فقدت قسنطينة قامة من قاماتها و أحد جهابذة التربية والتعليم، و المتمثلة في شخص أستاذ الأدب العربي بشير حريش، و الذي التحق بالرفيق الأعلى يوم 30 ماي المنقضي، ووري الثرى بمقبرة بومرزوق عن عمر ناهز 92 سنة... الشيخ الأستاذ بشير حريش الذي اقترن أسمه بمجال التربية والتعليم وحتى التعليم الديني، بحيث يكفي ذكر أسم إحدى أقدم الثانويات بقسنطينة وهي ثانوية يوغورطة، لتحدثك أجيال مرت بتلك الثانوية، عن خصال الأستاذ المربي، وجديته في العمل وحبه للجزائر... فقيد قسنطينة لمن لا يعرفه، من أوائل الأساتذة الذين عادوا إلى أرض الوطن فجر الاستقلال، حاملين معهم شهادة جامعية (شهادة ليسانس في الأدب العربي)، وكلهم عزم و إرادة في تكريس حياتهم وكل مجهوداتهم في مجال التعليم، كونهم كانوا مؤمنين برسالة الشهداء، والمتمثلة في محاربة الجهل والأمية التي حاربها قبلهم رائد النهضة الشيخ عبد الحميد بن باديس، والتي سعى المستعمر الفرنسي الغاشم إلى تكريسهما على مدار 130 سنة.. الأستاذ بشير حريش من مواليد مشتة الشوارة التابعة إقليميا إلى عرش عين ملوك بلدية تاملوكة (ولاية قالمة) سنة 1928، وحسب السيرة الذاتية التي خطها بيده قبل وفاته، فإن مشواره التعليمي كان وعلى غرار بقية أبناء الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية، بتعلم كتاب الله على يد والده الحاج محمد حريش، وكذا خاله الحاج علي بوغشوة، قبل مواصلة المشوار بالزاوية الحملاوية على يد الشيخ العمري قادري، أين تعلم- كما جاء في سيرته الذاتية- مبادئ اللغة العربية على يد الشيخين التونسيين البشير صفية والطاهر سرحان، وكذا الشيخ موسى بن خلاف وغيرهم... خارج الكتاتيب. كانت بداية مشوار الشيخ الأستاذ بشير حريش في التعليم الرسمي سنة 1949 بمعهد الكتاني (سوق العصر) بقسنطينة، وقد تحصل على شهادة الأهلية من قبل لجنة من جامع الزيتونة سنة 1953، لينتقل بعده إلى جامع الزيتونة بتونس في نفس السنة، أين نال شهادة التحصيل سنة 1956، ألتحق بعدها بالجامعة التونسية (قسم الآداب)، قبل أن يلتحق بجامع بغداد (العراق)، أين درس لمدة ثلاث سنوات، ليكلل هذا المشوار التعليمي بنيله لشهادة ليسانس اختصاص أدب عربي سنة 1962، ومن باب الأمانة أصر الأستاذ بشير حريش على التأكيد، بأن الحكومة الجزائرية المؤقتة، هي من تكفل بمصاريف تنقله وتعليمه خارج الوطن، وهو ما جعله يعمل على رد جميل الجزائر- علما وأن تخرجه تزامن واستقلال الجزائر-، من خلال المشاركة في إرساء منظومة تربوية، والمشاركة في مجال التعليم، حيث عين لأول مرة كأستاذ لمادة اللغة العربية بثانوية الحياة بوهران (1963)، ثم بثانويتي سانت أوغيستان ومبارك الميلي بعنابة، قبل أن يستقر به المقام بثانوية يوغرطة العريقة بقسنطينة، التي ظل يدرس بها إلى غاية إحالته على التقاعد سنة 1989. وبعيدا عن التعليم، كان الشيخ الأستاذ بشير حريش ينشط وعلى غرار أغلبية الشباب الجزائري، في المجال السياسي، حيث كان يشارك في اجتماعات حزب الشعب في بداية الخمسينيات بقسنطينة، كما كان يشرف على مناضلي جبهة التحرير الوطني لما كان طالبا بتونس، وهذا بتكليف- حسبه- من المجاهد الهادي بن عباس، ناهيك عن تعليم بنات اللاجئين بمركز جبهة التحرير بالعاصمة التونسية باقتراح من المناضل عبد الله داودي، إضافة إلى عمله كإمام متطوع بمصلى بحي فيلالي بقسنطينة، باقتراح من الشيخ عثمان أمقران، وبتفويض من مفتش الشؤون الدينية وقت ذاك، الشيخ شياد رحمه الله.