دعا رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، أعضاء المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى صياغة تصور لنموذج اقتصادي جزائري محض يأخذ بعين الاعتبار خصوصية المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للبلاد، وعدم استيراد تصورات من الخارج. أشرف رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، أمس بقصر الأمم بنادي الصنوبر على تنصيب أعضاء المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بحضور رئيسي غرفتي البرلمان و الوزير الأول وأعضاء الحكومة وإطارات من مؤسسات الدولة، و قال الرئيس في كلمة له بالمناسبة إن التوجهات الاقتصادية في العالم تختلف من بلد إلى آخر ربما هناك قاسم مشترك فقط في لب الفلسفة الاقتصادية لكن العلوم الاقتصادية هي علوم إنسانية بالأساس وليست علوما دقيقة، لأن الأمر يتعلق بحضارات وتصرفات وسلوكات البشر وتقاليد العمل والاستهلاك. و عليه –يضيف – لا يمكن فرض توجه اقتصادي معين على بلد ما ولا يمكن فرض أفكار مستوردة، وحتى في أوروبا هناك اختلاف في التوجهات الاقتصادية، ومنه طالب «بعبقرية جزائرية» وبضرورة تشخيص الوضع حتى يتم إيجاد حل له مثلما فعل الذين سبقونا ووجدوا حلولا لمشاكل جزائرية محضة. ودعا الرئيس في هذا السياق أعضاء المجلس الوطني الاجتماعي والاقتصادي والبيئي إلى «صياغة توصيات وطنية غير مستوردة حول كل ما يتعلق بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية» والاعتماد في هذا الشأن على الكفاءات الوطنية في الداخل والخارج. ولفت إلى أن المسائل البيئية ذات بعد أساسي في التنمية المستدامة لذلك ينبغي أخذها بعين الاعتبار و إدراجها ضمن الأولويات في كل المخططات و البرامج التنموية. وشدد الرئيس تبون بناء على ما سبق ذكره على ضرورة «تكريس نموذج اقتصادي جديد حبذا لو يكون جزائريا محضا»، مشيدا في هذا الإطار بدور المجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي, الذي تمت دسترته بموجب التعديل الدستوري الأخير، مع إضافة البعد البيئي ضمن أولوياته، و الذي يعد فضاء تشاوريا سيسمح ببلورة أدوات علمية لتكريس نموذج اقتصادي جديد و اقتراح توصيات كفيلة بالحفاظ على المكتسبات الاجتماعية و تثمينها. وقال بهذا الخصوص» دور مجلسكم حساس في النقاش، دور تتبلور فيه أفكار جديدة وتنتج عنه توجيهات وتوصيات للحكومة لتسيير أحسن لكن دون أن يكون هناك صراع مؤسسات، لكن صراع الأفكار مقبول». وحرص تبون على ضرورة أن تكون تركيبة المجلس متنوعة تشمل مختلف الفئات والتخصصات ومن مختلف جهات الوطن ومن الجالية مع إدماج الكفاءات من النساء والشباب دعما للرأسمال البشري. وأوضح أن تنصيب المجلس يندرج في إطار الإصلاحات الشاملة التي شرع فيها بدءا بالدستور، ثم المجلس الشعبي الوطني والمرصد الوطني للمجتمع المدني، ولاحقا المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للشباب و هيئات أخرى. وفي ذات السياق اعتبر رئيس الجمهورية أن تنصيب المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بتركيبته و أعضائه الجدد يأتي منسجما مع إعادة الاعتبار لهذه الهيئة وعملها وجعلها مستقطبة للكفاءات العلمية عاكسة للممارسة الفعلية للديمقراطية التي تقوم على إشراك مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والمجتمع المدني والخبراء من مختلف التخصصات. و ذكر بأنه تعهد للمواطنين بأن يعيد للهيئة مكانتها و ذلك من خلال تعزيز وتوسيع دورها وجعلها أداة تقييم ومتابعة تساعد