فرضت كماشة الحجر الصحي، الذي نعيشه منذ أسابيع واقعا ماليا صعبا على الكثير من الأسر الجزائرية خصوصا أصحاب الدخل اليومي و العمال غير المصرح بهم و بعض التجار و المهنيين، ممن ضاقت بهم السبل مع شهر رمضان المعروف بزيادة الأعباء المالية، ليجد الغالبية أنفسهم أمام حتمية البحث عن سبل للتكيف مع الوضع خصوصا في ظل حديث خبراء الاقتصاد عن تراجع يعادل 30 بالمائة في معدل الإنفاق الأسري، ناهيك عن تقلص حصة الفرد، وهي مشكلة يؤكدون بمعية متابعين للشأن الاجتماعي، بأن حلولها تكمن في تفعيل و تعزيز آليات التضامن الجمعوي و الأسري، ناهيك عن إعادة ضبط بعض السلوكيات الغذائية و العودة لحيل التعايش التقليدية. - هدى طابي عائلات كثيرة حاولت التكيف مع الظروف الراهنة، بطرق مختلفة فهناك من قرر التخلي عن العادات الغذائية المرتبطة بالشهر و هناك من وجد السند في العائلة الكبرى، و ذلك بحسب ما أكده بعض من تحدثنا اليهم. تقليل المصروف ولا حديث عن العيد هذه السنة ناصر 42سنة، صاحب محل لتصليح أجهزة الكمبيوتر و الهواتف النقالة بمدينة شلغوم العيد، أوضح لنا، بأنه قرر العودة للإقامة مع أسرته خلال شهر رمضان، وذلك ليتمكن من تخفيف أعباء الحجر و تجاوز الأزمة خصوصا بعدما اضطر لإغلاق محله لقرابة شهرين ، مؤكدا أن والده وهو مجاهد لم يعارض الفكرة بل كان صاحبها، إذ عرض عليه العودة للمنزل العائلي و الإفطار جماعة مقابل مساهمة بسيطة، قال بأنه يتكفل بتوفيرها عن طريق فتح محله جزئيا. و حسب المتحدث، وهو أب لأربعة أطفال فإن دعوة والده جاءت في وقتها لأن زوجته على وشك إنجاب طفله الخامس، موضحا بأنه اعتاد أن ينفق سنويا في رمضان مبلغ 50 ألف دج، لكنه منح والده هذه السنة مبلغ 20 ألف دج كان يدخرها، و التزم بتوفير بعض المستلزمات من خلال العمل جزئيا، مضيفا بالقول بأنه لا ينوي كسوة أبنائه خلال العيد هذه السنة. «سحبنا ربع مدخراتنا البنكية» موني معلمة بالطور الابتدائي، قالت بأنها سحبت هي وزوجها سائق سيارة أجرة عامل على خط عين سمارة قسنطينة، ربع مدخراتهما البنكية و يتعلق الأمر بمبلغ 7 ملايين سنتيم، كانت مخصصة لترصيص الشقة، إلا أن الظروف التي تمر بها البلاد و اضطرار زوجها للتوقف عن العمل في الفترة الأخيرة أجبرهما على سحب المبلغ، لأجل شهر رمضان خصوصا بعدما استنزفت هي كامل راتبها في الأسابيع الماضية. وحسب المتحدثة، فإنها قررت الاستعانة بمدخرات الأسرة كي لا تشعر أبنائها الثلاثة، بالضائقة المالية، كما أنها احتسبت مصاريف العيد و تكاليف كسوتهم ضمن المبلغ، موضحة، بأنها توقعت أن يرفع الحجر قبل رمضان، و لذلك فإنها ستخفض من إنفاقها على مائدة الإفطار عكس ما كانت تفعل كل سنة. تخزين مسبق و التزام بروتين الأكل القديم تقول مليكة أرملة في عقدها الخامس، تعتمد بالأساس على معاش تقاعد زوجها المتوفي و قدره 21 ألف دج، بأن أبناءها عادة ما كانوا يساهمون في مصاريف الشهر من خلال العمل بالأجرة اليومية في مواقع البناء لكن منذ بداية الحجر، وجدت