطينة حيث كُتب فيها: «هذه جَبّانة الفيسيات والصارجانات والكابرانات والعساكر أصحاب الرّجمة الثالثة الجزائرية رحمة الله عليهم»، حيث تعني كلمة «جبّانة» المقبرة، وما زال سكان قسنطينة يستعملون هذه الكلمة إلى غاية اليوم. ورجّحنا وجود قبور أسفل القبّة، حيث لاحظنا علبة شموع فارغة ملقاة على الأرض بالقرب منها، ما يؤكد أنّ أشخاصا ما زالوا يأتون إلى المكان ويوقدون الشموع، مثلما جرت عليه العادة في القباب والزوايا التي دفن فيها أولياء صالحون. أمّا في الجهة الخلفية من القبة فيوجد ثقب في الجدار، حاولنا من خلاله الإطلاع على ما يوجد في داخل القبة لكن دون جدوى حتى مع استعمال الضوء القوي لآلة التصوير، فالظلام دامس، في حين يوجد في جانبي القبة أبيات شعرية تتحدث عن حتمية الموت على كل إنسان مهما ارتفعت مكانته وعلا شأنه، لكننا لم نتمكّن من قراءة الجُمل المكتوبة على أحدها بسبب وجود قبور ملاصقة للبناء، بينما اختفت القطعة الرخامية المعلقة في أعلى الجدار الخلفي. أمّا في الجدار الجانبي للقبة فقد تمكنّا من قراءة بيتين شعريين بصعوبة نتيجة لتآكل بعض الحروف، حيث جاء فيها: وكَيْفَ يا قَبْرُ صارت فيك حالتُه ** من بعد ثالثِ يومٍ بعد ما قُبِر وكلُّ دَبَّابة دبَّت إليه وفي ** عينيه قد غَورَ الخَنْفُوسُ واحتقر ووجدنا في بحثنا عن مصدر البيتين أنهما اجتزِئا من قصيدة وعظية بعنوان «يا زائر القبر» للشاعر المسمّى الأمير الشّوفي المغربي، بحسب ما ورد في مخطوط نُسخ في سنة 1304 هجرية ويمكن الاطلاع عليه إلكترونيا على موقع جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية، حيث حمل تأكيدا أن هذا الشاعر عاش قبل تاريخ نسخ المخطوط، في حين لاحظنا أن هذه القصيدة متداولة لكن مع بعض الاختلافات في كلمات واردة في البيتين المنقوشين في قبّة مقبرة قسنطينة. جزائريّون يحاربون في أمريكا اللّاتينية وبحثنا عن تاريخ الفوج الثالث للرماة الجزائريين، حيث وجدنا على شبكة الانترنيت أنه من أفواج فرنسا الاستعمارية الخمسة ضمن جيش إفريقيا، حيث تأسس عام 1842 تحت تسمية «كتيبة الرماة الجزائريين في قسنطينة»، لتتحول تسميته إلى «الفوج الثالث للرماة الجزائريين» في عام 1856. وقد اتخذ المنتمون له عبارة «حتى الموت» شعارا لهم، حيث كتبت باللغة العربية داخل هلال ونجمة فضيين مع الرقم 3 بالترقيم الهندي، كما وضعوا على شعارهم شكل تنّين بلون فضي وجناحين كبيرين، ينتهيان إلى ذيل ثعبان كبير، ينفث اللهب من فمه. وقد وجدنا على شبكة الانترنت صورا أخرى لأوسمة مُنحت لبعض المنتسبين لهذا الفوج، لكن لا توجد صورة التنين عليها، وبعضها يعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية. وشارك المحاربون الجزائريون ضمن هذا الفوج في العديد من الحروب والمعارك الشهيرة، على رأسها معركة «سان لورينزو» التي خاضوها في المكسيك ضمن صفوف الجيش الفرنسي في حملته بين سنتي 1861 و1867، عندما حاولت فرنسا وضع نظام كاثوليكي يخدم مصالحها في المنطقة بعد أن تحالفت مع