يصوم المسلمون ومنهم الجزائريون هذا العام شهر رمضان ويقيمونه في ظروف تاريخية خاصة؛ اعترضت حياة المسلمين لأول مرة منذ فرض عليهم الصيام في السنة الثانية للهجرة قبل أربعة عشر قرنا بسبب أزمة كورونا العالمية؛ ما حتم عليهم التصدي باجتهادات فقهية غير مسبوقة لهذه النازلة وتداعياتها، والبحث عما يمكن أن يكون لها مثيلا في نوازل ما سبق من العصور؛ ليس على مستوى الصوم فقط بل على مستوى الصلوات الخمس وصلاة التراويح أيضا التي اتخذت هذا العام شكلا مختلفا عما ألفه المسلمون. سيؤرخ المسلمون لصيام هذه العام بسنة كورونا التي لن تنساها البشرية كما لم تنس أزمات وأوبئة كونية مرت بها منذ قديم العصور، لكن ما يمكن قوله في صوم هذا العام أن العبادات باقية فيه أبد الدهر؛ لكن العادات ستختفي وتتوارى، فمن كان عابدا فالعابدة دائمة ومن كان معتادا فالعادات منقطعة. إن أزمة كورونا لم تؤثر على الفريضة؛ لأن الأبحاث الطبية كشفت أن لا علاقة للصيام بالإصابة بكورونا، واستنادا لها أصدرت المجامع الفقهية ولجان وهيئات الإفتاء فتاواهم باستمرار وجوب الفريضة وعدم سقوطها، فالمسلمون سيؤدون عبادة رمضان بشكل عادي باستثناء أصحاب الأعذار الذين درجوا على الإفطار، كما أنهم سيقيمون لياليه في بيوتهم لمن شاء منهم تعبدا لله تعالى بصلاة التراويح وتلاوة القرآن الكريم، كما أن هذا الشهر لم تحل كورونا دون إقبال المحسنين على التصدق على المحتاجين ككل عام حيث يضاعف لهم الأجر كثيرا. فهذه الفريضة قاومت زحف كورونا على خلاف فريضة الحج المهددة بالتعطيل هذا العام، وصلاة الجمع والجماعات التي تعطلت منذ أسابيع؛ شأنها في ذلك شأن الزكاة التي طغى حضورها بعد فتاوى مشروعية تعجيلها قبل وقتها بشهر أو شهرين. لكن ما سيختفي هذا العام هو بعض المظاهر الجماعية التي اختلطت فيها العادات بالعبادات حتى ظن الناس أن بعضها عبادة خالصة وإن كانت بدعة حسنة، سيختفي مشهد صلاة التراويح جماعة وستعود إلى أصلها الفردي بعد أن سن عمر بن الخطاب جماعيتها، كما ستختفي موائد رمضان التي وإن كان فيها أجر فإنها من العادات وليست من العبادات لأن الأصل التعبدي أن يخرج المسلمون صدقاتهم للفقراء والمحتاجين وهم أدرى بما يفعلون بها، وستختفي أيضا مشاهد السهرات الليلية في المقاهي والفضاءات العامة التي دأب عليها المسلمون وشكلت عبر التاريخ معلما من معالم رمضان، وتسببت عند الكثير منهم في تضييع بعض الصلوات والأشغال وقضاء نهار رمضان أو الجزء الأكبر منه في النوم. ع/خ وجاء رمضان بمعاني الخير يأتينا رمضان هذا العام في سياق انتشار وباء خطير، بتطلب الحجر المنزلي والكثير من الوعي بالخطر المحدق بالشعوب و الدول، وهنا نريد من مجتمعنا الجزائري المسلم أن يفهم روح الشهر، ويتجنب بعض السلوكيات السلبية، مع الأخذ بنصائح الأجهزة الأمنية و الطبية، والسماع لكمات الأئمة الفضلاء، وتجتب التجمعات. هذا العام، ومع كورونا والحجر المنزلي، سنتذكر أن رمضان شهر القرآن والتوبة والذكر والدعاء والصدقات، وليس شهر التسكع والسهر في المقاهي وترك الأطفال خارج المنازل ليلا. وكم نحن بحاجة لتغيير الكثير من التصرفات، بخاصة لدى تجارنا، ونريد منهم الجمع بين التقرب لله وعدم المضاربة في الأسعار، وأن يفهموا روح رمضان، ويعرفوا معانيه الروحية وليس التجارية و البطنية، وكم نحن بحاجة لكثير من التضامن والتعاون في ظل وباء كورونا. ولعل الظرف العالمي الصحي وحصار فيروس كورونا للبشرية سيفرض بعض التغيير في العبادات و المعاملات، ومنها صلاة التراويح، وهي من عبادات القيام؛ لكن لتكن صلاتنا في بيوتنا، لتجنب انتشار الوباء، وتفاعلا مع فتاوى علمائنا، مع الدعاء بذهاب الوباء، وفتح المساجد، لكن في ظل الاحتياط وبعد تراجع الإصابات، وكل هذا يحتاج للوعي والحجر المنزلي، فحفظ النفس أولى. وقد بيّن الخطاب القرآني والنبوي فضائل الرحمة ومقاصدها فيا أبناء الجزائر ...الرحمة الرحمة، والتكافل التكافل، والتضامن التضامن، ولتكن مصائبنا وفواجعنا محطات لاستمرار النهوض الوطني والانسجام المجتمعي، ولنقرأ روح رمضان ومعانيه لتجاوز المحنة. وفاة مؤسس العمل الإسلامي بإسبانيا نتيجة إصابته بفيروس كورونا توفي رئيس المفوضية الإسلامية بإسبانيا الدكتور رياج ططرى بكري؛ نتيجة إصابته بفيروس كورونا. وحسب وسائط إعلامية فإن المرحوم يعد مؤسس العمل الإسلامي في إسبانيا والمسؤول الأول عن جميع القضايا المتعلقة بالجالية المسلمة، وكان يشرف على عدد من الجمعيات الإسلامية، كما كان الرئيس المنسق بين الجالية الإسلامية المقيمة بالديار الإسبانية وبين حكومة البلاد. والمفوضية الإسلامية في إسبانيا –التي كان رئيسا لها- هي الجهاز الممثل الشرعي للإسلام وللمسلمين في إسبانيا أمام المواطنة والإدارة للتمثيل وللمفاوضات وللتوقيع ولمتابعة الاتفاقات المعقودة على الإسلام والدولة بالقانون رقم 26 / 1992. وقد لد ططري بكري بدمشق، سنة 1948، وانتقل إلى إسبانيا سنة 1970. وحصل على درجة الدكتوراه في أصول الفقه، بعد أن درس الطب في جامعة سنتاندير بإسبانيا توصيات من الصحة العالمية إلى الدول الإسلامية حول رمضان في زمن كورونا أصدرت منظمة الصحة العالمية توصيات إلى الدول الإسلامية بشأن الإجراءات الممكن اتخاذها لتقليص خطر تفشي فيروس كورونا خلال شهر رمضان المبارك. ونقلا عن وسائط إعلامية فقد شددت المنظمة على ضرورة النظر بشكل جدي في السماح بتنظيم أي تجمعات اجتماعية أو دينية وتقييم المخاطر المحتملة الناجمة عنها، مشيرة إلى إمكانية إيجاد بديل عن هذه التجمعات عبر وسائل التلفزيون والإذاعة ومواقع التواصل الاجتماعي. وحثت المنظمة الدول الإسلامية على السيطرة على حركة الزائرين لأماكن العبادة والأماكن المقدسة وضمان تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي أثناء كافة التجمعات على نحو صارم، كي لا تقل المسافة بين المشاركين فيها عن متر واحد. ودعت المنظمة إلى استخدام أساليب تحية لا تقضي بالاحتكاك بين أشخاص. كما ناشدت المنظمة الدول الإسلامية منع حدوث تكدس في أماكن مرتبطة بطقوس شهر رمضان، مثل أماكن الترفيه والأسواق والمحال التجارية. وأشارت المنظمة إلى ضرورة حث الأشخاص الذين تظهر لديهم أي الأعراض والمسنين والمزمنين على الامتناع عن حضور أي تجمعات. ولفتت المنظمة إلى أهمية تنظيم الفعاليات في الهواء الطلق قدر الإمكان، وفي حال إجراء أي تجمعات داخلية يجب ضمان دورة تبديل الهواء داخل المباني التي تستضيفها. كما دعت المنظمة إلى تقليص مدة الفعاليات قدر الإمكان، وتنظيم عدد أكبر من الفعاليات الأقل شعبية بدلا عن عدد أقل من الفعاليات ذات الحضور الأوسع. وأوصت المنظمة الدول الإسلامية بتشجيع المؤمنين على ممارسة العادات الصحية، لاسيما داخل المساجد، مشيرة إلى إمكانية إجراء عمليات التعقيم بعد كل تجمع. و أعارت المنظمة اهتماما خاصا إلى خطر الإصابة بكورونا أثناء توزيع الصدقات والزكاة وأثناء طقوس الإفطار، مشددة مجددا على أهمية الالتزام الصارم بإجراءات التباعد الاجتماعي، كما اقترحت توزيع سلل غذائية تم إعدادها مسبقا بغية تفادي ازدحامات خلال الإفطار. وأشارت المنظمة إلى غياب أي دراسات تكشف عن العلاقة بين الصوم وخطر الإصابة ب»كوفيد-19»، مؤكدة على ضرورة منح المواطنين الأصحاء فرصة ليصوموا هذا العام كالعادة