عندما يمتزج الفن بالرقمنة في لوحات أمير يخلف تزينت أمس، قاعة العرض بالمدرسة الجهوية للفنون الجميلة بقسنطينة، بلوحات الطالب الفنان أمير يخلف، الذي قدم توليفة متنوعة من أعمال تجمع بين الفن التشكيلي و الصورة الفوتوغرافية، و الرسم الرقمي، عن طريق اللوح الإلكتروني أو ما يعرف ب»ديجيتال بينتين»، وهو توجه فني معاصر، يجمع في طياته، أطياف ألوان كل المدارس التشكيلية على اختلافها. مدرسة فنية رقمية في مواجهة الإنكار لوحات الفنان الشاب، قدمت تقنية تنصهر فيها دقة و واقعية الصورة الفوتوغرافية، بعبقرية اللعب على ريشة اللوح الرقمي، التي تخضع هي أيضا، لقواعد تتقاطع فيها كثير من النقاط مع تقنيات الرسم المباشر، فهذا الفن، حسب الرسام، لا تقل قيمته عن أية لوحة إبداعية، قد تمتزج ألوانها على قطعة قماش أو ورق، مع ذلك فإن حداثته و ارتباطه بالتكنولوجيا، كثيرا ما يسقطان عنه صفة الإبداع في نظر الكثيرين. ككل مدرسة تشكيلية جديدة، فإن ريشة «ديجيتال بينتين»، لا تزال تواجه رياح الرفض التي تعصف بأية فكرة جديدة، قد تخرج عن المألوف و تكسر التقليد، مع ذلك، يؤكد صاحب المعرض، بأن هذا اللون التعبيري يحتكم كغيره، لكل المعايير الفنية و يختلف فقط من ناحية الطرح و التقديم، فبدل رسم اللوحة على الورق أو القماش، تمزج ألوانها و توزع رقميا. الرسام قال، بأن فنه يخضع لقواعد الرسم التقليدية، كما يحتكم إلى قواعد التصوير الفوتوغرافي كذلك، ففي كل لوحة تذوب الفكرة بين تلك الجوانب الحقيقية المستمدة من واقع الصورة، و بين الأبعاد و الألوان و التفاصيل التشكيلية التي تضاف إليها من خلال الريشة الرقمية، بما يسمح بترجمة أحاسيس مختلفة، قد يكون الإنسان أكثر قدرة على فهمها أو استيعابها، مقارنة باللوحات التجريدية مثلا، مضيفا، بأن ميلاد اللوحة مرتبط بلحظة إلهام، و أن التقارب الكبير في التقنيات، قد يسمح بتكرار نفس العمل بالطريقة التقليدية، مع فوارق بسيطة في الدقة. معرض عنوانه الإنسان اختار الطالب لمعرضه الذي عرف حضورا لافتا وضم 42 لوحة، عنوان «ديجيتال كانفاس»، و جمع في أعماله بين الواقع و التخيل و التجريد، حيث تناغمت الألوان على اختلاف تدرجاتها لتقديم صور جميلة، ركيزتها الإنسان، كما عكست الدقة في التصوير و التركيز على الملامح و الزوايا، خليطا من المشاعر في عمل الفنان، على محاكاته بلغة فنية لمدة تزيد عن سنة و نصف، إذ عرى انفعالات الرجل من خلال نظراته، كما في لوحتي سلفادور دالي و رابل ييل، لتعكس الزوايا التكعيبية المتداخلة، شكل ذبذبات الصوت في الصرخة، فيما صور الحزن في لوحة الظلال « تتش أوف غراي»، و بين القسوة في صورة «بلاك بيرد» متقاطعة الخطوط. أعمال أخرى صور الشاب من خلالها التناغم بين المرأة و الطبيعة، و كأنه يعيد سرد قصة التشابه بينهما، وكيف أن الأنثى هي أيضا رمز للنقاء و الجمال و الخصوبة، أما الطفل، فقد تحدث عن براءته في لوحة « إيمغرانت»، التي أضاءت فيها ابتسامة لاجئ صغير، عتمة الألوان الداكنة التي غلبت على كافة أعماله، و لم يكسر ضوءها الخافت سوى اللون الفاتح للإجاص الأخضر و احمرار العنب البلوري في لوحتين انطباعيتين جميلتين. التراث كان أيضا حاضرا في المعرض، من خلال تصوير الفنان للحلي و الزي التقليديين للرجل التارقي « الرجل الأزرق»، و للمرأة الصحرواية . و في لوحة « ألجيرين إير كرافت»، قدم الفنان الزي الخاص برجال الشمال، على غرار تلك الإطلالة الأنيقة الراقية في إحدى أشهر صور الأمير عبد القادر، الذي خصه أيضا ببورتريه في المعرض، كما استحضر ذكرى عميد المالوف الحاج محمد الطاهر الفرقاني عبر لوحة « الفرقاني». عولمة الفن و الأبعاد الاقتصادية للّون عن خصوصية المعرض و لوحاته، و فن «ديجيتال بينتين» عموما، أوضح لنا الفنان و الأستاذ رسيم باي بن يحيى، بأن الأمر يتعلق بتوجه فني جديد يمثل خليطا من كل القواعد التشكيلية المعروفة، لكن وفق منظور حداثي، أفرزته ثورة التكنولوجيا و سلطة العولمة، فرغم أن تقبل هذا اللون كمدرسة فنية جديدة، لا يزال يواجه معوقات، إلا أننا نتحدث اليوم، كما قال، عن لوحات تشبه الأعمال التقليدية، لكنها ترسم بطريقة مختلفة و باستخدام اللوح الرقمي، و هو فن لا يقل أهمية ولا دقة و لا صعوبة عن الطابع التقليدي المعروف، لأنه يعتمد كذلك على قواعد الرسم، بما في ذلك توزيع الألوان و إسقاط الضوء على الزوايا و عناصر اللوحة و معرفة البنية الجسدية للإنسان، و المبدأ الحسي و البعد الجمالي، أما الفرق الوحيد، فيكمن في الوقت الذي يختزله التقنية الحديثة، مقارنة بما تتطلبه الألوان، لتجف على القماش أو الورق. رسيم باي قال، بأن فلسفة هذا الفن، كما تعكسه لوحات المعرض، هي الانفتاح و الانصهار، بدليل أننا نجد تشكيلة متنوعة من الأعمال الفنية التي تنتمي إلى مدارس مختلفة، بين الانطباع و التجريد والواقعية و السريالية والكلاسيكية و التكعيبية وغير ذلك، وهي فلسفة مستمدة من العولمة، التي طغت على حياتنا، بشكل أفرز تراجعا للهوية الثقافية المستقلة، أو ألغى كل الاختلافات، مشيرا إلى أنه رغم سلبية هذا الطرح، إلا أن «ديجيتال بينتن»، بعد إيجابي مهم، فهو من أكثر المدارس أو التوجهات التشكيلية انسجاما، مع فكرة الاقتصاد الثقافي، ومن أكثر مجالات الرسم مردودية، فإلى جانب المعارض الفنية، يوظف هذا الفن في عالم التسويق و الإشهار و الدعاية والإعلانات بشكل كبير، وهو ما يفتح الباب بشكل أوسع أمام الفنان، ليحقق المكسب الاقتصادي المادي من الفن. جدير بالذكر أن أمير يخلف ، طالب بمدرسة الفنون الجميلة و مصور فوتوغرافي محترف، دخل عالم الإبداع سنة 2017.