العائلة نفسها في ضائقة مالية، ومع قرب شهر رمضان، لجأت إلى تخزين كمية من المواد الغذائية لتجنب الحاجة وضمان تجاوز المرحلة بأقل الأضرار، مؤكدة بأنها خزنت مادة الزيت و كمية من المعجنات و الأرز حتى أنها قامت بتجميد الطماطم و الفلفل و الليمون و الدجاج و الثوم و كمية من اللحم المفروم. وأضافت محدثتنا، بأنها لم تجد حرجا في تسجيل نفسها مؤخرا ضمن قائمة العائلات المعنية بالمنحة التضامنية، كما ضبطت برنامجا اقتصاديا لأجل قائمة الإفطار يقوم على طبخ أطباق عادية دون الالتزام بنظام رمضان المعروف بالشوربة و طبق رئيسي و مقبلات وما إلى ذلك. الخبير الاقتصادي أبو بكر سلامي: حصة الفرد ستتقلص و عائلات ستستنزف مدخراتها يوضح الخبير الاقتصادي أبو بكر سلامي، بهذا الخصوص، بأن رمضان بالنسبة إلينا يضم جانبين الجانب العقائدي و جانب العادات، فبالنسبة للجانب العقائدي يمكننا أن نلبيه بإمكانيات قليلة، بعكس العادات التي فرضت نمطا غذائيا مرهقا لميزانية الأسر، وهو ما ضاعف الأزمة الحالية، لأن الحديث عن رمضان يرتبط في مجتمعنا مباشرة برفع حجم الإنفاق إذ يرتفع المعدل بالنسبة لعائلة متوسطة أو مقبولة الدخل و المكونة من أربعة أشخاص من 40 ألفا إلى 80 ألف دج في الشهر أو أكثر، ويتضاعف على الأقل مرة واحدة، وهو ما سيضع الكثيرين هذه السنة في موقف حرج بسبب الوضعية المالية الخاصة التي فرضها فيروس كورونا، على اعتبار أن دخل أغلب العائلات تأثر وبالأخص غير المعنيين بالأجور الثابتة، في حين أن أصحاب المهن و التجار و عمال الأجرة اليومية، قد اضطروا لمراجعة عاداتهم في رمضان، بدليل أن حجم التهافت على الأسواق كان أقل فوسائل النقل متوقفة و المكاتب و الكثير من المحلات مغلقة وحتى بعض الشركات اضطرت إلى تسريح نسبة من عمالها. مع ذلك فإن التأثير لم يظهر بشكل كبير أو على الأقل لا يزال في مرحلته الأولى، بالنظر إلى أن فئة العمال الأجراء و الموظفين استمروا في تقاضي رواتبهم وهو ما خفف مظاهر الأزمة نوعا ما مع بداية الشهر، ناهيك عن أن الكثير من الجزائريين لجأوا إلى استعمال مدخراتهم التي قال الخبير، بأنها تكفي عموما لشهر أو شهرين، وباجتهاد بسيط يرى المتحدث، بأن متوسط الانفاق بالنسبة للعائلات خلال رمضان سيتراجع بشكل ملحوظ، لتتضاءل حصة الفرد من حدود 15 ألف دج إلى 10آلاف دج و أقل من ذلك بكثير خلال الشهر ، مع توقع تراجع معدل الإنفاق عموما بالنسبة للعائلات متوسطة الدخل إلى 40 ألف دج ، فيما ستلجأ الأسر محدودة الدخل إلى الاقتراض و ستستعين على نفقات الشهر بالاعتماد على ثقافة التضامن السائدة في المجتمع. أستاذ علم الاجتماع بوبكر جيملي: لا بد من تعزيز آلية التضامن الاجتماعي
