حرب مواقع بين المستثمر عكاشة و19 تاجرا حول حديقة جبل الوحش أثار مشروع إعادة فتح حديقة جبل الوحش بقسنطينة الكثير من الجدل وتنبأ الكثيرون بفشله وتحدث البعض عن صفقة على المقاس ومستثمر غير مؤهل ،فيما يعد المستغل الجديد بجنة وتماسيح تسبح في ماء جبل الوحش بينما تظل الغابة تحت سيطرة عصابات السرقة وتتحول بحيرات إلى محطات لغسل السيارات . تحقيق: نرجس كرميش تصوير: الشريف قليب تنعت برئة قسنطينة لكن هواءها أصبح حكرا على عصابات السطو وعشاق يغامرون بأرواحهم هروبا من الفضوليين و حتى متعاطي المخدرات والكحول الذين لا تهمهم سوى اللحظة.. جبل الوحش محمية طبيعية بلا حماية.. و حضيرة في حالة إحتضار.. هو فضاء ظل مهملا لسنوات طويلة وصنع الحدث ببطولات «الشنفرة « وقطاع الطرق، ربما الوحش لم يعد له وجود لكن الغابة تظل موحشة. أما ما يسمى بحديقة التسلية فلا تعدو اليوم كونها مجرد أطلال تخضع لعملية جراحية توصف بالمتهورة بعد سنوات من النهب واللامبالاة، المرفق سلم مؤخرا لمستثمر يقول أنه سيجعله جنة تفتتح يوم 5 جويلية، وفي انتظار دخولنا تلك الجنة يبقى الأطفال وحتى الكبار محرومون من متعة التنزه داخل المدينة ويبحثون عنها في مدن أخرى وقد يكتفون بالاحتماء داخل المنازل وهواء المكيفات. الأبقار تسكن المكان في إنتظار وصول التماسيح ونحن نتجه نحو مرتفعات قسنطينة شرقا في يوم شديد الحرارة أحسسنا بنسمات منعشة وبدا الهواء أكثر نقاء.. لكن التوغل أكثر أدخلنا في منطقة كلها غبار وأتربة ولولا الواجهة التي تدل على المكان لما عرفنا أننا بلغنا حديقة التسلية لجبل الوحش.. تلك الحديقة المسكينة التي تشكل جزء هاما من ذكريات الطفولة لأجيال وأصبحت بمثابة الحلم لأخرى تتوق لدخولها لما روي من حكايات عن لحظات مسروقة يجزم كثيرون أنها لن تتكرر.. دخلنا الحديقة من الباب الرئيسي أين كان يتم وضع البلاط وإنجاز نافورات في المدخل مع تهيئة المحلات المتواجدة به.. ولم نتمكن من التوغل أكثر بسبب الأشغال التي تجري في نفس الوقت مع عملية تركيب الألعاب، مما يؤكد الطابع الإستعجالي للأشغال وقد ينجر عن ذلك من تبعات.. كررنا المحاولة في المدخل العلوي أين وجدنا آليات ضخمة بصدد إزالة بقايا بناءات بينما كانت الأبقار تلهو بكل سعادة في كل أرجاء الحديقة وبعضها اختبأ داخل مطاعم مهجورة للنوم.. دخول هذه الحيوانات المكان له سبب وجيه وهو كثرة الحشائش والأشجار المتساقطة على الأرض وبقايا الأكل والمزابل المنتشرة في كل مكان، المشهد من أعلى جعلنا نقف على خراب، بنايات مهدمة و بقايا ألعاب قيل عنها الكثير صنعت الحدث لعشريتين متتاليتين و أماكن مسيجة كانت تأوي حيوانات منها ما لقي حتفه عطشا وجوعا فيما حول الباقي إلى حدائق أخرى، فضلات بشرية وحيوانية وقارورات خمر فارغة والكثير من الأكياس البلاستيكية ،هذا هو حال الحديقة الوحيدة بعاصمة الشرق التي تنفرد بكونها الحديقة «الحدث» . لم نجد أحدا يمنعنا من الدخول أو يوجهنا حيث كان العمال منصرفون في عملهم ولم يكترثوا لوجودنا.. قبل أن نلتقي بأصحاب محلات تجارية دلونا على المستثمر الذي تحصل على صفقة الاستغلال. الولاية تصرف 34 مليار لتهيئة الحديقة.. وصفقة الكراء ب1.6 مليار المستغل عكاشة عبد العزيز رفض في البداية الحديث إلينا ودخل في ملاسنة مع أحد التجار قبل أن يخرج من صندوق سيارته دفتر الشروط وخريطة الحضيرة.. ردوده على أسئلتنا كانت مختصرة ولا تحمل أي معلومة مفصلة بدا محتفظا جدا لكنه بعد دقائق أظهر مرونة أكبر، وراح يفتخر بأنه سينجح حيث