تم أول أمس بالمؤسسة الاستشفائية البير بقسنطينة، تكريم 140 فردا من الطاقم الطبي و شبه الطبي، نظير جهودهم المبذولة منذ بداية الجائحة، و تثمينا لتضحياتهم من أجل علاج المرضى و إنقاذ الأرواح، و أشار مدير المؤسسة، أن هذه الالتفاتة ستشمل العمال الآخرين، كاشفا للنصر أن عدد المصابين بكورونا وسط الطاقم الطبي، تجاوز 80 حالة، فيما لم تسجل وفيات. أسماء بوقرن احتضن بهو المستشفى صباح أمس الأول احتفالية تكريم الأطباء و شبه الطبيين، الذين تجندوا في الصفوف الأولى و صمدوا لصد الوباء و الخروج من الأزمة بأقل الأضرار البشرية الممكنة، منذ بداية الجائحة و تحويل المؤسسة إلى مركز لعلاج كوفيد . و أوضح رفيق بن داود، مدير مستشفى البير، على هامش الاحتفالية، بأن التكريم تم بمبادرة من نقابة شبه الطبيين بالمؤسسة، بالتنسيق مع مؤسسة الترياق لتوزيع الأدوية، التي ساهمت بتقديم هدايا و شهادات تكريمية ل 140 فردا ، من رؤساء مصالح و أطباء و شبه طبيين، مشيرا إلى أن هذه المبادرة تهدف لتحفيزهم و تثمين الجهود التي بذلوها منذ شهر مارس الفارط، معتبرا ما قاموا به في سبيل علاج مرضى كورونا، عملا جبارا ، خاصة و أن المؤسسة حولت جميع مصالحها منذ ذلك التاريخ لعلاج مرضى كوفيد 19 ، و جندت كل موظفيها للتكفل بهم. و بخصوص عدد الإصابات في الوسط الطبي، قال المسؤول بأنه تجاوز 80 حالة، حيث أصيب أطباء و شبه طبيين و تقنيين و كذا إداريين بالفيروس، فيما لم يتم تسجيل وفيات. أما عن الوضعية الوبائية الحالية، قال أنها مستقرة ، و هناك انخفاض في عدد الوافدين على مصلحة الاستعجالات التي أصبحت تستقبل 40 مريضا في اليوم، منذ مطلع الشهر الجاري، بعد أن كانت في الشهر المنصرم تستقبل 100 مريض يوميا. و قال من جهته يوسف سقاوي، الأمين العام للفرع النقابي للقطاع شبه الطبي بمستشفى البير للنصر، بأن المبادرة تعد الثانية من نوعها، حيث سبق و أن كرم 70 فردا ، من أطباء و شبه طبيين و إداريين، لتشمل هذه المرة القائمة 140 فردا، و من المرتقب تكريم فئات أخرى عاملة في المؤسسة ، مضيفا بأن هذه الالتفاتة ضرورية لتقديم الدعم النفسي للموظفين و رفع معنوياتهم، نظرا للضغوطات النفسية التي يعانون منها. و قالت ممثلة مؤسسة الترياق لتوزيع الأدوية، ليندا زيناتي ميخالف، بأن المؤسسة أبت إلا أن تخصص هدايا لعمال المستشفى، تثمينا لما يقومون به في هذا الظرف الوبائي العصيب. و ثمن مكرمون في حديثهم للنصر هذه المبادرة التشجيعية، التي تجعلهم يتحلون بالعزيمة لمواصلة عملهم ، مجمعين أن العمل في ظرف وبائي استثنائي و مواجهة فيروس قاتل، صعب للغاية، و يستدعي التحلي بالصبر و الشجاعة في آن واحد، و كذا التضحية في سبيل إسعاف المرضى و السعي قدر المستطاع لإنقاذ الأرواح بكل ما هو متوفر من إمكانيات. الدكتورة فريدة إيجات مختصة في طب الأطفال كورونا وحّد الاختصاصات و أقحمني مجال العلاج الوبائي أكدت الدكتورة فريدة إيجات، طبيبة و رئيسة مصلحة طب الأطفال بمستشفى البير ، بأن الأزمة الصحية وحدت كل