سجلي تنقصه ميدالية أولمبية وسأنالها باليابان أعرب البطل العالمي للملاكمة محمد فليسي عن استيائه الكبير، من الظروف التي يعيشها أبطال الجزائر في الرياضات الفردية، وأكد بأن الانجازات المحققة في مختلف المنافسات لم تكن كافية لنيل الاهتمام الكافي، لأن كرة القدم تبقى بمثابة الشغل الوحيد للمسؤولين على الرياضة، بحصول لاعبيها على أموال ضخمة، بينما يبقى أبطال باقي الاختصاصات يعانون التهميش، ويتخبطون في ظروف اجتماعية قاسية جدا. حاوره: صالح فرطاس فليسي، إبن بومرداس، وأفضل سفير للقفاز الجزائري في الوقت الراهن، أكد في حوار خص به النصر، بأن أزمة كورونا زادت من معاناة أبطال الرياضات الفردية، وضمان سبعة ملاكمين التأهل إلى أولمبياد طوكيو، لم يشفع لهم بحصول على أي «امتياز» مادي، يسمح لهم بتلبية متطلبات الحياة اليومية لعائلاتهم، بسبب البطالة، ومع ذلك فقد أوضح بأن «النيف» والتشبع بالروح الوطنية، يشكلان دوما الأسلحة التي يشهرها الملاكمون عندما تدق ساعة الحقيقة فوق الحلبة، وقد أبدى فليسي تفاؤله الكبير بترصيع سجله بميدالية أولمبية، في دورة طوكيو، لأنها الوحيدة التي تنقص سجله، في الوقت الذي حدد دورة الألعاب المتوسطية المقررة صائفة 2022 بوهران موعدا لوضع نقطة النهاية وتعليق القفاز. خططت لموعد اعتزالي وأريده بعد ذهبية متوسطية في وهران *في البداية، ما تعليقك على القرار الذي اتخذته وزارة الشباب والرياضة مؤخرا، والذي تحصلتم بموجبه على ترخيص استثنائي، يسمح لكم باستئناف التدريبات في المرافق الرياضية؟ لا أخفي عليكم بأن التدريبات في الظرف الحالي، أصبحت آخر اهتمامات أغلب الرياضيين الأولمبيين، لأن الأزمة الوبائية التي نعيشها منذ 4 أشهر، جعلتنا نصطدم بواقع ميداني مرير، كوننا نلهث وراء لقمة العيش لأبنائنا، في غياب أي امتياز مادي، خاصة وأن السواد الأعظم منا يتخذ من الرياضة كمصدر للرزق، مع التواجد في بطالة، وعلى سبيل المثال، فإن الملاكمين الخمسة الذين كانوا قد ضمنوا التأهل إلى أولمبياد طوكيو، دون احتساب الملاكمتين إيمان خليف ورميساء بوعلام، مروا بظروف جد عسيرة منذ ظهور فيروس كورونا، لأن الإتحادية لم تبادر إطلاقا إلى الإتصال بنا للإستفسار عن أحوالنا، في الوقت الذي وجد فيه بعض الزملاء صعوبة كبيرة في التعايش مع هذه المرحلة، بسبب عدم توفرهم على الأموال التي تكفي لتلبية متطلبات الحياة اليومية لعائلاتهم، وهذا الوضع انعكس بصورة مباشرة على الجانب الرياضي، لأن التدريبات أصبحت خارج دائرة الاهتمام، مع ارتفاع درجة الضغط النفسي الناتج عن الوضعية الاجتماعية العسيرة وكذا أزمة كورونا، وحتى بعد اعلان الوزارة عن قرارها يوم الخميس الفارط، فإننا لم نتلق إلى حد الآن أي توضيح من إتحادية الملاكمة، بخصوص البرنامج الذي سطرته للسباعي المعني بهذا الإجراء، وعليه فإن هذا الإجراء مازال لم يجد طريقه إلى التجسيد ميدانيا، والكرة تبقى في مرمى الفيدرالية. غياب ممثلين في الهيئات العالمية سبب «الحقرة» التحكيمية *هل يعني هذا بأن الملاكمين الأولمبيين ليسوا جاهزين لإستئناف التدريبات؟ شخصيا تدريباتي منذ منتصف مارس الماضي كانت جد متذبذبة، لأن فكرة التدرب في البيت وعلى انفراد تبقى بمثابة حل ترقيعي، على اعتبار أنها تدفع بالرياضي إلى درجة الملل والتأثر بالروتين القاتل، لتصل الأمور إلى حد التوقف، وما زاد الطين بلة صرخات الاستغاثة، التي أطلقها معظم الزملاء من الرياضيين المتأهلين إلى أولمبياد طوكيو، بسبب الظروف الاجتماعية الصعبة، التي كانت لها آثار مباشرة على حياتهم اليومية، وخرجة العداء العربي بورعدة يمكن تعميمها على باقي الرياضيين، وبالتالي يمكن القول بأن استئناف التدريبات سيكون صعبا للغاية، ومسؤولو إتحادية الملاكمة، لا يملكون الشجاعة الكافية التي تسمح لهم بالحديث معنا عن موعد العودة إلى أجواء التحضيرات، كما أن الظروف الحالية لا تساعد على استئناف التدريبات، لأن البرنامج المسطر يستوجب تنظيم تربصات مغلقة، ومن غير المعقول أن نترك عائلاتنا في هذه المرحلة الحساسة جدا. *نفهم من هذا الكلام، أن أفضل الرياضيين الجزائريين يعيشون ظروفا اجتماعية قاهرة، فهل من توضيحات أكثر بخصوص هذه القضية؟ الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن كرة القدم، تبقى الرياضة الوحيدة التي تحظى باهتمام كبير في الجزائر، والدليل على ذلك لغة الملايير التي تبقى متداولة عند الحديث عن رواتب اللاعبين، رغم أن النوادي الجزائرية تبقى عقيمة، ولم تعد قادرة على تزويد المنتخب بعناصر جديرة بالدفاع عن الألوان الوطنية، واللقب القاري المحقق في مصر، كان بفضل عناصر محترفة في الخارج وكذا المدرب بلماضي، وبالتالي فلا يمكن أن نتخذ من هذا الإنجاز شجرة تغطي الغابة، ومع ذلك فإن رواتب اللاعبين لا تقل عن 250 مليون سنتيم، وهي القيمة التي أجد نفسي كملاكم مجبرا على انتظار مدة 4 سنوات للحصول عليها، رغم أنني الأفضل من حيث «الإمتيازات» المادية، سواء في المنتخب أو في المجمع البترولي، لأن الإنجازات التي نحققها لا تمثل أي شيء، أمام ما يتحصل عليه أبسط لاعب في كرة القدم، والتتويج باللقب الإفريقي في الملاكمة، تقابله مكافأة بقيمة 60 مليون سنتيم، والإشكال أن الحصول على هذه المنح لا يكون في وقته، بل بعد فترة انتظار طويلة، والملاكم المتأهل إلى الأولمبياد، مطالب بتسطير برنامج خاص في تحضيراته، تجسيده يتطلب ما لا يقل عن 15 مليون شهريا، وزملائي في المجمع البترولي يتقاضون مرتبات شهرية لا تتجاوز 4 ملايين سنتيم، بينما أتحصل على أجرة لا تعادل ثمن ما يتلقاه أبسط لاعب في مولودية الجزائر لكرة القدم، وهذا بالنسبة لإدارة النادي، عبارة عن امتياز ناتج عن الألقاب التي حصلت عليها، وهنا بودي أن استغل الفرصة لأوضح شيئا مهما. لا يمكنك التركيز في التحضيرات وأنت تلهث وراء لقمة العيش *تفضل ... ما هو؟ لقد فوضني زملائي في منتخب الملاكمة، بإيصال إنشغالاتهم إلى وزارة الشباب والرياضة، والطلب الذي تقدمنا به جعل كاتبة الدولة المكلفة برياضة النخبة سليمة سواكري، تتصل بي هاتفيا منذ نحو أسبوع، لكنني بقيت مصرا على ضرورة جلوسي مع مسؤولي الوصاية لتبليغ مضمون الرسالة، لأن الأبطال الذين يشرفون الجزائر على الصعيد الدولي، مازالوا خارج مجال التغطية، بسبب الاختلال الكبير في الموازين عند توزيع الاعانات المالية، والملاكمة تبقى على غرار باقي الرياضات الفردية، عبارة عن الاختصاصات التي يلجأ إليها «الفقراء»، كما أن المشاكل الكبيرة، التي عاشت على وقعها إتحادية الملاكمة، خلال هذه العهدة أثرت كثيرا على وضعيتنا، لأن الصراعات الهامشية المبنية على مصالح شخصية كانت وراء تغيير رئيس الفيدرالية 3 مرات في عهدة واحدة، ليبقى الملاكمون الشريحة الوحيدة المتضررة، ومع ذلك فقد نجحنا في تحقيق انجاز تاريخي، بحجز 7 تأشيرات تأهل إلى أولمبياد طوكيو، لأننا نجد أنفسنا مجبرين على رفع التحدي، ووضع هذه المشاكل على الهامش عند الصعود إلى الحلبة، حيث تكون الروح الوطنية و»النيف» أهم أسلحتنا عندما نقاتل، وهدفنا الوحيد رفع الراية الجزائرية عاليا، رغم علمنا المسبق بعدم وجود مكافآت مالية تليق بمقام الإنجازات المحققة، والغريب في الأمر أنني اكتشفت بأننا لسنا معنيين بإجراءات التأمين الخاصة برياضيي النخبة، وهذا لما تعرضت لكسر في المرفق في سنة 2018، أثناء تربص مغلق بأوكرانيا، في آخر محطة تحضيرية لدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط بتاراغونا، إذ أجبرت على اجراء عملية جراحية، والخضوع لفترة نقاهة دامت 6 أشهر، وهي أمور لا بد أن تعلم بها الوزارة. مسؤولو الاتحادية لا يملكون الشجاعة الكافية.. ! *الأكيد أن هذه الوضعية سيكون لها تأثير كبير على برنامج تحضيراتكم تحسبا للإستحقاقات القادمة، خاصة أولمبياد طوكيو؟ مشوارنا في الملاكمة لم يكن بتاتا مقترنا بالجانب المادي، لكن مخلفات أزمة كورونا كشفت حقيقة معاناتنا من الناحية الإجتماعية، والحديث عن هذا الأمر في الوقت الراهن، يبقى الهدف منه محاولة لفت إنتباه الوزارة إلى الرياضات الفردية التي تشرف الجزائر في مختلف المواعيد، بحثا عن القليل من الاهتمام، لأن بطلا أولمبيا في الملاكمة أو ألعاب القوى، لا يمثل أي شيء أمام أبسط لاعب في كرة القدم، ونحن لا نطلب المستحيل، ومع ذلك فإن استئناف التحضيرات بعد التخلص من وباء كورونا إن شاء الله سيكون بجدية كبيرة، وتدارك التأخر الكبير المسجل سيكون ببرمجة تربصات إعدادية خارج الوطن، لأننا نبقى مطالبين بالإحتكاك بملاكمي المستوى العالي، ونتوفر على الوقت الكافي لضبط البرنامج الرسمي، والاشكال المطروح حاليا يبقى في مسؤولي الإتحادية، الذين يبقى تأهل 7 ملاكمين إلى موعد طوكيو بمثابة اللاحدث، وظهورهم يكون في المناسبات فقط. *وماذا عن طموحاتك الشخصية في طوكيو، خاصة وأنك قد تسجل آخر ظهور لك في الألعاب الأولمبية؟ حلمي يبقى الظفر بميدالية أولمبية، مهما كان لونها، وهذا الهدف سطرته منذ 4 سنوات، وقد عملت على التحضير له بجدية كبيرة، رغم الإصابة التي كنت قد تعرضت لها، وكذا الإضطراب الناتج عن الأزمة الوبائية، لأن اعتلاء «البوديوم» في الأولمبياد يبقى الإنجاز الوحيد الذي ينقص سجلي الشخصي، وكنت جد قريب من تجسيد هذا الحلم في دورة ريو دي جانيرو سنة 2016، لولا إقصائي في ربع النهائي بطريقة ساذجة، بسبب فقدان التركيز في لحظة واحدة، وقد أبنت عن إصراري في احراز ميدالية أولمبية خلال الدورة التأهيلية التي أقيمت بالسنغال، إذ كنت أول ملاكم في العالم يضمن التأهل إلى طوكيو، بعد فوزي في 5 منازلات، وهو الإنجاز الذي حفز بقية زملائي لرفع حصة الملاكمة الجزائرية إلى 7 تأشيرات في الأولمبياد، وما يزيد في إصراري على العودة من طوكيو بميدالية هو أنني أعتزم وضع حد لمشواري في الحلبة عن قريب، وبالتالي فإنني لن أستطيع المشاركة مجددا في الدورات الأولمبية، وهذه النسخة ستكون فرصة الحظ الأخيرة بالنسبة لي. لا ننال المقابل الحقيقي لإنجازاتنا والريع يذهب لجيوب لاعبي الكرة *وهل سطرت مخططا لاعتزالك؟ حاليا أبلغ من العمر 30 سنة، وحساباتني مبنية على دورة أولمبياد طوكيو للحصول على ميدالية، وبالتالي تجسيد الهدف الذي أراهن عليه، وقد كنت أنوي أن تكون تلك الطبعة آخر محطة لمسيرتي، لكنني وجدت نفسي مجبرا على مواصلة المشوار إلى غاية دورة الألعاب المتوسطية المقررة بوهران صائفة 2022، خاصة بعد تعييني كنائب لرئيس اللجنة الدولية للرياضيين في هذه التظاهرة، والفرصة مواتية لتوديع الحلبة بالذهب وفي بلدي، كما أن الفرصة ستكون مواتية لي لتدارك ما ضاع مني في الدورة المتوسطية بتاراغونا لما غبت بسبب الإصابة، فاكتفت الملاكمة الجزائرية ببرونزيتين فقط، رغم أننا كنا في طبعة 2013 بمرسين بتركيا قد حصدنا 5 ذهبيات، وتواجدي حاليا في الصدارة على الصعيد الوطني، كوني الملاكم الوحيد الذي أحرز ميداليتين في بطولة العالم بفضية وبرونزية وكذا ذهبية الألعاب الإفريقية لسنة 2015، لا يعني بان اعتزالي سيؤثر على مستقبل الملاكمة الجزائرية، بل هناك خزان من المواهب الواعدة، ولو توفرت الإمكانيات اللازمة، فإن القفاز الجزائري قادر على أن يصبح الثاني عالميا بعد كوبا، شريطة التخلص من مظالم التحكيم، لأن الجزائر تفتقر للتمثيل في مختلف هيئات الملاكمة، الأمر الذي جعلنا نتعرض لكثير من الحقرة، وما عشته شخصيا في بطولة العالم لسنة 2019 بروسيا وكذا الألعاب الإفريقية الأخيرة بالرباط يبقى راسخا في ذهني، بسبب ظلم تحكيمي مفضوح.