كان الصيد البحري بالقل، إلى وقت قريب مهنة أغلب سكان المنطقة، و المصدر السهل لأرباب العائلات، لاسيما الفقيرة لتأمين قوت يومها، لكن أصبح اليوم البحر لا يوفر لقمة العيش، و اضطر الكثير من البحارة، و حتى أصحاب السفن و القوارب، إلى التوقف عن النشاط و ترك المهنة مضطرين، و البحث عن مصدر آخر أكثر أمنا و استقرارا، لتوفير لقمة العيش، بسبب كثرة المشاكل المرتبطة بالعمل في البحر، و تعقد الإجراءات التي تواجه مهنيي الصيد و البحارة. جاءت فترة تفشي وباء كورونا و إجراءات الحجر، و توقف النشاط، لتأتي على ما تبقى من آمال، كانت معلقة لإنعاش الصيد البحري، كما أن شح المنتوج و المضاربة التي أصبحت السمة الغالبة و المسيطرة على دواليب بيع المنتوج البحري بميناء الصيد البحري بالقل، زادت من حدة الأزمة. تعرف حاليا حرفة صيد السمك عزوفا كبيرا من قبل الشباب، بسبب ضعف المردود و متاعب كثيرة، أنست القليين شغفهم بالبحر، رغم كل ذلك، تبقى أمواج البحر تستهوي فئة و لو قليلة من الصيادين، يصارعون من أجل البقاء، و يصرون على الحفاظ على ممارسة المهنة، الموروثة أبا عن جد. جولتنا إلى ميناء الصيد البحري بالقل، كشفت عن الكثير من خبايا البحر و الصيد و البحارة، و لم يعد الميناء يعج كعادته بالبحارة وعشاق الصيد و الباحثين عن مصدر رزق من عملية بيع الأسماك، لا سميا السردين ، و تحدث القليل من الصيادين الدين وجدناهم بالميناء بمرارة عن واقع القطاع الذي أصبح محاطا بالكثير من العراقيل والإجراءات المعقدة، خاصة تلك المتعلقة بالرسوم والضرائب، و رخص الصيد وغيرها من المتاعب اليومية التي يواجهها مهنيو الصيد . صيانة شباك الصيد لقمة عيش مالحة يجتمع في ميناء الصيد البحري بالقل يوميا، عشرات الحرفيين المختصين في إصلاح الأعطاب و التمزقات التي تطال الشباك بعد كل رحلة صيد، بسبب التصاقها بالصخور و تمزيقها من قبل الأسماك الضخمة و القوية، حيث يلجأ معظم أصحاب سفن الصيد إلى ترقيع و خياطة الشباك، بدلا من شراء شباك صيد جديدة، لعدم وجودها في المتناول أو غلاء سعرها، إن وجدت. زائر الميناء يشده منظر خيوط تلتف حول أصابع الحرفيين، و هم يجلسون أمام غرف الصيد و تحيط بهم الشباك لمسافات تمتد أمامهم، يبحثون عن الأماكن الممزقة فيها، من أجل ترقيعها، استعدادا لرحلة صيد جديدة، بحثا عن صيد وفير من الأسماك، حيث يتجمع العشرات من الصيادين الحرفيين للقيام بهذه المهمة الإضافية، كإجراء مهم لاستمرار مهنة الصيد. النصر التقت بالعديد من الصيادين، و تحدثوا إلينا عن كيفية تعلم هذه الحرفة اليدوية الدقيقة التي تتطلب الكثير من الصبر و سعة البال. قال عمي محمد، أنه تعلم مهنة الصيد من أبيه، الذي تعلمها من جده، و اليوم يعمل على تعليمها لأبنائه ، و أضاف أنه يبدأ يومه بصيانة شباك الصيد، و يعتمد في ذلك على نوعية السمك المتوفر في البحر، حيث يخرج شباكه