السلطات العمومية في كل ما يتعلق بالاستشراف والتقييم في المجالات الاجتماعية والاقتصادية. وقد تم تكريس هذا الدور في الدستور حتى يضطلع المجلس بمهامه كاملة من منطلق كونه أداة للاستشراف والتحليل والاقتراح في كل المسائل التي تدخل في مجال اختصاصه. إلياس –ب المحليات القادمة محطة هامة في نسق التقويم المنشود اعتبر رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، أن الانتخابات المحلية القادمة ستكون محطة هامة في نسق التقويم المنشود تنبثق عنها مجالس تمثيلية تأخذ على عاتقها انشغالات وتطلعات المواطنين. وجاء كلام الرئيس خلال تنصيبه أمس أعضاء المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بقصر الأمم بنادي الصنوبر في سياق الحديث عن الإصلاحات المؤسساتية الشاملة التي شرعت فيها الدولة انطلاقا من مراجعة الدستور مرورا بانتخاب مجلس شعبي وطني جديد، وتنصيب المرصد الوطني للمجتمع المدني، ولاحقا المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للشباب. وأكد أن الدولة ستواصل في الفترة القادمة تكييف المجالس والهيئات القائمة وتنصيب المستحدثة، معربا عن أمله أن تصل المؤسسات الجديدة بالبلاد إلى بر الأمان وأن تتركز جهود الجميع في المستقبل حول الإنعاش الاقتصادي وتحقيق التنمية والاستجابة لتطلعات المواطنين. إ –ب الرئيس ينبه إلى عدم الاتكال على التمويل العمومي على القطاع الخاص المساهمة في تنمية الاقتصاد بإمكانياته دعا رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون القطاع الخاص إلى المساهمة الفعلية في تنمية الاقتصاد الوطني بإمكانياته الخاصة دون الاعتماد على الخزينة العمومية، وأمر بتوجيه الجهود في المرحلة الحالية نحو الإنعاش الاقتصادي بشكل مشترك بين القطاعين العام والخاص. ووجه الرئيس تبون في الكلمة التي ألقاها أمس بقصر الأمم بنادي الصنوبر خلال إشرافه على تنصيب أعضاء المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رسالة واضحة للقطاع الوطني الخاص فحواها ضرورة أن ينخرط هذا القطاع بقوة في تنمية الاقتصاد الوطني بإمكانياته الخاصة و عدم الاتكال فقط على البنوك والدولة. وقبل ذلك أشاد الرئيس بالدور الذي يلعبه القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني حيث تبلغ مساهمته فيه 85 من المائة، لكن وجه الغرابة –يوضح - أن نسبة 85 من المائة من ال 85 من المائة التي يساهم بها القطاع الخاص تمول من طرف البنوك العمومية وهو أمر غير طبيعي. وأعطى المتحدث أمثلة على استمرار اتكال القطاع الخاص على الدولة وبنوكها وقال انه من غير المعقول أن متعاملا اقتصاديا يشتغل منذ 20 سنة في القطاع الخاص وعندما يريد بناء فندق يطلب تمويلا من البنك. ومن هذا المنطلق دعا المتعاملين الاقتصاديين والمستثمرين الخواص إلى عدم الاتكال على الدولة وإلى وضع إمكانياتهم الخاصة في مجال تمويل المشاريع، وأشار إلى تصرفات وسلوكات لبعض الخواص غير منطقية بتاتا وتدخل في خانة التبذير كالذي يستورد السكر بكمية زائدة ليعيد تصديرها بعد ذلك. وخلص إلى أنه ينبغي اليوم على القطاع الخاص أن يكون «واثقا من نفسه»، وأن ينسى الدولة لأن الدولة موجودة هنا من أجل التوجيه فقط، مشيرا أن المال السهل المتأتي من الريع البترولي جعل الناس لا يفكرون بل يصرفون ويبذرون، وأنه من العار على دولة تخرج سنويا 250 ألف جامعي أن تستورد أشياء بسيطة، وقال « لابد أن نجهز أنفسنا لتصدير المواد التي ننتجها وبخاصة أن السوق الأفريقية أصبحت مفتوحة». و تحدث رئيس الجمهورية