هدفي ميدالية في الأولمبياد ودخول عالم الاحتراف من بابه الواسع فتح الملاكم القسنطيني المتأهل لاولمبياد طوكيو يونس نموشي ، قلبه للنصر أين تحدث عن كفاحه مع «الفن النبيل» والصعوبات التي صادفته طيلة مشواره، كما كشف العديد من الخبايا حول إبعاده من المنتخب وعودته في أخر لحظة قبل تصفيات الاولمبياد. حاوره: فوغالي زين العابدين ابن حي بوذراع صالح المعروف محليا باسم «لاسيتي»، البالغ من العمر 27 عاما الذي ينازل في وزن 75 كلغ، لم ينس التطرق للظروف التي يتدرب فيها رفقة فريقه جمعية أبطال قسنطينة، بالإضافة إلى طموحاته وأهدافه المستقبلية، أمور أخرى فضل سردها للنصر. القدر منحني فرصة التواجد في داكار * في البداية كيف تلقيت خبر تأخير أولمبياد طوكيو إلى العام المقبل؟ تأجيل دورة الأولمبياد إلى العام المقبل سيصب دون شك في صالحي، لأنه سيسمح لي بالتحضير الجيد، خصوصا أنني دخلت تصفيات الاولمبياد التي جرت في العاصمة السينغالية داكار في أخر لحظة، ولم أحضر لها بالشكل الكافي، وسيكون التأجيل فرصة لمراجعة نفسي وتصحيح بعض الأخطاء، بالإضافة لإجراء دورات وتربصات مغلقة بعد زوال الوباء بحول الله. * وكيف تسير تحضيراتك لهذا الموعد العالمي، في ظل الظرف الصحي الراهن؟ أتدرب بمفردي رفقة المدرب بن يحيى مراد، بمعدل مرة واحدة في اليوم على أن أستفيد من يوم واحد راحة في الأسبوع، وقد اتصل بي المدرب المساعد للمنتخب الوطني مرشود بحوص، واستفسر عن مدى تطبيقي للبرنامج، التي تعديله مقارنة بما كنت أواظب عليه في شهر رمضان. rهل يمكن القول أن جائحة كورونا أثرت على تحضيراتك للاولمبياد؟ نعم أثرت بشكل كبير، لأن الملاكمة تتطلب تدريبات جماعية ومنازلات، كما أن الجو الجماعي والجانب النفسي مهم جدا لتحفيز الملاكم على تحمل التدريبات، أما ما نقوم به في الوقت الحالي، في ظل هذا الظرف هو مجرد الحفاظ على اللياقة. شعرت بالظلم بعد إسقاط اسمي من تربص كوبا * تأهلك لأولمبياد طوكيو لم يكن سهلا، حدثنا عن مشوارك في دورة السنغال التصفوية؟ كما يعلم الجميع التحقت بوفد المنتخب بالسنغال متأخرا، بعد أن تم استدعائي في أخر لحظة، ولحسن حظي أنا منازلتي الأولى لم تكن في الافتتاح بل بعد ثلاثة أيام من وصولي، ونازلت ملاكما عنيدا من أنغولا وكنت متحررا تماما من الضغط ولاكمت بطريقتي الخاصة، وهو ما أغضب في البداية المدربين بحوص ودين، وفزت بالأداء والنتيجة بفارق كبير من النقاط، وفي الدور الثاني تقابلت مع ملاكم من جزر موريس وطبقت نفس خطة المنازلة السابقة، حتى أن المدربين تركاني أنازل على طريقتي وفزت عليه في الجولة الثالثة، وفي النصف نهائي واجهت ملاكم أوغندي مصنف الأول إفريقيا في وزن 75 كلغ، وكان الفوز فيها يعني ضمان التأهل إلى الأولمبياد، ودخلت المنازلة مضطربا بعض الشيء لأن الملاكمين الأوغنديين يعتبرون