باستثناء الخنازير تفقد الجزائر من سنة إلى أخرى كل الحيوانات البرية والنادرة وحتى الطيور وهذا بفعل فاعل حتى صارت الجزائر من أفقر دول العالم في الحيوانات.. * * فتزعزعت البيئة فيها وفقدت أحد أهم ركائز السياحة التي تجلب لكينيا ولأستراليا وللهند ملايير الدولارات، والجزائر مهددة فعلا بمزيد من الفناء الحيواني في غياب كامل لمنظمات تدافع عن هاته الحيوانات، ويبقى الخنزير الوحيد الذي يتكاثر ويكاد يتواجد في كل مناطق الوطن من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب. وكانت الجزائر إلى زمن قريب بها الأسود والفهود والتماسيح ولم يبق فيها حاليا سوى الذئاب والثعالب والقردة والخنازير. * وإذا كانت السيرة الذاتية للأمير عبد القادر تؤكد تواجد الأسود في عهده في مناطق الغرب إلى غاية بداية القرن الماضي، فإن آخر تمساح تم القضاء عليه عام 1936 في منطقة اهرير بالتاسيلي حيث قتله أحد أعضاء اللفيف الأجنبي لأنه أكل معزته، وعاش التمساح في نهر صغير مازال موجودا لحد الآن بالتاسيلي الذي زارها العام الماضي 7 آلاف سائح أجنبي والتي توجد بها بعض أنواع الفهود لحد الآن، وأيضا البقر (يسنم) الذي لم ينقرض لحد الآن، وهو البقر الموجودة رسوماته على جداريات التاسيلي، ويسمي سكان تمنراست لحد الآن التمساح باسم (غوهاف) وهو دليل على دخول هذا الحيوان الذاكرة الشعبية رغم انقراضه. * أما أكبر المآسي فهو ما حدث للأيل البربري بمنطقة القالة، حيث هاجر البلاد وانقرض نهائيا في السنوات العشر الأخيرة، وكانت مختلف جمعيات البيئية قد راسلت الحكومات منذ الثمانينيات من القرن الماضي لإنقاذ هذا الحيوان الموجود حاليا بكثرة في الجهة الغربية من تونس، ولكن بقي تحركها من دون صدى حتى فقدت الجزائر نهائيا آخر أيل بربري، كما أكد ذلك الأستاذ عامر بشير، رئيس جمعية حماية البيئة بولاية الطارف، الذي أخطرنا بكيفية تحويل »الأيل البربري« خارج الوطن باصطياده برصاصات مخدرة ليجد نفسه خارج الحدود ولم يظهر له أثر منذ العام 2004... وكان الأيل البربري قد تكاثر بشكل رهيب في السنوات الأخيرة للثورة عندما أنشأت فرنسا الاستعمارية خط موريس وقامت بتسييج آلاف الهكتارات لمنع تحرك المجاهدين وتهريب السلاح من تونس فتكاثر الأيل البربري إلى درجة أنه صار يرعى مع الأبقار، وكثيرا ما يزور سكان القالة أمام منازلهم. وفي غياب الوعي صار البعض يستهلك لحومه الشهية ويستغل جلده في صناعة أرقى السترات الجلية وبيع قرونه للأجانب ثم بدأ رواج بيع الرأس الواحد للأشقاء التوانسة بمبلغ يقارب 300 دينار، أي حوالي مليوني سنتيم. وتشكلت في القالة عصابات صيد لم نسمع أبدا عن متابعتها إلى أن انقرض هذا الحيوان نهائيا من الجزائر. * وفي منطقة بجاية وخراطة، تعرف القردة حالة لااستقرار منذ مباشرة بعض الإنجازات القاعدية مثل الجسور والأنفاق والطرقات وتنقل منذ سنتين العشرات من القرة نحو جيجل، كما أن حرائق الغابات جعلت هذا الحيوان في حالة متقدمة من الإنقراض، رغم أنه كان موجودا في ولايات سطيفوبجايةوجيجل والبرج والبويرة وتيزي وزو والمدية والبلدية وتيبازة... وما يزيد في تعقيد الحالة، أن الجزائر هي أيضا من الدول التي تفتقر لمحميات الحيوانات وشبه انعدام لحدائق الحيوانات في المدن الكبرى مثل قسنطينةوعنابة، مما أفقدنا الثقافة حب الطبيعة... والجزائر التي اكتنزت بحيوان الضربان أيضا في سهولها يكاد ينقرض الآن نهائيا وحتى كلب الماء الذي يعيش في البحيرات لم نعد نراه إطلاقا ويحدث هذا بسبب الصيد العشوائي وجمع البيض غير القانوني وخاصة الاستعمال المفرط للمبيدات الحشرية في الحقول الفلاحية، إذ لقي طير «لعقاب» حتفه وهو يلتهم الحشرات المسمومة، في الوقت الذي لجأت الدول الأوربية وأمريكا واليابان إلى محاربة هذه الحشرات حربا بيولوجية وصارت تصدر مبيدات الحشرات لفلاحي الدول المتخلفة ومنها الجزائر وكانت النتيجة انقراض عدد من الطيور وأيضا الحيوانات مثل الضبع المزركش الموجود في منطقة عنابة والحجل والسمان و«المقنين» الذي صار يهرب عبر تونس ليباع في ألمانيا التي امتلكت الآن حظيرة كاملة للمقنين الجزائري الذي مازال يغرد تغريدا جزائريا ولكن في سماء ألمانيا. وقد أنعشت