يعد طبق ''الحمامة'' من أشهر أطباق فصل الربيع والأكلة المفضلة لدى العائلات البليدية التي لا يزال العديد منها متمسكا بعاداته وتقاليده. وأنت تتجول عبر الأسواق التقليدية للمدينة وأزقتها وشوارعها الشعبية كحي ''باب دزاير'' و''بلاصة العرب'' و''حي الدويرات'' و''زنقة ليهود''، تلاحظ العديد من بائعي الأعشاب ولاسيما منهم النسوة يعرضن مختلف الأعشاب التي يحضر بها طبق ''الحمامة'' بثمن بسيط حيث لا تتعدى الحزمة الواحدة 20 دج. وتعد أكلة ''الحمامة''- بتشديد الميم الأول- عبارة عن طبق من الكسكسي بني اللون نتيجة تحضيره بالأعشاب التي تنمو بأعالي الجبال والمرتفعات، حيث يحتوي على أكثر من 50 نوعا من الأعشاب البرية.ومن بين هذه الأعشاب التي يعتبرها الكثير صحية: الحلحال والزعتر وأوراق التوت والعلايق والكرز والزيتون وجوز الرعيان والضرو ومريوث ولويزة والزعفران والحلبة والعرعار وغيرها من النباتات الطبيعية التي تفننت في سردها علينا الحاجة ''عواوش'' إحدى السيدات اللواتي لازلن يحافظن على عادات وتقاليد أجدادهن. وتتشكل نبتة ''شجرة مريم'' و''بونافع''، حسب خالتي ''عواوش''، من بين أهم الأعشاب التي توضع في ماء القدر لتفور عليها باقي الحشائش المكونة لطبق ''الحمامة''. وعن هذا الطبق الذي عهدت تحضيره بنفسها، تعود الحاجة بحنين واشتياق إلى أيام زمان التي تعكس، حسب قولها، حلاوة العيش البسيط والمحبة بين الناس. طبق المناسبات الهامة يعد ''طبق الحمامة'' من بين أهم المأكولات التي تصاحب فصل الربيع، كما أنه يشكل مناسبة من بين المناسبات الأخرى التي يحضر لها كشهر رمضان وباقي المواسم الدينية الأخرى، وهو الأمر الذي استقيناه من جملة المعلومات التي أفادت بها السيدة. فطريقة خروج النسوة القاطنات بالمناطق الجبلية للبحث عن هذه الأعشاب في وسط تسوده الفرحة والمحبة، يجعلنا نجزم أن ''طبق الحمامة'' كان بمثابة ''ظاهرة ثقافية'' هامة بالنسبة للبليديين احتفاء منهم بدخول فصل الربيع. ولا تزال الحاجة تتذكر تلك الأغاني والمقولات الشعبية التي كن يرددنها وهن مجتمعات على جفنة (قصعة) يحضرن ''طبق الحمامة. وأشارت المتحدثة إلى أن ''طبق الحمامة'' من بين الأطباق التقليدية الخاصة التي يعرف بها سكان مدينة البليدة على غرار طبق ''القسول'' و''البركوكس'' و''حلوى المقروط'' و''التشاراك المسكر. وذكرت أنه كان من بين أهم الأطباق التي يكثر عليها الطلب في هذه الفترة من السنة من سكان العاصمة الذين كانوا يقدمون خصيصا إلى البليدة لشرائها والتمتع بمذاقها المر الحلو. خطر الاندثار والزوال وعن فوائدها قالت الحاجة ''عواوش'' إنها لا تعد ولا تحصى باعتبارها تتوفر على كل النباتات والأعشاب الطبيعية المفيدة للتخفيف من بعض الأمراض غير الخطيرة، حسبما يرويه القدامى. ويعد''طبق الحمامة'' بالرغم من تواجده هذه الأيام بالأسواق جاهزا ومحضرا على شكل كسكس بني اللون يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد منه بين 120 دج و150 دج، إلا أن الكثير من العائلات البليدية تفضل تحضيره بنفسها حرصا منها على تركه للأجيال الصاعدة وإنقاذه من خطر الاندثار الذي يتربص به شأنه شأن العديد من الأطباق الشعبية القديمة. ويتم تحضير هذا الطبق بعد عملية تنقية كافة الأعشاب الطبيعية ثم درسها أو طحنها ثم استعمال الخليط المحصل عليه بإضافة الكسكسي في عملية إعدادها. ويفضل تقديمه، حسب سكان البليدة، مع مشروب اللبن ودهنه بزيت الزيتون والسكر. ويتأسف البعض أن ''طبق الحمامة'' أصبح مهددا بالاندثار والزوال خاصة أن بنات اليوم يجدن في عملية تحضيره تضييعا للوقت وإهدارا له. كما أن البعض تنبؤوا بزوال هذا الطبق من على مائدة العائلات البليدية مع رحيل كبار السن الذين لا يزالون وحدهم متعلقين ومتشبثين بالعادات والتقاليد التي توارثوها أبا عن جد.