المحافظين المكسيكيين في أوروبا، الذين كانوا ضد الجمهوريين. وقد رسم الفنان الفرنسي جان أدولف بوسي، الذي رافق الجيش الفرنسي الاستعماري في العديد من الحملات، لوحة لحصار مدينة «بويبلا» في المكسيك، أين وقعت أول معركة خلال هذه الحملة في عام 1862، حيث يظهر فيها الرماة الجزائريون بسراويلهم الجزائرية الواسعة أو «سروال الحوكة» وبنادق طويلة في أيديهم وقبعات عربية حمراء، كما يظهر في اللوحة أحدهم حاملا على خصره طبلا، في حين يبدو جنود الجيش الفرنسي محيطين بأسوار المدينة المتهالكة. جزائري ينتزع علم الجمهوريين المكسيكيين في معركة سان لورينزو وتمكن أحد الرماة ضمن الفوج الثالث ويدعى «أحمد بن ميهوب» من انتزاع راية القوات المكسيكية في معركة «سان لورينزو» ومنح له وسام جوقة الشرف، الذي أضيف بقرار صادر في الجريدة الرسمية الاستعمارية الصادر عام 1902 إلى راية الفوج الثالث للرماة الجزائريين، التي حملت إلى ذلك الوقت عبارات «سولفيرينو» و»الأغواط» و»سيباستوبول»، قبل أن تضاف إليها منذ 1884 أسماء الحملات والمعارك التي شارك فيها الفوج في الشرق الأقصى والحرب العالمية الأولى وغيرها، بحسب ما اطلعنا عليه في أرشيف بعض جرائد فرنسا الاستعمارية. وشارك جزائريو الفوج الثالث أيضا في حرب شبه جزيرة القرم الأولى عام 1854، حيث ساهموا في معركة نهر «ألما» التي وقعت يوم العشرين من شهر ديسمبر من نفس السنة، وتعد أولى معارك تلك الحرب، قبل أن يتوجهوا لنجدة القوات الإنجليزية في حصار «سيباستول» ضد الروس. وقد ساهم جنود الفوج الثالث بقوة في غزو جبل الحَلَمة الخضراء يوم السابع من جانفي من عام 1855، لكن خسائر بشرية جسيمة قد وقعت بينهم، فقد قتل منهم 33 ضابطا و498 جنديا بين قتيل وجريح، كما دفعوا ثمنا بشريا غاليا في معركة مالاكوف وسقط منهم 13 ضابطا و232 جنديا بين قتيل وجريح. وبعد أربع سنوات عاد محاربو الفوج الثالث إلى أوروبا، حيث شاركوا في حملة إيطاليا بين الثاني من شهر ماي إلى غاية 14 جويلية من عام 1859، كما ساهموا في عدة معارك قبل أن يطاردوا فلول النمساويين إلى غاية يوم 24 جوان عندما وقعت معركة سولفيرينو. وشارك المعنيون أيضا في الحرب الفرانكو-ألمانية التي وقعت في سنة 1870، قبل أن يوجهوا منذ سنة 1883 إلى 1886 إلى الشرق الأقصى في إطار استعمار الفييتنام وغيرها من المناطق الآسيوية. وتحصل محاربو الفوج الثالث للرماة الجزائريين على أوسمة بفضل مشاركتهم في الحرب العالمية الثانية، كما يوجد إلى اليوم في مدينة "ستراسبورغ" الفرنسية حجر تذكاري لمحاربي هذا الفوج، نظير ما قاموا به "للمحافظة على مدينة ستراسبورغ"، في حين يقول عنهم الملازم "لوسيان داريي شاتلان" في كتابه "تاريخ الفوج الثالث للرماة الجزائريين"، والذي سجل فيه تاريخهم منذ إنشائهم إلى غاية سنة 1888، أنهم كانوا من "خيرة الجنود في الجيش الفرنسي". وأورد المؤلّف في الكتاب الكثير من التفاصيل حول الجنود المنتمين إلى هذا الفوج من الرماة وأسماء عدد منهم، الذين تقلدوا رتبا