يقول أستاذ علم الاجتماع بوبكر جيملي، بأن المجتمع الجزائري متعود على التكيف مع الظروف بحكم تجاربه السابقة خلال الأزمة الاقتصادية التي عاشها منتصف الثمانينات و حتى خلال العشرية السوداء، و بالتالي فإن الأسر ستلجأ ككل مرة إلى طرق تقليدية لتوفير حلول للأزمة التي تمر بها، على غرار آلية الأكل الجماعي من صحن واحد أو « مترد واحد»، إضافة إلى تفعيل ميكانيزمات التضامن الاجتماعي و الأسري. و يوضح المتحدث، بأن هذه المرحلة ستتمحور عموما حول التضامن الجواري و البيني، أي أن التركيز سيكون على دائرتي القرابة و الجوار، فمن تجمعهم رابطة قرابة يمكنهم تقييم أوضاع بعضهم المادية، بالمقابل فإن قوة العاطفة التي تميز المجتمع ستعزز المساهمة الجوارية، بمعنى أن القيم الاجتماعية و الأخلاقية التي لا تزال موجودة ستساعد الكثير من المتضررين على تخطي مصاريف الشهل الفضيل. من جهة ثانية، فإن ثقافة الادخار و «العولمة» تعتبر أيضا من بين العوامل التي ستخفف من التبعات المالية للحجر على العائلات، علما أن هناك فئة يجب أن ننتبه إليها و هي فئة المتضررين من أصحاب الأجرة اليومية، ويتعلق الأمر بمتوسطي الدخل الذين توقفت نشاطاتهم ووجدوا أنفسهم دون معيل في هذه الفترة، و هؤلاء سيصعب عليهم نفسيا طلب العون أو الاستدانة مقارنة بالفئات الهشة المعروفة و لذلك يتوجب على المجتمع الانتباه إلى أن دائرة الاحتياج قد توسعت. من الناحية السلوكية يؤكد المتحدث، بأن الجائحة ستعيد ضبط بعض السلوكيات المجتمعية خلال رمضان، بما في ذلك السلوكيات الغذائية حيث سنعود للتركيز على الوجبات التقليدية و الصحية أي التخلي على الكماليات لصالح الضروريات. الخبير الاقتصادي محفوظ كاوبي: معدل الإنفاق طيلة رمضان لن يتعدى 40 ألف دج من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي محفوظ كاوبي، بأن هذه السنة ستسجل تراجعا كبيرا في قدرة الأسر على الانفاق خصوصا بالنسبة لفئات العاملين غير المصرح بهم لدى مصالح الضمان الاجتماعي و العاملين اليوميين، و الذين يعانون من انعدام الدخل منذ قرابة شهر و نصف، وهو ما سيدفعهم للجوء إلى التضامن و المدخرات إن وجدت، فحتى آلية المساعدة التي أقرتها الدولة و المتمثلة في إعانة 10آلاف دج ، تغطي جزئيا الحاجة ، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مستوى الأسعار في هذه الفترة. وعليه يرى المختص، بأن هذا الوضع الاستثنائي عرى عيوب عدم تأهيل المنظومة الاقتصادية بصفة عامة و منظومة التشغيل بصفة خاصة، خصوصا في ظل عدم الحديث عن فئة المؤسسات العاملة في قطاعات معينة كالبناء ومعدات البناء و النقل والتي عانت طيلة سنة بسبب الحراك، ما أفرز تسريحا للعمال وتراجعا في كتلة الأجور، وكلها انعكاسات ستظهر تبعاتها كما عبر، في الفترة الحالية التي عادة ما تعرف تزايدا في المصاريف، إذ تشير المقاربات الاقتصادية إلى أن الحد الأدنى للإنفاق لن يتجاوز 40 ألف دج خلال رمضان هذه السنة، وبالتالي فإن معاناة منعدمي الدخل ستتضاعف، بالمقابل ستنحصر النسبة عند العائلات متوسطة الدخل بنسبة 30 في المئة مع تقلص حصة الفرد إلى حوالي 12 ألف دج، لذا فالطريقة الوحيدة للتكيف حسبه، ستكون التضامن الأسري في ظل صعوبة الاستدانة البنكية، علما أن استمرار الوضع الحالي سيعقد الأمور أكثر.