حفظ العداء جمال سجاتي ماء وجه الرياضة الجزائرية في بطولة العالم لألعاب القوى، "طبعة" مدينة أوجين الأمريكية، على اعتبار أن الفضية التي أحرزها في سباق 800 متر، وهي الميدالية رقم 11 في تاريخ المشاركة الجزائرية، كانت الوحيدة لبلدنا في هذه النسخة، مما مكنها من التواجد ضمن لائحة البلدان التي نال رياضيوها الميداليات على اختلاف لونها. إنجاز سجاتي في الأراضي الأمريكية، وفي بطولة العالم جاء ليؤكد العودة التدريجية لألعاب القوى الجزائرية إلى الواجهة "العالمية"، لأن حجز مكانة في سلم الترتيب النهائي للطبعة رقم 18 من مونديال "أم الرياضات" ليس في المتناول، والفضية الوحيدة في هذه الدورة أبقت الجزائر ضمن "التوب 30" في سبورة التصنيف العالمي، على امتداد دورات بطولة العالم، بعدما كان توفيق مخلوفي قد عبّد الطريق نحو عودة مرتقبة للجزائر إلى الساحة العالمية قبل 3 سنوات، في نسخة الدوحة 2019، لما أحرز فضية طوى بها صفحة غياب الرياضة الجزائرية عن التتويجات والمنصات في بطولة العالم لألعاب القوى على مدار 16 سنة، و7 دورات متتالية. الخروج من نسخة أوجين بفضية، يواكب "ديناميكية" الصحوة التي تشهدها "أم الرياضات" بالجزائر، خاصة وأن التأكيد كان في بطولة العالم في اختصاص 800 متر، والذي تم تعليق كل الآمال فيه على الثلاثي مولى، سجاتي وحتحات لإحراز ميدالية على الأقل، سيما وأن هذه المجموعة كانت قد أبانت عن إمكانيات معتبرة في العرس المتوسطي الأخير بوهران، ولو أن هذا الرهان غيّر من معالم ألعاب القوى الجزائرية، لأن المتعارف عليه أن اختصاص 1500 متر ظل المعبر الرئيسي للعدائين الجزائريين نحو منصات التتويج، انطلاقا من المشاركة الأولى لعمار براهمية في النسخة الأولى، والتي كانت بهلسنكي الفنلندية سنة 1983، ثم بعده عبد الرحمان مرسلي، ليكون إثرها الموعد مع أول تتويج، بفضل الثنائي ّالذهبي" نورالدين مرسلي وحسيبة بوالمرقة، وحتى آخر فضية في دورة الدوحة 2019 لتوفيق مخلوفي كانت في ذات الاختصاص، لكن الموازين انقلبت رأسا على عقب، بظهور جيل جديد، حول عارضة طموح نحو اختصاص كان قد اقتصر إنجازه على تألق العداء سعيد قرني جبير منذ قرابة عشريتين من الذهب، بإحرازه ذهبية وبرونزية في نسختين من مختلفتين من بطولة العالم. تتويج سجاتي بالفضة لا ينقص من قيمة الإنجاز الشخصي الذي حققه زميله سليمان مولى، لأن احتلال الصف الخامس عالميا ليس بالأمر الهين، لابن مدينة تيزي وزو، والاستثمار في هذا الجيل كفيل بجعل "أم الرياضات" تستعيد هيبتها عالميا، وبالتالي تكرار إنجازات الثنائي مرسلي وبوالمرقة، التي كانت في فترة العشرية السوداء، وكانت حصيلتها "ذهبية" بامتياز، من خلال تسيّد العالم، وإحكام سيطرة جزائرية مطلقة على اختصاص 1500 متر في بطولة العالم، فكان حصاد هذا الثنائي 5 ذهبيات وبرونزية في 3 دورات متتالية من "المونديال"، وسجاتي ومولى لا يتجاوزان من العمر 23 سنة، الأمر الذي يرمي بالكرة في معسكر المسؤولين على اتحادية ألعاب القوى لاستغلال هذا الخزان، والاستثمار في الامكانيات الخارقة التي يتوفر عليها، بتوفير الامكانيات اللازمة، التي تليق بمقام أبطال عالميين، بحثا عن ثمار "تاريخية" للرياضة الجزائرية، مادام المنتخب الوطني لهذا الاختصاص يضم أيضا ياسين حتحات، الذي كان قد شارك في دورة أوريغون، إلا أنه أقصي قبل نصف النهائي، فضلا عن محمد علي غواند ورمزي عبد النوز، وهو الثنائي الذي كان قد حقق الحد الأدنى المطلوب للمشاركة في بطولة العالم، إلا أن لوائح الاتحاد الدولي تحصر مشاركة كل منتخب في الاختصاص الواحد بثلاثة عدائين على أقصى تقدير، واختيار الاتحاد الجزائري وقع على حتحات إلى جانب مولة وسجاتي. من هذا المنطلق، فإن فضية سجاتي في أوريغون تكفي لرفع عارضة الطموحات عاليا في قادم الاستحقاقات، لأن نائب بطل العالم قدم أوراق اعتماده كواحد من أكبر المرشحين للتربع على العرش في المستقبل القريب، مادام الكيني كورير على أبواب الاعتزال بحكم عامل السن، والفرصة مواتية أمام سجاتي، وحتى زميله سليمان مولى لإعادة الهيبة للرياضة الجزائرية من بوابة اختصاص 800 متر، والمحطة الأولى ستكون الطبعة 19 لبطولة العالم المقررة بالعاصمة المجرية بودابيست خلال الفترة الممتدة ما بين 19 و27 أوت 2023، ثم سيكون بعدها الموعد مع دورة الألعاب الأولمبية بباريس في صائفة 2024، وصولا إلى الدورة 20 لبطولة العالم المبرمجة بالعاصمة اليابانية طوكيو سنة 2025، وهي استحقاقات ستجرى في ظرف 3 سنوات، وقد تشهد تألقا جزائريا "مميزا" إذا ما تم الاستثمار في المادة الخام المتوفرة.