إلى غاية "ملازم"، بالإضافة إلى تفاصيل رحلاتهم في إطار الحملات العسكرية وقتالهم عبر العديد من المناطق من العالم. وينطوي تاريخ الفوج الثالث للرماة الجزائريين على جانب مظلم أيضا، فقد ساهم المحاربون المنتمون إليه في قمع العديد من الانتفاضات وحركات المقاومة في الجزائر، كما ساعدوا جيش الاستعمار الفرنسي كثيرا في التوسع نحو جنوب البلاد بعدة مناطق، فضلا عن نشاطهم إلى جانبهم في الحدود الجزائرية مع تونس وفي المشرق العربي وبعض البلدان الإفريقية مثل السنغال وجزر القمر. أمّا خلال حرب التحرير فقد استعملتهم السلطات الاستعمارية، قبل أن يسجل بعد فترة انسحاب الكثير منهم وفرارهم، لتحوّلهم إلى مناطق خارج الجزائر. ولم يُحَلّ الفوج الثالث للرماة الجزائريين إلا في سنة 1962 مع نيل الشّعب الجزائري استقلاله وتخلصه من نير الاستعمار الفرنسي، بحسب ما هو منشور في العديد من المواقع الإلكترونية التي تهتم بتاريخ هذا الفوج. حجر تذكاري لأبناء قسنطينة الذين ماتوا في الحرب العالمية الأولى ولم تتوقف جولتنا في المقبرة المركزية لبلدية قسنطينة، حيث لاحظنا بالقرب من قبة محاربي الفوج الثالث للرماة الجزائريين حجرا رخاميا عليه كتابة باللغة الفرنسية وأخرى بالعربية، فاقتربنا منه ووجدنا أنه شاهد رخامي للذكرى أهدي إلى أرواح أبناء قسنطينة المسلمين الذين سقطوا في الحرب العالمية الكبرى، أو "الحرب العظمى" كما سماها من قاموا بوضع هذا النصب التذكاري الذي يعلوه الهلال والنجم، وما زال صامدا منذ أكثر من قرن رغم ما طاله من تدهور. ومرّ بقربنا أحد المواطنين خلال تواجدنا في المكان، حيث حيّانا ثم توغل بين القبور القديمة الواقعة بالقرب من حي المنشار، لكنه عاد بعد حوالي ربع ساعة، وتحدث إلينا، حيث أخبرنا أنه كان يقطن قديما في الحي المحيط بالمقبرة، وتعوّد على زيارة قبر والديه بشكل دوري، في حين أوضح لنا أن تاريخ بناء الجدار على مدخل "القرّابة" يعود إلى أكثر من عقد، مشيرا إلى أن بعض المنحرفين أصبحوا يدلفون إليها لتعاطي المخدرات في وقت ماضي، لكنه أكد لنا أنه يجهل تاريخها أو سبب بنائها، واكتفى بالقول "يمكن أن يكون تحتها أحد الأولياء الصالحين". وسألنا شخصا آخر يقطن بحي المنشار، فأكد أنه يزور المكان منذ أن كان طفلا، لكنه لا يعلم شيئا عن تاريخ القبة. وغير بعيد عن قبة محاربي الفوج الثالث، توجد قبة مغلقة هي الأخرى بجدار، لكن تبدو من هندستها وطلائها أنها ليست بقدم الأولى، كما لا تحمل أية كتابات على مدخلها، في حين أنجزت في جدرانها نوافذ زينت بأشكال تسمح بنفاذ الهواء والنور إلى الداخل. ورغم محاولتنا تسلق الجدار الذي بني على مدخل "القرابة" لمشاهدة ما يوجد في داخلها من خلال فجوة في جزئه العلوي، إلا أننا لم نتمكن من ذلك، في حين توجد حولها قبور أحاطها أصحابها بسياج حديدي لحمايتها من الحيوانات والحفاظ على نظافتها، على غرار بعض الكلاب الضالة التي لاحظناها تتجول في المكان. قبّة "الفوج الثالث" كانت تستعمل كمخزن للمواد الخاصة بالمقبرة