عن الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة من أجل بناء اقتصاد وطني حقيقي لا يكون مبنيا على الريع المتأتي من مداخيل البترول وعلى الاستيراد فقط دون خلق الثروة، ودون تنسيق بين القطاعات، كما نحن عليه منذ عقود. واعتبر أن الخطاب الذي ظل يتردد منذ 30 سنة حول تحرير الاقتصاد من المحروقات ظل «أجوفا» طيلة هذه الفترة، وأن الدولة وضعت لأول مرة سقفا خاصا بحجم الصادرات خارج المحروقات تريد الوصول إليه وهو 5 ملايير دولار مع نهاية السنة الجارية، واليوم نحن في حدود 3 ملايير و 200 مليون دولار، و تمنى أن نصل على الأقل إلى رقم 4 ملايير و 200 مليون دولار مع نهاية السنة. وقال إن وزارة التجارة تقوم لأول مرة بالتعريف بالمنتوج الوطني، والدولة تسعى في الوقت الحالي لبناء اقتصاد حقيقي يولد الثروة ويخلق مناصب الشغل انطلاقا من المواد الأولية المتوفرة والذكاء في الاستيراد. الدولة حققت توازنها التجاري بالتحكم الهيكلي في الاستيراد وبخصوص الاستيراد شدد الرئيس تبون على ضرورة أن يكون مكملا للإنتاج الوطني، وقال بهذا الصدد إن الدولة وبفضل التحكم في الاستيراد استطاعت تحقيق توازن في هذا المجال بصفة هيكلية حيث انخفضت فاتورة الاستيراد إلى 31 مليار دولار، بعدما كانت قبل عشر سنوات تفوق 60 مليار دولار، وهو ما خلق في ذلك الوقت عجزا لأن التصدير كان ضعيفا مقارنة بحجم الاستيراد. واليوم فإن البلاد حققت توازنها في المجال التجاري لأن ما ننتجه من مداخيل المحروقات وغيرها يكفي لسد فاتورة الاستيراد دون المساس باحتياطي الصرف، «هذا هو التوازن الذي نطمح إليه حتى لا نقع في الفخ الذي وقعت فيه البلاد في التسعينيات وجعلها تلجأ إلى صندوق النقد الدولي»، وبهذا يمكن للبلاد السير في نهج سياستها الخارجية الداعمة لكل القضايا العادلة في العالم. كما تطرق عبد المجيد تبون للاقتصاد الموازي الذي تبلغ قيمته اليوم حسب بعض الأرقام 10 ألاف مليار دينار، أي ما يعادل 90 مليار دولار، وهذا ما جعله يقول بأن البلاد لن تلجا للاستدانة الخارجية، وإذا اقتضى الأمر ستلجأ للاستدانة الداخلية لأن هناك أموالا طائلة مخفية اليوم وقد حان الوقت لكي تخرج وتساهم في تمويل الاقتصاد الوطني. لا مبرر للبيروقراطية والجمود بعد رفع التجريم عن التسيير.. لم يفوت رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وجوده أمام الإطارات المسيرة للدولة للتطرق لموضوع جمود الإدارة والبيروقراطية الإدارية، وقال بهذا الخصوص انه يقف مع المستثمرين الذين يشكون من جمود الإدارة. ودعا إلى محاربة البيروقراطية، موضحا أن هناك بيروقراطية ناتجة عن التخوف خاصة بعد كل الذي وقع في العامين الأخيرين من متابعات قضائية، لكن بالمقابل هناك بيروقراطية ناتجة عن محاربة التنمية ووصفها ب»تخريب حقيقي». وعاد الرئيس للحديث عن قرار رفع التجريم عن فعل التسيير و محاسبة بعض المسيرين عن امضائهم بعض القرارات فقط وليس بتهمة الفساد، و قال « اليوم وبعد كل هذه القرارات المتخذة لم يبق أي مبرر للجمود كل من له مسؤولية لابد أن يقوم بها وحل جميع المشاكل». وفي هذا الموضوع تحدث عن بقاء أراضي دون استغلال لعشر سنوات ووعد بحل مشاكل العقار المطروحة، كما دعا أعضاء المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى مواصلة القيام بدور الوسيط مع مختلف المشرفين على الشأن الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، وأن يكونوا قاطرة لتجسيد توصيات ندوة الإنعاش الاقتصادي المنعقدة في أوت من العام الماضي.