فشل آخرون. قال لنا أنه شرع في تركيب الألعاب وأطلعنا على عينات منها مشيرا بأن الأجهزة مستوردة من الصين ومن وإيطاليا وأن بعضها لم يسبق له وجود بالجزائر، وقد بدا متناقضا في هذه النقطة عندما أكد في البداية أنه سيتم تزويد المرفق ب13 لعبة قبل أن يقول أن عدد الألعاب سيصل العشرين، كما أنه تحفظ في إعطائنا تفاصيل عن قيمة صفقة الألعاب وبعد إلحاح قال أنه صرف ما لا يقل عن 14 مليار سنتيم. المستثمر صرح أنه سيغير معالم الحديقة تماما حيث سينجز قاعة حفلات و مسرح هواء طلق وأيضا مسبحا وقاعة محاضرات ، وقال أن المكان سيكون جاهزا للاستغلال يوم 5 جويلية رغم أن ما وقفنا عليه من أشغال يحيل إلى العكس، أما المقاول المكلف بالإنجاز فأشار أن عشرين يوما كافية لإتمام الجهة السفلى والأشغال ستتواصل بعد فتح الحديقة، وقد يكون المقاول قد تحفظ لأن السلطات إلتزمت بتاريخ رمزي لفتح الحديقة وهو عيد الإستقلال لكن من المؤكد أن الفتح سيكون غير مكتمل. الحيوانات لن تعود إلى جبل الوحش حاليا كون المستثمر لم يلغ مرحلة التعاقد بشأنها وقام باتصالات فقط مع شريك إفريقي قال أنه سيزود الحديقة بالتماسيح ومختلف الأنواع من الحيوانات وبدا واثقا من نجاح تجربته بالقول عندما أتسلم الحديقة و أجهزها سيجد القسنطينيون مكانا للراحة و الاستمتاع «سيكون فضاء عائليا آمنا يتوفر على كل الشروط» معتبرا ما أسماه بالأحكام الجاهزة مجرد كلام لن يحبط من عزيمته. وقد استغرب التجار تكفل السلطات بأشغال التهيئة التي علمنا أنها تكلف 27 مليار سنتيم تضاف إليها سبعة ملايير تخص صفقة الإنارة و اعتبروا مبلغ 1.6 مليار سنتيم الذي منحت به للمستثمر غير منطقي خاصة وأن التحسينات تكفلت بها الولاية، حيث قال أحدهم كنت أتوقع أن تراجع السلطات السعر بعد انتهاء الأشغال لقد سلمت له الحديقة على طبق من ذهب كونه سيحصل مبلغ الاستغلال من عملية كراء المحلات فقط. و في المقابل، كما يضيف من تحدثنا إليهم، فإن المعني اقتنى ألعابا ذات نوعية رديئة وقد تتوقف بعد أسابيع من تشغيلها ليتكرر سيناريو من سبقوه.. المستغل من جهته قال أن العقد أبرم في مارس 2012 والأشغال بدأت قبل ذلك بأشهر وأن مدة التعاقد 11 سنة قابلة للتجديد وبسعر غير قابل للمراجعة وفق ما ينص عليه دفتر الشروط مؤكدا بأنه دخل المغامرة حبا في قسنطينة مستغربا انتقاده كونه حاول إنقاذ حديقة حصل عزوف كبير من المستثمرين عليها، المتحدث قال وإن لم يكن مختصا فقد استعان بطاقم من المختصين لإنجاح التجربة. 19 تاجرا يرفضون الخروج من المرفق ويتحدثون عن ألعاب طايوان ويتوقع أن يؤثر مشكل المحلات المتواجدة داخل الحضيرة على سيرها وربما فتحها كون التجار 19 مصرين على حقهم في مزاولة النشاط ويعتبرون قرارات نزع الاستفادة التي صدرت عن مديرية أملاك الدولة غير قانونية كونهم استفادوا من قطع أرضية بنوا عليها محلاتهم الخاصة وذلك ضمن الإستثمار الخاص ولم تكن مجرد عملية كراء عادية. وتحدث المعنيون عن كونهم تعرضوا للتعسف لأن أملاك الدولة برأيهم لم تطالب منذ منحهم الأراضي بمستحقات استغلال الأراضي لكنها في نهاية المطاف اتهمتهم بالعزوف عن الدفع، ولم ينف المعنيون قيامهم بتجاوزات قالوا أنها لم تتعد حد التوسع متهمين الجهات المعنية بالتأمر لصالح المستثمر الذي يرون أنه تحصل على امتيازات غير مسبوقة على حساب عائلات تعيش على نشاط تجاري داخل الحديقة وتضررت من الغلق المتكرر للحديقة منذ شروعها في النشاط سنة 1987 معتبرين فكرة تعويضهم ضربا من الخيال وأمرا مرفوضا، وقد بدا من حديث المستفيد من صفقة الامتياز أنه يرفض تماما وجود التجار وقال أثناء حديثه مع أحدهم أنهم إن دخلوا الحديقة سيخرج هو منها. للإشارة فإن الحديقة الممتدة على 14 هكتارا كانت قبل 97 مسيرة من طرف شركة عمومية تمسى «إيجيلكو» توبع إطاراتها في قضية ألعاب مغشوشة قبل أن تفتح للخوصصة في ثلاث تجارب متتالية إنتهت بفسخ العقود ومقاضاة المستغلين ليكون عكاشة آخر حلقة في صفقات الكراء يتوقع لها الفشل بينما يرى المستفيد أنه سيحدث الإستثناء. محمية طبيعية عرضة للإهمال ولا يختلف حال الحضيرة عن المحمية الطبيعية حتى وإن وجد من لا يزالون يقصدون المكان.. بقعة في غاية الجمال، تنوع طبيعي زادته البحيرات رونقا وسحرا لكن الأيادي العابثة والإهمال فوت على سكان قسنطينة فرصة الاستمتاع بطبيعة لا تحتاج إلى أكثر من قرارات بسيطة تكسر الجمود وتعطي المكان حقه، فلا يعقل أن يقتصر التمتع بالطبيعة على المخمورين طوال أيام الأسبوع ويمنع باقي السكان من دخول المكان خارج يومي الجمعة والسبت، هذا ما علمناه من عمي رشيد بركان صاحب المطعم الوحيد بالغابة، الذي أكد لنا بأنه عايش أحلك فترات جبل الوحش وأنه بلغ به الأمر حد الاكتفاء بالبط أنيسا له في وحدة فرضتها الظروف الأمنية في العشرية السوداء و امتدت إلى اليوم تحت تأثير قانون الملثمين والعصابات التي زرعت الرعب في النفوس وعزلت المحمية. المتحدث قال أن الأمن هو الهاجس الأول وأن الخوف لا يزال يخيم والسرقات تحصل في وضح النهار كان آخر ضحاياها عائلة من خميس مليانة جاءت للمدينة لحضور حفل زفاف دفعها الفضول إلى جبل الوحش لتجرد من الأموال والحلي وفي نفسها شيء وحوش الجبل. النظافة منعدمة بمختلف أرجاء المحمية التي قال محدثنا أنه لولا تطوع بعض الجمعيات لغرقت في القاذورات زيادة على أنها مجرد غابة لا يوجد بها أي مكان للجلوس، عدا كراسي المطعم الوحيد، ولا حتى مظلات للاحتماء ولا أماكن لرمي الأوساخ ولا فضاءات للعب الأطفال بعد أن تآكلت مع الزمن أرجوحات قديمة من الحديد لم تفكر الجهات المعنية حتى في تجديدها لا توجد فواصل بين النسيج الغابي تسهل عملية التنزه كما لا نج لوحات إرشادية حول أماكن التوقف ولا مواقيتها، وقال لنا من وجدناهم بالمكان أن التوقف فوضوي بل وتعدى الفوضى التوقف لتطال البحيرات التي تعد كنزا طبيعيا تستغل في غسل السيارات وبقايا الشحوم والزيوت ترمى بها دون وعي في انتهاك صارخ للطبيعة قال عمي رشيد أنه لم يتوقف عند هذا الحد بل بلغ حد ذبح البط وسرقة بيضه وصيد عشوائي لا منطق له. البحيرات مهددة بالجفاف قصدنا المكان أول أمس وقد بدا خاليا تماما من الزوار عدا بعض الشباب والأزواج و امرأتان قال لنا التجار أنهما من الزبائن الأوفياء، فيما تفرق باقي الزوار في أماكن معزولة تحجبهم عن الأعين لأسباب من السهل التكهن بها، ولم يخف بعض من تحدثنا إليهم كون الغابة ليست بمكان عائلي في أيام الأسبوع العادية بسبب مشكل الأمن الذي أشاورا أنه لا يزال قائما وفسروا صعوبة القبض على العصابات بأن أفرادها لديهم المعلومات الكاملة عن تحركات دوريات الدرك بحيث يرتكبون جرائمهم ويهربون بسهولة كونهم يستعينون بأشخاص يرصدون لهم تحركات الأمن، ولم يتوقف مشكل السطو على الزوار بل تعداه إلى ما تبقى من الأعمدة الكهربائية وأجهزة تابعة للمطعم. الغريب أن الإنارة العمومية منعدمة بجبل الوحش منذ سنوات ولم يتم التفكير في تجديدها كما أن البحيرات حسب مرتادي المكان بدأت تجف بسبب تسربات تحدث على جوانبها ما جعله الروائح الكريهة تنبعث منها.