وأجّلنا البحث عن إجابات حول تاريخ المكان من القائمين اليوم على المقبرة إلى آخر مرحلة من قيامنا بهذا التّحقيق، حيث تحدثنا إلى مدير مؤسسة تسيير المقابر التابعة لبلدية قسنطينة، الذي رحّب بنا وكلف محافظ الجهة العلوية من المقبرة بمرافقتنا إلى غاية القبة لالتقاط صور. وقادنا الأخير إلى المكان، حيث أوضح لنا أن الجدار الذي أنجز على مدخلي قبة "الرّجمة الثالثة" والقبة الثانية التي ما زلنا نجهل تاريخها يعود إلى حوالي عامين فقط، مشيرا إلى أن القائمين على المقبرة ارتأوا ذلك حماية للمكان من التدنيس، فقد صار يقصده المنحرفون لتعاطي المخدرات وإتيان بعض الممارسات المشينة، بحسب محدثنا، الذي أكد العثور على بعض الأشياء المُستعملة في السحر. وقد أخْبَرْنَا المحافظ أنّنا عثرنا على علبة شموع فارغة بجانب القبة، عند زيارتنا لها، ووجهنا له سؤالا حول ما إذا كان الناس يزورونها، لكن المعني نفى ذلك وأوضح أن المنحرفين الذين كانوا يتردّدون على القبة كانوا يستعملون الشّموع للإنارة. وقادنا المحافظ إلى أحد العمّال القدماء في المقبرة، أين أخبرنا الرجل أنه يعمل في مقبرة قسنطينة منذ أكثر من 45 سنة، وأكد لنا أن قبة "محاربي سان لورينزو" كانت تستعمل لتخزين مواد البناء وغيرها من الأدوات الخاصة بالمقبرة، في حين كانت تستغل القبة الثانية الواقعة أعلى منها كمكان لحفظ الموتى الذين يتقرر دفنهم بعد يوم. وأكد محدثنا على عدم وجود قبور أسفل القبتين، مشيرا إلى أن عمليات حفر قد جرت من قبل من طرف العمال لكن لم يتمّ العثور على أيّة عظامٍ أو بقايا إنسانيّة. مُربّع جنودُ فرنسا المُسلمين بمقبرة قسنطينة وأضاف العامل الذي تحدثنا إليه أن الموقع الذي توجد فيه القبة يمثل واحدا من المربعات الثلاثة التي كانت مخصصة لدفن جنود الجيش الفرنسي من المسلمين الجزائريين، حيث أشار إلى أن بقايا الأعمدة والحلقات المعدنية المثبتة فيها، تُمثّل أعمدة السلاسل التي كانت تحيط بهذه المربّعات، بالإضافة إلى بقايا سور مزيّن بأقواس تهدمت الكثير من أجزائه، في حين تمتدّ هذه المربعات إلى العمود الحجري المشيد لذكرى أبناء قسنطينة الذين ماتوا في الحرب العالمية الأولى والقبة الكبيرة المجهولة. وأوضح لنا محدثنا أن القنصل الفرنسي كان يزور هذه المربعات الخاصة بالجنود المسلمين في الجيش الفرنسي إلى غاية الثمانينيات، مثلما قال إنه يتذكّر، فيما أشار إلى أن الدفن فيها لم يعد مقتصرا على فئة معينة بعد الاستقلال. ونبه محدثنا إلى أن جُلّ هذه القبور القديمة قد اختفت بشكل كلي اليوم، خصوصا وأن المقبرة صارت تعرف تشبعا كبيرا، فضلا عن أن أصحابها لم يشيّدوا قبورا بارزة، رغم تأكيد نفس المصدر على أن المقبرة تحتوي على قبور لأولياء صالحين وأشخاص من أعيان المدينة تعود إلى حوالي قرنين، في حين لم نتمكن من العثور على مصادر أخرى توثق لبناء هذه القبة، في حين نبهنا العمال بالمقبرة إلى أن قبة أخرى كانت موجودة في الماضي غير بعيد عنها وتشبه قبّة "الفوج الثالث"، لكن تمّ هدمُها.