الطبيعة هذا العام والتساقط القياسي للأمطار نمو الحيوانات التي تمتعت بالبساط الأخضر والأدغال على أمل أن لا تقض الحرائق على هذا الأمل. * * الأوراس من عاصمة الحيوانات... إلى صحراء الخنازير * «القوندي» للأوربيين و«الشاردونيه» للخليجيين والحرباء للشعوذة والسحر * * استفحلت خلال الأشهر الثمانية الأخيرة وعبر ولاية خنشلة وبشكل غير مسبوق، ظاهرة استغلال شبكات وعصابات إجرامية تنشط على الصعيد الوطني للظروف الطبيعية المميزة لمنطقة الأوراس، من موقع جغرافي هام (جبلي، سهبي، صحراوي) ومناخ متنوع (حار وبارد) من جهة، واحتوائها على ثروات طبيعية وحيوانية نادرة جعلها تصنف ضمن المناطق السياحية العالمية، استغلالها لتهريب أنواع متعددة من الحيوانات بمختلف أشكالها جعلتها تعرف انقراضا شبه كلي من المنطقة من بينها طائر الشاردونيه الذي يهرب نحو دول الخليج العربي وحيوان القوندي الذي يشبه القنفذ الذي وجد شغفا لدى الأوربيين بعد إثبات التحاليل نجاعته في علاج فيروس الكبد، إلى جانب الحرباء التي تهرب باتجاه الدول الصحراوية عبر الولايات الحدودية بغرض الشعوذة والسحر، بالإضافة إلى الغزال الذي عمل المهربون على نقله بطرق غير قانونية باتجاه الأراضي التونسية لاستهلاك لحومه... كل هذا يحدث أمام أعين الجميع دون أن تتحرك أي جهة لصد هذا المساس بالاقتصاد والثروة الوطنية. * وبحسب المتابعين لملف قضية الاستنزاف، فإن جبال قريتي تبردقة وجلال بدائرة ششار، جنوب الولاية، تشهد توافدا كبيرا لعصابات منحدرة من مختلف ربوع الوطن بغرض رحلة البحث والتفتيش عما يعرف بحيوان »القوندي« أرنب الصحراء، وهو حيوان بري يمتاز بقوة السرعة ويتخذ من المناطق الجبلية وصخورها مكانا للعيش... غير أن حجمه يتساوى مع حجم الجرذان، إذ يسعى الجميع إلى محاولة اصطياد أكبر عدد منه لغرض التهريب والتصدير وبطرق ملتوية نحو الدول الأوروبية أو بيعه لصالح شبكات وعصابات منظمة تنتشر على مستوى الوطن وذلك بغرض استغلالها بعد إثبات الدراسات الأجنبية والتحاليل الطبية نجاعته في علاج فيروس التهاب الكبد أين يشرف هؤلاء على تصديره نحو الدول الأوربية بعد ذبحه وتجميده انطلاقا من الحدود الجزائرية وبطرق خارجة عن النطاق القانوني، مما ساهم بشكل كبير في انقراض هذا الحيوان... في الوقت الذي تسجل فيه الجزائر معدل ثلاث إلى أربع حالات وفيات يوميا وأسبابها الإصابة بداء التهاب الكبد دون الحديث عن احتواء الولاية، خنشلة، المرتبة الأولى وطنيا من حيث عدد الإصابات. * ونفس المصير لحق بطائر الشاردونيه التي تتواصل لحد كتابة هاته الأسطر حملات صيده وقنصه عبر مناطق شاسعة من جبال وتلال وسهول منطقة بوحمامة وشليا، غرب الولاية خنشلة، وعلى قدم وساق في حق فصيلة هذا الطائر المغرد الشاردونيه والمعروف بقيمته التجارية المرتفعة مقارنة بالفصائل الأخرى، حيث تشهد المنطقة توافدا للعشرات من الشباب المستغَلِّين من طرف عصابات وشبكات إجرامية مختصة في التهريب بدافع اصطياد الطائر النادر وبطرق تقليدية، ليعاد بيعه بأثمان باهظة في عواصم الدول الكبرى وحتى الدول الخليجية وبشتى الطرق، أمام تفضيل أمرائها أكل واستهلاك لحم هذا الطائر لاعتبارات عدة منها المتعلقة بالجانب الجنسي، وقد فاقت قيمة الطائر الواحد 5000 دج في أغلب الأحيان وبالمناطق الصحراوية الجنوبيةبخنشلة واتخذت شبكات وعصابات التهريب موقعا هاما لاستغلال أهمية استعمال لحم والأطراف الجسدية لاسيما جلد الحيوان الزاحف الحرباء أين تسعى مختلف الأطراف إلى اصطياده وتهريبه نحو الدول الصحراوية لاستعماله في طقوس السحر والشعوذة وما شابه ذلك، مما جعلها تعرف انقراضا تاما على مستوى المناطق الجنوبيةبخنشلة. وفي ذات الصدد تعرف بعض الأعشاب الطبيعية التي أثبتت بخصوصها التحاليل الطبية والكشوفات الحديثة مدى نجاعتها في علاج بعض الأوبئة والأمراض، تهريبا وبشكل غير عادي إلى مختلف دول العالم العربي ومنها العشبة الشعبية «كسارة لحجر» والتي تستعمل لعلاج داء الكلى، والشيح الذي يعالج الآلام مهما كان نوعها... كل هذه الممارسات جعلت منطقة الأوارس التي كانت من أغنى غابات الدنيا بحيواناتها إلى مجرد صحراء قاحلة ليس فيها سوى الجرذان والخنازير... فقط.