تخزين الحوت الأبيض لكسكس رمضان الطبق المميز لدى العائلات القلية هو الكسكس بالسمك الذي لا تخلو مائدة منه طيلة شهر رمضان على اعتبار أنه الطبق المفضل والكل في مدينة القل يحب هذا الطبق حتى أضحى أكلة تقليدية تخص هذه المدينة العريقة المعروفة بعاداتها وتقاليدها. وتحضير هذا الطبق له أسرار ومفاتيح لا تملكها إلا المرأة القلية بحنكة الطباخ الماهر الذي يجتهد لتقديم وجبة بنكهة فيها البصمة التقليدية والحديث مع اقتراب شهر رمضان يتمحور حول هذا الطبق الذي يتطلب تحضيره واقتناء مستلزماته من السوق كالبهارات والمادة الأساسية (السمك)، وطيلة إقامتي في مدينة القل كنت أسمع الكثير عن هذا الطبق لأن شهر رمضان على الأبواب ومائدة دون كسكس بالسمك في رمضان لا تعد مائدة قلية عريقة لذلك فالناس سواء في الشارع أو في المقاهي تلمس عندهم الميل للحديث عن الأجواء الرمضانية المقبلة والتحضير للطبق المفضل. كنت في مخيم الشباب بتلزة وكان معنا في المخيم بعض القليين فاستفسرت بعضهم عن هذا الطبق أصله وتاريخ وجوده بالقل على غرار الدوبارة البسكرية وشيوعها في شهر رمضان حيث يقال أن البسكري مستعد لسير مئة كلم من أجل اقتناء طبق دوبارة لمائدته الرمضانية. حين خرجت من المخيم في طريقي إلى المدينة انتظرت سيارة أجرة ولكن النقل بين تالزة والقل فيما يبدو صعب، رغم أن المسافة لا تتعدى ال 3 كلمترات وبعد مرور ساعة من الوقت على وقوفي بناصية الطريق مر علي زوجان مستقلان سيارة خصوصية وعلى بعد مسافة قصيرة توقف السائق وعاد أدراجه حيث أقف فأشار إلي بالركوب وبعد إنطلاق السيارة ومرور وقت قصير بدأنا نتجاذب أطراف الحديث بعدما عرف السائق أنني من قسنطينة، وعرفت أيضا أن محدثي وزوجته من القل، فتحدثنا عن المصيف وظروف المعيشة وصعوبة التنقل من حي لآخر، وانتهزت الفرصة لأسأل عن طبق الكسكس بالحوت التي تتميز به مدينة القل وإذا بي أمام عائلة عريقة في القل حيث راحت السيدة تحكي عن خصوصيات هذا الطبق التقليدي وقالت أن العائلة القلية تبدأ في تخزين السمك الأبيض قبل حلول شهر رمضان، يتم تجفيفه على ذمة تحضيره وتخزين السمك بكميات كبيرة هو بهدف وجوده حتى نهاية شهر رمضان. وفي المقابل يحضر الكسكس وبقية التوابل ويفضل القليون السمك الأبيض لأن طعمه يكون أحسن من السمك العادي، وأضافت السيدة أن تناوله يكون مباشرة بعد طبق الشربة والبعض يكتفي بالشربة والطبق الثاني (كسكس بالحوت) حيث يقدم السمك في شكل قطع تزين الكسكس الذي يسقى بمرق الحوت أيضا بالإضافة إلى الحوت المقطع حسب الحجم الذي تفضله ربة البيت.. قاطعت السيدة متسائلا عن مصدر هذا التقليد أو تاريخ وجوده في القل، فلم تكن تعرف تاريخه مكتفية بالتأكيد بأن هذه العادة ورثتها العائلات القلية عن الأسلاف. وقالت و(نحن صغار كنا نرى أمهاتنا يهتممن بهذا الطبق) ليتدخل زوجها مضيفا بأن والدته وهو صغير كانت تتحدث مع اخوته البنات أن جدتهم تعلمت صنع أو طبخ هذا الطبق من عهد الأتراك الذين لا زالوا يحافظون على هذا حتى الآن حيث توجد عائلات في تركيا تزين مائدتها بطبق كسكس بالحوت، وأوضح محدثي بأن العائلة القلية تنفرد بطبخ هذا الطبق الشهي الذي لا يستطيع أي قلّي الاستغناء عنه في شهر رمضان. وساعد الحفاظ والاهتمام بهذا الطبق التقليدي لدى العائلات القلية توفر السمك في مدينتهم وبالتالي تعويضه بالوجبات التي تطبخ باللحم زيادة على نكهته ولذة طعمه، وتقوم العائلات الآن بتخزين السمك خاصة وأن في فصل الصيف ينخفض سعره مما يساعد على اقتنائه بكميات كبيرة، حيث يعرف سوق السمك اقبالا كبيرا من طرف القليين، وخاصة على المحلات الموجودة وسط المدينة. ولايختلف الأمر بالنسبة للصيادين الذين تجدهم يعرضون البضاعة في الشارع من مختلف أنواع السمك، وتكتشف من جولة في شوارع مدينة القل كيف أن أهل المنطقة يفضلون شراء السمك عن الدجاج واللحوم الأخرى، وحتى المطاعم الشعبية تقدم السمك المشوي الذي يتميز بطعم لذيذ عن السمك الذي يتم قليه بالزيت، ويقدمون وجبات خفيفة للمصطافين الذين يستغلون وجودهم في مدينة القل لتناول وجبة الغذاء بالسمك.