آباء يجوّعون أبناءهم انتقاما من طليقاتهن أكد عدد من المحامين المختصين في قضايا الأحوال الشخصية تزايد امتناع الأزواج عن دفع نفقة الأبناء سواء في حال الإهمال العائلي أو بعد الطلاق، و تضاعف عدد القضايا المحالة على القسم الجزائي لعدم التزام الكثيرين بدفعها، و هو ما ساهم في تفاقم المشاكل بين عائلات الأزواج المنفصلين و تأزم العلاقات و اشتداد العداوة بين الآباء و الأبناء. النصر زارت محكمة الزيادية بقسنطينة و نقلت شهادات مطلقات تائهات بين أروقة العدالة بحثا عن حق أبناء يتهددهم الجوع و الضياع. و لو تحدثت أروقة المحاكم لباحت بأسرار مؤلمة عن أباء تجرّدوا من مسؤولياتهم تجاه فلذات أكبادهم و حرموهم من حق النفقة إما بدافع الانتقام من الزوجة في حال الإهمال العائلي أو الطليقة في حال انفصال الزوجين، حيث يختار البعض قطع علاقتهم بالماضي و بداية حياة جديدة على حساب أبناء يتكبدون نتائج خلافات لا نهاية لها يدفعون هم ثمنها إما بمواجهة العوز أو برؤية الأب يهدّد بالسجن لأن والدتهم لم تجد حلا آخر لإعالتهم سوى اللجوء إلى العدالة للحفاظ على حقهم من مال والدهم. و بمدخل محكمة الزيادية وقفت سيدة في مقتبل العمر بدا عليها التعب و كأنها وصلت للتو من سفر بعيد، تسأل عون الأمن عن إجراءات رفع دعوى ضد زوج لم يلتزم بتسديد مستحقات نفقته و نفقة أولاده أكثر من 5أشهر رغم صدور حكم نهائي في حقه بمحكمة الأحوال الشخصية. و تتبعنا خطواتها إلى مكتب التوجيه الذي نصحها العون بقصده للحصول على معلومات أكثر دقة لنستفسر عن سر عدم دفع زوجها للنفقة فقالت بصوت خافت فهمنا فحواه بصعوبة بأنها مشت أكثر من ساعة من محكمة الأحوال الشخصية بوسط المدينة إلى غاية محكمة الجنح بالزيادية لأنها لا تملك حق تذكرة حافلة. و فهمنا سبب علامات التعب التي بدت على وجهها الكئيب، و عرفنا بأن ظروفها القاهرة هي من أجبرتها على اللجوء إلى القسم الجزائي بأمل إيجاد من ينصفها و ينصف أولادها، و هنا زاد فضولنا لمعرفة المزيد عن قصتها، فأخبرتنا بأن زوجها هجر بيته منذ أكثر من سنة و توّقف عن إعالة أسرته المتكوّنة من ثلاثة أبناء دون سابق إنذار، لم يلتزم بحكم المحكمة القاضي بدفع نفقة بقيمة 12000دج شهريا رغم تبليغه من قبل الجهات المختصة، و أضافت و قد عجزت عن إيقاف دموعها التي انهمرت على وجنتيها الشاحبتين، بأنها اضطرت لاقتراض 25دج لشراء كيس حليب لأطفالها ذلك الصباح، و غادرت البيت تحت ضغط اليأس و نية الانتقام ممن كان سببا في بؤسها و حرمان أبنائها من العيش الكريم بسبب نزوات طائشة لزوج مستهتر كما قالت. و أسرت لنا بأن شقيقتها الوحيدة لم تعد قادرة على مساعدتها لأن مشكلتها طالت، و راتب زوجها بالكاد يكفي عدد أفراد عائلتها الكبيرة. و استرسلت /أم رقية/ مؤكدة بأنه لم يبقى أمامها حلا آخر سوى إرغام زوجها على دفع نفقة العائلة حتى لو كان ذلك بمعاقبته بالسجن. و بينما كنا نحاول التخفيف عن أم رقية أثارت ردود فعل سيدة غادرت للتو قاعة الجلسات و هي تردّد بنبرة غاضبة «عام حبس قليل فيه». و عرفنا بعد تقرّبنا منها بأن الأمر يتعلّق بطليقها الذي لم يدفع نفقة ابنهما أكثر من سنتين أصدرت المحكمة في حقه سنة سجن غير نافذ و غرامة مالية أمره القاضي بدفعها في أجل أقصاه شهرين. و كانت /فايزة/ أكثر ثقة و شراسة من أم رقية و أقسمت مهددّة: «و الله يخلّصها غالية هذه المرة» مؤكدة بأنها لن تتسامح على حق طفلها، متهمة طليقها بالبخل على ابنه الحقيقي ، في الوقت الذي ينعم ربيبه من زوجته الثانية بأمواله. و سردت «فايزة» البالغة من العمر 39سنة، كيف أن والدها المتقاعد لم يعد قادرا على تلبية حاجياتها و حاجيات ابنها المتزايدة، معترفة بأنها حاولت بكل الطرق الودية لاستمالة و استعطاف قلب طليقها من أجل الحفاظ على حقوق طفلها المصاب بمرض مزمن لجأت بسببه إلى الجمعيات الخيرة لأجل توفير الدواء و مصاريف العلاج له، في حين يمرح والده مع زوجته الثانية و ربيبه و يبعثر أموال وكالته المهمة عليهما. و أخبرنا المحامون أن المحكمة تعالج أسبوعيا عشرات القضايا الخاصة بتهرّب الأزواج من دفع النفقة و نصحونا بالعودة يوم الثلاثاء لأنها أكثر الأيام تسجيلا لمثل هذه القضايا، فعملنا بالنصيحة و كنا في الموعد، أين التقينا بسيدة في عقدها الثالث، قالت أن طليقها التزم بدفع النفقة التي لم تتجاوز عتبة ال5000دج لمدة 6أشهر فقط، و هي الفترة التي أكدت بأنه لم يتأخر فيها عن إيجاد زوجة جديدة، و بمجرّد ارتباطه توّقف عن السؤال عن صغاره، كما توّقف عن إرسال نفقتهما التي كانت تتلقاها بانتظام عن طريق البريد. و قالت سناء أنه أجبرها على رفع دعوى ضده بعدم أخذه لتحذيرها له مأخذ جد. و أضافت قائلة أن ما تتقاضاه من مهنتها في إطار عقود ما قبل التشغيل لا يكفي لسد متطلبات طفليها. و استغربت من تهاون و عدم مسؤولية الآباء تجاه أولادهم و قالت:» 5000دج لا تكفي حتى لضمان الخبز و الحليب، فما بالك شراء الهندام، و دفع تكاليف الدروس الخصوصية التي باتت شيئا ضروريا بل و إلزاميا...» تصمت و تضيف « لا بد من رفع مدة العقوبة في حق المتملصين من مسؤولياتهم الأسرية، معتبرة فترة العقوبة التي لا تتجاوز العام الواحد بغير الكافية لحل مشكلة التهرّب من دفع النفقة». و تشابهت قصص النساء اللائي تحدثنا إليهن بمحكمة الزيادية و تقاربت أسباب امتناع مطلقهن عن دفع نفقات أبنائهم في رأيهن، حيث أجمعن على أن الدافع الرئيسي هو الانتقام منهن. كما أكدت أغلبهن بأنهن استفدن من أحكام لم تجد طريقه للتنفيذ، إما لأن الطليق انتقل إلى مكان مجهول قصد التهرّب من ملاحقة الطليقة أو لعدم توفرّهن على تكاليف المحامين لمتابعة قضيتهم بالقسم الجزائي. مريم/ب