الاختصاصات و جعلت كل أطباء المستشفى يتجندون لعلاج مرضى كوفيد 19، فوجدت نفسها تخوض تجربة العلاج الوبائي، و تواجه فيروسا قاتلا يصيب مختلف الفئات العمرية، بعد أن كان عملها مقتصرا على الأطفال. و أضافت أنها عاينت حالات عديدة، منها التي صارعت الموت أمامها، و أخرى تطلبت المكوث بالمستشفى للعلاج، و ربطتها علاقة صداقة بعديد المرضى، و صدمتها بوفاة بعضهم في اليوم الموالي، مشيرة إلى أن صورهم لا تزال عالقة في ذهنها و آخر كلماتهم لا تزال تتردد بأذنيها، موضحة بأنها لن تنسى أن أحدهم تضرع لله أن يجازيها على الوقوف بجانبه و علاجه، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، و هذا ما جعلها تتحلى بعزيمة أكبر و تعمل جاهدة لعلاج مرضاها. و أضافت المتحدثة» عشت مرحلة صعبة للغاية و عانيت كثيرا، خاصة عند ارتفاع الحصيلة و بلوغها نسبة قياسية، أصبح عندئذ الطاقم الطبي غير قادر على تلبية الطلب الكبير على المستشفى، الذي كان يستقبل فوق طاقته، و وجدنا أنفسنا مجبرين على التكفل بكل حالات كوفيد 19 التي تقصدنا، فعملنا لمدة 24 ساعة دون توقف، بالوسائل المتاحة، و تحملنا الإرهاق في سبيل خدمة المريض الذي وجب علينا التجند لإنقاذه» . محمد أنور سيمود طبيب عام بمصلحة الاستعجالات إلزام المرضى بتقديم شهادات طبية عرقل مهمتنا قال الدكتور محمد أنور سيمود، طبيب عام في مصلحة الاستعجالات بمستشفى البير، بأن تحويل المؤسسة إلى مركز مختص في علاج كورونا مسؤولية كبيرة، استدعت تظافر جهود الجميع، مشيرا إلى أن في بداية الأزمة كان الأطباء يواجهون مشكل نقص التنظيم و عدم توفر الإمكانات اللازمة، في مقدمتها الأوكسجين، حيث كان المريض يحول إلى المستشفى و هو في حالة خطيرة جدا ، دون القدرة على إسعافه، كما أن تعامل المريض مع الإصابة، كان مختلفا، حيث كان بمجرد تأكده من حمله للفيروس، يصاب بنوع من الرعب، و يأتي مفزوعا إلى المؤسسة، و هذا ما كان يتسبب في تعقد الوضع الصحي للكثير من المرضى . أما حاليا فقد تغير الوضع، خاصة مع توفير الأوكسجين، لكن المشكل الذي أصبح يطرح بحدة و يؤثر على عمل الأطباء، هو الوثائق الإدارية المتمثلة في الشهادات الطبية التي تفرضها عديد المؤسسات على موظفيها الذي أصيبوا بالوباء، حيث تتسبب في عرقلة مهامهم، حسبه. و يجد الطبيب نفسه مقسما بين الإسراع بالتكفل بالمرضى و تقديم الإسعافات الأولية لهم، و بين ملأ شهادات طبية لمرضى آخرين بعد الإطلاع على نتيجة تحاليل الدم»سيرولوجي» ، فهي كفيلة بتأكيد الإصابة . الدكتور مولود رودسلي مختص في الإنعاش و التخدير عملت 10 أشهر دون توقف و حزنت لوفاة شابة بسبب الاستهتار عمل الدكتور مولود رودسلي، مختص في الإنعاش و التخدير بمستشفى البير، طيلة 10 أشهر دون توقف، خلال الجائحة، و تحدث للنصر عن تجربته ، قائلا بأن التعامل في البداية مع فيروس جديد غير واضح المعالم و مخيف، حيث كانت وسائل الإعلام الأجنبية تتضارب في نقل الحقائق حوله ، ما جعل شعوره بالخوف يزداد حدة، خاصة عند اطلاعه على