ليتفقدها، فبعضها لا يصلح للصيد، لكنه يجبر على إصلاحها، لعدم قدرته على شراء شباك جديدة، و يستمر في عمل ذلك لأكثر من شهر بشكل متواصل، حتى يتمكن من تهيئتها لرحلة صيد في الوقت المناسب. و أوضح أحد زملائه، و هو أيضا خبير في الحرفة، أن الصيادين يستعملون في خياطة شباك الصيد خيوطا خاصة من الحرير الصلب، باستعمال آلة صغيرة تشبه إبرة الخياطة، لربط خيوط الشباك الممزقة وتوصيلها بعضها ببعض، أو قص قطعة تالفة بشكل كامل، ودمج القطع الأخرى مع بعضها، كأن الأمر محاولة لصنع شباك جديدة ، وذلك للاستمرار في ممارسة المهنة، والعملية ليست سهلة، كما أكد المتحدث، فعملية خياطة الشباك، حسب العارفين بالحرفة، تستغرق وقتا طويلا، قد يصل مدة شهر أو أكثر، و تحتاج إلى صبر وثبات، و يبذل العديد من الصيادين جهودا إضافية، من أجل صيانة الشباك القديمة التي تجاوز عمرها 20 سنة أو أكثر، و عدم التخلص منها. بعض الصيادين تحدثوا عن صعوبة و مرارة المهنة، خاصة في السنتين الأخيرتين، خلال تفشي وباء كورونا و توقف النشاط، و قالوا أنه عندما تبحث عن خلل في شباك صيد تمتد لعشرات الأمتار، هذا يعني أنه يجب أن يكون لديك صبر كبيرا، من أجل إنجاز هذه المهمة، كما أكد الصياد فوزي الذي بدأ ممارسة مهنة الصيد، عندما كان عمره 10 سنوات، واليوم يملك خبرة كبيرة في المجال ، يريد نقلها إلى أبنائه. و قال للنصر، أنه يجتمع بأبنائه أمام غرفة الصيد الخاصة به، و يوزع مهام الصيانة على كل واحد منهم، من أجل تعلم هذه المهنة، ويقول أن لكل موسم سمك، و لكل سمك شباك صيد تناسبه، وتختلف في جودتها، حيث توجد أسماك قوية تحتاج إلى شباك صيد متينة، لتتحمل ثقلها. وأشار المتحدث إلى وجود نوعين من شباك الصيد، النوع الأول شباك صغيرة تستخدم في صيد الأسماك الصغيرة كالسردين، و يأخذ هذا النوع جهدا مضاعفا، نظرا لحجم التركيز الذي يتطلبه، أما النوع الثاني، فهي الشباك الكبيرة المستخدمة لصيد الأسماك ذات الحجم الكبير، و يستخدم في هذا النوع خيوطا حريرية خاصة، لملاءمتها مع حجم الأسماك الضخمة و المفترسة أثناء الصيد، و الحد من تمزقها، و بقائها صالحة للاستعمال لفترة طويلة. عمي عياش من أصحاب الخبرة في خياطة الشباك، عندما صافحناه، لا حظنا أن يده خشنة ، بها تقاسيم وتشققات بفعل كثرة العمل في خياطة الشباك، و طول عهده بها، لكنه لا يزال يتمتع بقوة و صبر وإيمان بالعمل الذي لا يزال يمارسه منذ أكثر من 40 سنة . السردين لم يعد طعاما للفقراء في الوقت الذي كانت فيه الأسماك الزرقاء من نوع السريدن التي تشتهر بها سواحل القل، المصدر الرئيسي للعائلات الفقيرة للحصول على الغذاء، أصبح السردين من الكماليات ولم يعد في متناول العائلات المحدودة الدخل و الفقيرة ، خاصة وأن أسعاره لم تنزل عتبة 500 دج للكليوغرام الواحد في أحسن الأحوال ، فيما تفوق الأسعار عتبة 1000دج في الكثير من الأحيان.