رغم تفشي الفيروس. القرارات العشرون لمجمع الفقه الإسلامي الخاص بالأحكام الفقهية لكورونا (1)من المعلوم أن الشريعة الإسلامية وأحكامها تمتاز بصفات عديدة من أهمهما: رفع الحرج والسماحة والتيسير ودفع المشقة وقلة التكاليف، وإذا وجد ما يصعب فعله ووصل الأمر إلى درجة الضرورة، فقد شرع الله تعالى رخصاً تبيح للمكلفين ما حرم عليهم، وتسقط عنهم ما وجب عليهم فعله حتى تزول الضرورة، وذلك رحمة من الله بعباده وتفضلاً وكرماً، ففي الفقه الإسلامي قواعد فقهية مهمة حاكمة لأوقات الأزمات، من أهمها: قاعدة رفع الحرج والسماحة، وقاعدة المشقة تجلب التيسير، وإذا ضاق الأمر اتسع، وقاعدة الأخذ بالرخص أولى من العزيمة حفظاً للنفوس، وقاعدة لا ضرر ولا ضرار، وقاعدة التصرف على الرعية منوط بالمصلحة، وقاعدة للإمام تقييد المباح في حدود اختصاصه مراعاة للمصلحة العامة. lهل تسقط كورونا فريضة الصيام هذا العام؟ إن الصيام ركن من أركان الإسلام، وهو واجب على من توفرت فيه شروطه؛ قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس..) ومنها(صيام رمضان) أولا- إن البحوث الطبية تبين أنه لا توجد علاقة بين الصوم والإصابة بفيروس كورونا، وعليه فلا يجوز الإقدام على ترك هذا الركن العظيم، ويبقى الصوم واجبا على المكلفين القادرين على الصيام، قال الله تعالى: ((فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)). ولا يجوز الفطر، الا لأصحاب الأعذار الشرعية» (1) العاجزون عن الصوم مثل كبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة المانعة منه؛ فهؤلاء يسقط الصوم عنهم وتترتب عليهم الفدية، لقوله تعالى: ((وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ)). (2) المريض الذي يسبب له الصوم مشقة معتبرة غير معتادة، تعرف بالتجربة أو بالخبرة الطبية، ويدخل في ذلك المرضى المصابون بفيروس كورونا، والمرضى المضطرون إلى تناول الدواء في فترات من النهار، والحامل والمرضع عند العجز أو الخوف من الجنين والرضيع. وقد يكون الفطر واجبا في حق المريض إذا سبب الصوم ضررا معتبرا، قال الله تعالى ((وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)) (3)المسافر إذا توفرت فيه الشروط المبيحة للفطر، المبينة في كتب الفقه؛ ويجب على المسافر والمريض القضاء لقوله تعالى: ((وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ)) (4)الحائض والنفساء؛ فلا يجوز لهما الصيام ولا يصح منهما؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أليس إذا حاضَتِ المرأةُ لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ) ثانيا- لا يجوز لأصحاب الأعمال الشاقة والمهن المرهقة الافطار، ومنهم أفراد الأسرة الطبية كالأطباء والممرضين وأفراد الحماية المدنية وغيرهم من المرابطين في مواجهة فيروس كورونا؛ إلا إذا توفرت الشروط الآتية: (1) أن تحصل لهم مشقة لا يمكن عادة تحملها، أما المشقة المعتادة فلا يباح لأجلها الفطر. (2) أن يبينوا نية الصوم ويصبحوا صائمين، ليحصل لهم أجر الصوم وفضله، فمن لم يضطر فإنه يتم صومه، ومن اضطر للفطر أثناء النهار أفطر، ويجب عليه القضاء. وقد نص الفقهاء أنه لا خلاف في جواز جمع الزرع والحصاد، وإذا أدى الفطر مع القضاء، ولا دخل في النهي عن إضاعة المال، فإذا كان ذلك في حفظ المال، فهو في حفظ النفس أولى. وقد بشر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحاب الأعذار بأنه يكتب لهم أجر ما تعذر عليهم فعله؛ حيث قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا) رواه البخاري. لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية