لا أفكر في الإعتزال و إشاعة رفضي زيارة الأراضي المقدسة لازالت تلاحقني ترددت الممثلة الكبيرة فتيحة بربار أول مرة لإجراء هذا الحوار معنا، معتذرة بطريقة ذكية بحجة حضورها فعاليات المهرجان الوطني للمسرح الجامعي، غير أنها وافقت أخيرا على الإجابة على أسئلتنا في حوار أبدت في نهايته إرتياحا كبيرا بابتسامة متواضعة تعكس سنوات تجربتها الفنية، حيث حدثتنا في هذه الدردشة عن حلمها بتجسيد دور ثوري كبير بمناسبة الذكرى الخمسين للإستقلال و عن إصرارها على مواصلة التمثيل لآخر يوم في حياتها. لنبدأ من الركح و التجربة المتميزة لفنانة لم تكن محظوظة في حبها للمسرح ، ماذا يشكل لك هذا الماضي بعد كل هذا العمر؟ الواقع أن ظروف تلك الفترة بالنظر إلى مفاهيم المجتمع و تقاليده، أدت إلى تأزيم الوضع بالنسبة لتقبل الناس للممارسة الأنثوية في المسرح، خاصة أن موضوع الثورة و الوطن كان في واجهة الأحداث في تلك الحقبة، غير أن رغبتي في تحدي الذهنيات الرافضة دون حجة لدخول المرأة عالم الفن، جعلتني أكثر صلابة من خلال تمسكي بالهواية التي لا تعني بالضرورة الممارسة الإحترافية، و لحسن الحظ نجحت في رسم معالم المستقبل الذي إخترته. هل حققت ما كنت تطمحين إليه، و ماهي الحواجز التي منعتك من الوصول لبعض أهدافك؟ الفنان غير الطموح لن يستمر فنيا أكثر من حجم حلمه الأول، و لهذا عليه أن يبحث دوما عن تجارب جديدة في شخصيات مختلفة و متناقضة مع مخرجين برؤى متنوعة و طرح متجدد لأن التنوع هو الذي يصنع الفنان. من جهتي كنت دوما أبحث عن الأدوار التي تتطلب جهدا كبيرا لأنها تشعرني بذاتي الفنية خاصة في العمل المسرحي الذي يستدعي المواجهة المباشرة مع جمهور يبقى وحده صاحب الفضل في صنع أو قتل أي فنان مهما كان وزنه. تجاربك التلفزيونية الأولى وضعتك في صورة المرأة البورجوازية المتكبرة و المتسلطة، ألا تخشين تكرار نفسك في نفس الأدوار؟ الفنان في خدمة العمل و ليس العكس، و هذه الأدوار المتشابهة و المتقاربة نوعا ما في الآداء أو الشخصية تعتبر نجاحا بالنسبة لي، فالأعمال التلفزيونية التي أظهرتني بصورة مكررة غير مسؤولة عن إختياراتي التي أضافت لتجربتي الكثير، كما أن عمر مسيرتي الفنية يمكنني من التحول تلقائيا من صورة لعكسها ببساطة تقنع المتفرج بقدرتي على تقمص كل الأدوار. هل نستطيع القول أن المسلسلات الجزائرية الحالية في مستوى طموح الجمهور الجزائري؟ و ما مدى جاهزية الجيل الجديد لأخذ المشعل منكم؟ تجربة المسلسلات الجزائرية قصيرة جدا و لا يمكن الحكم عليها لأن العملية على المستوى الفني تتطلب الكثير من شروط العمل الدرامي، خاصة النصوص الجيدة التي تحمل أفكارا جديدة تتماشى مع ذهنية المتلقي و التي تتميز بمستوى فني عالي، لتحقيق نسبة متابعة مقبولة تعطينا تصور عن نموذج المسلسلات التي يريدها المشاهد الجزائري الذي ابتعد عن واقعه و غرق في دائرة المسلسلات المدبلجة و المترجمة. تستعد الجزائر للاحتفال بخمسينية الإستقلال، ماهي مشاريعك للمشاركة في هذا الحدث؟ كل الفنانين الجزائريين يريدون المشاركة في هذه المناسبة المهمة كمنتجين، مخرجين أو ممثلين، و الجميع يترقب الإفراج عن المشاريع الفنية لهذه الخمسينية. شخصيا مازلت لم أعط الموافقة النهائية على أي عمل، لأن المشاريع الموجودة حاليا لا ترقى من وجهة نظري لمستوى الحدث، بسبب التكرار المفرط في تناول موضوع الثورة من زاوية واحدة، و أنصح مختلف المخرجين خاصة السينمائيين بالبحث عن الجوانب التي لا تزال غامضة لأنها هي التي تشكل تاريخنا الحقيقي، و أسعى حاليا للظهور في عمل ثوري كبير تجري التحضيرات لبدأ تصويره بمناطق مختلفة من الوطن. ماذا عن إشاعة رفضك زيارة الأراضي المقدسة و إشاعة عدم إيمانك بالحجاب؟ و الله كنت أتمنى أن لا أسأل هذا السؤال مرة أخرى، لأن هذه الإشاعة أثرت كثيرا على سمعتي الشخصية التي عملت عليها منذ بدايتي الأولى، ولهذا كان يجب أن أصمت و أنسحب من الساحة الفنية بسبب الأسئلة الجارحة و البعيدة كل البعد عن الحقيقة، و التي عانيت منها كثيرا على المستويين الشخصي و العائلي وسامح الله الذي كان وراء هذا التجريح. ألم تفكري بسبب هذه الاشاعة في الإعتزال الفني؟ ما دمت على قيد الحياة لا يمكنني أن أرفض دورا مسرحيا أو سنيمائيا و لن أفكر أبدا في الإعتزال، لأن ما عانيته في البدايات أكبر بكثير من هذا، و رغم ذلك و لم أتراجع عن رغبتي الأولى التي سأواصل نضالي لأجلها و أنا دوما جاهزة لكل الأدوار. كلمتك الاخيرة ؟ أشكر كل الجزائريين الذين يحيطوني برعاية كريمة أينما أذهب، وهذا هو أكبر رصيد يمكن لأي فنان كسبه وتحية خاصة لقراء جريدتكم.