عقدة بالنسبة لنا، وتفوقت عليه في الجولة الأولى والثانية وفي الثالثة بدأت أسير المنازلة بذكاء، وفي تلك الأثناء بدأت أرى أفق طوكيو أمام عيناي، وفزت بالمنازلة بفارق النقاط وتأهلت رسميا، وهي المرة الوحيدة في مشواري التي أصرخ فيها احتفالا بالفرح بعد نهاية المنازلة، التي خرجت منها بالتأشيرة وبإصابة في الأنف، كادت تمنعني من لعب المواجهة النهائية، التي أردت الفوز بها للحصول على الميدالية الذهبية وحصد 400 نقطة، تساعدني في تفادي منازلات قوية في الأدوار الأولى في الأولمبياد، وفزت في النهائي على الكونغولي تشاما دافيد بنتيجة 4-1 وظفرت بالميدالية الذهبية لفئة 75 كلغ، والتي كانت مفاجأة للجميع بما فيها الاتحادية. * حدثنا كيف تم إبعادك من المنتخب واستدعاؤك لدورة داكار في أخر لحظة ؟ قبل الخوض في هذا الموضوع، أحب أن أؤكد أن ما حصل لي كان حافزا ودافعا قويا لاقتطاعي تأشيرة طوكيو، رغم نقص التحضيرات وابتعادي عن دائرة الترشيحات.. القصة بدأت بعد عودتي من كأس العالم بروسيا أين انهزمت بفارق النقاط أمام بطل أولمبي سابق من كوبا، وشاركنا في دورة ودية في صربيا، يتم من خلالها انتقاء أحسن العناصر للمشاركة في تصفيات الأولمبياد، وكان التنافس بيني وبين الملاكم طبي سفيان حول من يمثل المنتخب في وزن 75 كلغ، ورفض المنظمون أن تكون هناك منازلة مباشرة بيننا، وواجهت ملاكما من هولندا وهو واجه أخر من مولدافيا، وبعد عودتنا إلى أرض الوطن، وفي المطار أخبروني بأنني لن أكون متواجدا مع المنتخب في تربص إيطاليا، وهنا شعرت «بالظلم» لأن التقييم بيني وبين منافسي لم يكن عادلا. * وكيف تعاملت مع الوضع في حينه؟ حاولت الحفاظ على برودة أعصابي قدر المستطاع، وحاول مدربي بن يحيى مراد تشجيعي، وكان واثقا من عودتي للمنتخب من جديد، وأصر على مشاركتي في كأس الجمهورية مع فريقي «جمعية أبطال قسنطينة» رغم عدم رغبتي في ذلك، وفزت بها وكنت أحسن ملاكم في الدورة، لكن بعد عدم استدعائي لتربص كوبا، فقدت الأمل تماما وبدأت أفكر في أمور أخرى. بدأت الملاكمة خفية عن والدي ونازلت يومين قبل امتحان البكالوريا * هل صحيح فكرت في الهجرة بعد عدم استدعائك لتربص المنتخب في كوبا؟ نعم، وبدأت فعلا في تجهيز الوثائق اللازمة للهجرة إلى الخليج، واتفقت مع شخص من الإمارات، كان سيتكفل بي إلى غاية حصولي على عمل، لكنني تلقيت مكالمة من المدير الفني السابق مراد مزيان، غيرت كل شيء رأسا على عقب، حيث أخبرني بإصابة زميلي في المنتخب طبي، وبعده اتصل بي المدرب الوطني أحمد دين، الذي استفسر على جاهزيتي وسألني على وزني ولم أخبره بالحقيقة، وقلت له أن وزني حاليا 79 وهو في الحقيقة 82، وطلب مني أن أنقص 4 كلغ من وزني، في ظرف 3 أيام. * وكيف تمكنت من رفع هذا التحدي في ظرف قياسي؟ قمت بتضحيات جسام، ولكي أصل إلى الوزن المطلوب في المنافسة (75 كلغ)، كان علي أن أنقص 7 كلغ وليس 4 في ظرف زمني قصير قدره 3 أيام فقط، لأنني لم أخبره بوزني الحقيقي حتى لا يصرف النظر عني، وقمت بتدريبات قاسية وحمية صعبة جدا، وأتذكر انه في اليوم الأول، لم أتناول سوى فنجان قهوة وقطعة من سمك «التونا»، وتمكنت من التخلص من 7 كلغ في ثلاثة أيام. * وكيف التحقت بالفريق الوطني بداكار؟ في البداية وجدت إشكالا كبيرا في الوثائق، ورفضت اللجنة الاولمبية الدولية مشاركتي، لكن بعد تدخل مصطفى بيراف ومراد مزيان والاتحادية، تم حل هذا الإشكال وإتمام كافة إجراءات استبدالي بزميلي المصاب. rبعد كل ما سبق ذكره...هل كنت تؤمن بإمكانية التأهل للأولمبياد؟ كنت متوكلا على الله ومؤمن بقدراتي، كما أن ما ساعدني أكثر هو عدم المراهنة علي، وهو ما جعلني أنازل متحررا، كما أن الظلم الذي تعرضت له، كان حافزا كبيرا في نجاحي والعدالة الإلهية أنصفتني، بالإضافة لتشجيع زملائي في المنتخب، ومن بينهم الملاكم المخضرم بن شبلة، الذي تقاسمت معه الغرفة في داكار، ونصحني وشجعني كثيرا وتنبأ بحصولي على الميدالية الذهبية. فريقي يفتقد لوسائل العمل ونتدرب في قاعة تشبه المرآب * ما هي طموحاتك وأهدافك في أول مشاركة لك في الألعاب الاولمبية بطوكيو؟ طبعا المشاركة في الألعاب الاولمبية، هي حلم كل رياضي في جميع الرياضات، لكنني لن أتنقل إلى اليابان للنزهة وأحلم بالحصول على ميدالية، والمطلوب هو الاجتهاد الفردي إلى جانب العمل مع المدرب، وبالنسبة لي أظن أنني تمكنت من صقل موهبتي بطريقتي الخاصة في النزال، وأعمل على تطويرها أكثر. * لنعود إلى نقطة البداية..كيف بدأت مشوارك مع الفن النبيل؟ بدايتي كانت متأخرة نوعا ما، وكانت سنة 2010 ، حينها كنت أبلغ من العمر 17 سنة، وكنت قبلها أمارس رياضة «الفولكونتاكت»، رغم عشقي للملاكمة، وبعد تأسيس جمعية أبطال قسنطينة بحي بوذراع صالح، وبفضل المدرب بن يحيى مراد تعلقت أكثر بهذه الرياضة، وكثفت من تدريباتي سواء مع المجموعة أو بمفردي، حتى تمت ترقيتي لصنف الأكابر بالفريق، وسنة 2014 بعد حصولي على بطولة الجزائر، تم استدعائي لأول مرة للمنتخب الوطني من قبل المدرب بحوص. * وكيف تمكنت من التوفيق بين الملاكمة و الدراسة؟ صعب جدا التوفيق بينهما وقليل ما تجد ملاكما واصل دراسته، وأنا بفضل الله ومساعدة المحيط العائلي، تمكنت من الذهاب بعيدا في الملاكمة، وفي الدراسة تحصلت على ماستر 2 في تخصص إدارة وهندسة صيانة وسائل النقل. * وهل تعمل في مجال تخصصك؟ للأسف لا، حاليا أعمل في المتجر الخاص بأخي، ولحد الآن مازلت أعمل في الفترة الصباحية، وأتدرب في نفس الوقت استعدادا للألعاب الاولمبية، وسبق لي إن عملت في السابق بورشات البناء، ولا أستحي من ذكر هذا الأمر، بل افتخر به كشاب مكافح يتحدى الصعاب ليصل إلى مبتغاه، والحمد الله عائلتي مرتاحة ماديا وعملي في المتجر أتفادى من خلاله البقاء دون عمل، كما لا أنكر فضل والدي علي، في توفير جميع المتطلبات التي احتاجها. * وهل هناك عناية خاصة بكم من طرف المعنيين بالأمر؟ لا يوجد أي اهتمام أو رعاية بنا للأسف، ومثلا أنا منذ 2013 وأنا أحصد الألقاب والميداليات الوطنية في مختلف الأصناف، ومثلت المنتخب الوطني في مختلف المحافل الدولية، لم ألقى الرعاية والاهتمام من السلطات المحلية عكس باقي الرياضات، ومؤخرا اجتمعوا بنا أنا والملاكم بولوذينات في مديرية الشبيبة والرياضة، ووعدونا بتقديم الدعم والرعاية لنا. بدأت إجراءات الهجرة ومكالمة هاتفية غيرت حياتي * وما هي المكافآت المادية التي نلتها طيلة مشوارك؟ في سنة 2013، لما تحصلت على بطولة الجزائر منحتني الولاية 5 ملايين سنتيم، وفي 2017 تحصلت على شاشة تلفزيون بعد فوزي بحزام بطولة الجزائر، وشعرت يومها بإحباط كبير، وبعد فوزي بالبطولة العربية، تحصلت على مبلغ رمزي، وهذه هي كل التكريمات التي نلتها. أما بعد تأهلنا إلى اولمبياد طوكيو لم يستقبلنا أحد من السلطات في المطار، ولم يتم تكريمنا عكس بقية زملائنا الآخرين المتأهلين إلى الألعاب الاولمبية، وللأسف أعرف الكثير من الملاكمين الموهوبين اعتزلوا مبكرا بسبب الإهمال. * وهل ساعدتك العائلة في ممارسة الفن النبيل بحرية؟ في البداية لم يوافق والدي، وكنت أنازل خفية عنه، حتى أنني لعبت منازلة يومين قبل اجتيازي امتحان الباكالوريا دون علمه، لكن والدتي كنت أطلعها بجديدي أولا بأول، ومع مرور الوقت اقتنع الوالد بعد أن لاحظ مواصلتي الدراسة، وأصبح يشجعني ويحضر بعض منازلاتي، والمهم أن العائلة وفرت لي الجو الملائم. * كيف ترى واقع الملاكمة في الجزائر؟ لقد تراجعت هذه الرياضة بشكل كبير في بلادنا، بسبب النزاعات على مستوى الاتحادية و الصراعات المتكررة، ولما الملاكم يجد هذا الجو ولا يجد الرعاية والاهتمام، فدون شك سيعتزل مبكرا وهو ما حصل للعديد من المواهب، وللأسف نحن نتدرب بطريقة بدائية في قاعة بوذراع صالح التي تشبه المرآب، ولا توجد بها حلبة باستثناء أكياس الرمل. * هل تحلم بالاحتراف يوما ما؟ أول حلم بالنسبة لي عند دخولي عالمة الملاكمة سنة 2010، كان التأهل إلى الألعاب الاولمبية، وأخبرني»عمي شعيب» مسير الجمعية التي أنشط بها، بأنني سأكون متواجدا في أولمبياد لندن 2012، فقلت له بأن هذا غير ممكنا وسأكون في أولمبياد طوكيو 2020، وهو ما تحقق فعلا، والحلم الثاني هو الاحتراف، الذي أتمنى أن أحققه بعد دورة طوكيو خصوصا إذا حصلت على ميدالية، وأمنية حياتي أن أنازل في لاس فيغاس. * بماذا تود أن تختم هذا الحوار أشكر جريدة النصر على هذه الالتفاتة التي شجعتني كثيرا، وإن شاء الله سأشرف الراية الوطنية في الأولمبياد، وأدعو الله عز وجل أن يزيل عنا هذا البلاء، ونعود إلى الحياة الطبيعية.