تصريحات أطباء أجانب، فكان هو وبقية زملائه يحاولون التقيد بإجراءات الوقاية، خاصة في الفترات التي تم خلالها تسجيل أرقام قياسية و مخيفة، و رغم ذلك ، فإن العاملين في مصلحة الإنعاش، لم يكونوا في منأى عن الإصابة، حيث انتقلت العدوى إلى 3 أطباء من أصل 5 بالمصلحة ، ما ضاعف حجم التزاماته و مسؤوليته من جهة، و زاد شعوره بالخوف من جهة أخرى، لكنه وجد نفسه مطالبا بالتحلي بالشجاعة و اليقظة، للتكفل الأمثل بالحالات و مراقبة وضعها للتدخل في الوقت المناسب. و بخصوص الذكريات المؤلمة التي عاشها و ظلت عالقة في ذهنه، ذكر الطبيب بأنه تأثر كثيرا بوفاة شابة في 32 سنة من عمرها، حيث أنها لم تحظى بالعلاج في بداية مرضها، و بعد تأزم حالتها أحضرت إلى المستشفى، حيث فارقت الحياة بعد ساعتين من دخولها مصلحة الإنعاش، و ذلك بسبب تعرضها لجلطة في الرئة. المتحدث يرى بأن انخفاض عدد الإصابات و استقرار الحالة الوبائية، جعل الكثيرين يتراخون في الالتزام بالإجراءات الوقائية حتى في الوسط الطبي، مشيرا أنه ليس سهلا التقيد بارتداء اللباس و القناع الواقيين و الكمامات و غيرها طوال فترة الدوام ، غير أنه كان حذرا في التعامل مع المرضى، خاصة من يعانون من السعال، لكونه يسهل نقل العدوى، و حرص على الالتزام بالتباعد والتقيد بغسل اليدين بشكل مستمر، شاكرا الله عز وجل لأنه لم يصب بالفيروس لحد الساعة. في ما تعلق بحالات الوفاة التي كانت مسجلة بمصلحة الإنعاش، حيث يعمل، أكد المتحدث بأنها لا تقتصر على المسنين و المصابين بأمراض مزمنة، كالسكري و الضغط الدموي، فهذه الفئة تمثل نسبة 20 بالمئة فقط، فليس كل مصاب بمرض مزمن، معرضا أكثر من غيره للموت أو تعقد وضعه الصحي، كما قال. و أشار إلى أن هناك مرضى أعمارهم 70 عاما، و حتى 88 عاما، و يعانون من أمراض مزمنة، لكنهم تماثلوا للشفاء، و السر يكمن في اللجوء للعلاج فور اكتشاف الإصابة، و كذا التحلي بالشجاعة، لأن عامل الخوف يؤثر على وتيرة الشفاء، مؤكدا بأن أغلب الوفيات سجلت عند المرضى الذين يرفضون العلاج في البداية، و يقصدون المستشفى بعد تعقد وضعهم الصحي. الممرض في الصحة العمومية سامي محسن الجائحة كشفت عن ضرورة التكوين و التحضير للأزمات من جهته أكد سامي محسن، ممرض في الصحة العمومية، بمصلحة الاستعجالات لمرضى كوفيد 19بنفس المستشفى ، بأن الجائحة كشفت نقائص يجب تداركها مستقبلا، و أكدت على ضرورة تخصيص دورات تكوينية دورية للطاقم شبه الطبي و تحضيره لمثل هذه الأزمات، بالحرص على صقل قدراته و مهاراته بشكل دوري، بما يتماشى و تطورات المجال الطبي، مشيرا في سياق آخر، بأن معاناة الجيش الأبيض في الجائحة، لا تقتصر على خطر الإصابة و الإرهاق نتيجة العمل المكثف، فهناك أيضا نقص الإمكانيات و الوسائل التي تستعمل في الكشف عن الإصابة و إسعاف المريض، موضحا بأن ما آلمه أكثر هو رؤية مرضى يفارقون الحياة، دون أن يتمكن من تقديم يد المساعدة لهم و إنقاذ أرواحهم، داعيا المواطنين إلى التحلي باليقظة و التقيد بوسائل الوقاية .