عمي عاشور ..متقاعد يحلم بدكان صغير يفجّر فيه ما تبقى من طاقة وجد السيد بقيرات عاشور وسيلة رائعة لملء فراغه بعد إحالته على التقاعد سنة 2006، فبدل الجلوس طويلا على مقاعد المقاهي للعب الورق، قرر أن يبدع بأنامله منحوتات فنية مصنوعة من الخشب، و الأعواد الصغيرة و بقايا الأشجار و غيرها من المواد المختلفة التي يجمعها من دكاكين النجارين و الغابات أو يلتقطها مباشرة من الأرض، ليشغل بها نفسه و يصنع منها أجمل القوارب و المنازل القديمة و المنحوتات الفنية الجميلة. أمينة.ج تصوير / عمور إلتقينا بالعم عاشور في افتتاح الصالون الوطني الأول للإبداع و الصناعات التقليدية الذي افتتح يوم الخميس الماضي ببهو دار الثقافة محمد العيد آل خليفة، فحدثنا عن قصته مع الخشب و الأعواد الصغيرة التي يجمعها ليصنع منها منحوتات و لوحات فنية للديكور، و ذلك منذ سنة 2006 بعد أن تقاعد من عمله في مصلحة الشؤون الإجتماعية بشركة « سوناكوم «، حيث بدأ بصنع القوارب و السفن القديمة عندما رأى في مخيم صيفي عائلي بمدينة القالة سفينة خشبية صغيرة أراد أن يشتريها و لكن المال الذي كان يحمله لم يكن كافيا فقرر عند عودته إلى البيت أن يصنع مثلها، و بهذا التحدي الذي رفعه على نفسه بدأ رحلة إبداعه أولا مع السفن القديمة التي تستعيد أساطير القراصنة، الفايكينغ و طراز السفن الرومانية و غيرها، معتمدا حصريا على بعض الصور التي يراها في التلفزيون كمنوذج للصنع. و رغم أنه شارك بعدها في العديد من المعارض الفنية و معارض الصناعات التقليدية في قسنطينة في كل من قصر الباي و مالك حداد و الخليفة، إلا أنه لم يستطع الحصول على بطاقة الحرفيين، كما أنه لا يملك ورشة أو محل خاص به، فورشته ما هي إلا زاوية صغيرة في مسكنه الضيق بحي باب القنطرة، و لكن حبه الكبير لما يصنعه دفعه للإستمرار في ممارسة هوايته الجميلة، التي قضت كليا على ملل ما بعد التقاعد كما قال ، و تمكنه أخيرا من صنع هذه الأشياء الفنية التي طالما أحبها، و لديه اليوم مجموعة مهمة من منحوتات السفن المختلفة التي صنعها بالكامل من البقايا الخشبية التي يجمعها من دكاكين النجارين من نشارة وغيرها و أيضا من لحاء الأشجار التي يعثر عليها مرمية فوق الأرض و التي يتركها كما هي في أعماله أو يقوم بتغييرها و صقلها في بعض الأحيان بما يتناسب مع الديكور الذي يصنعه. و من بين منحوتاته التي عرضها في بهو دار الثقافة، نجد مزرعة قديمة فيها قشرة شجرة طويلة تبدو كقطعة أرض يقوم فلاح يعتمر عمامة بيضاء ويرتدي سروالا تقليديا بحرثها بمحراث تقليدي يجره حصان بني صنع بمزيج من نشارة الحطب و غراء الخشب، كما نجد أيضا بيتا ريفيا بني في الفترة الإستعمارية على الطراز الأوروبي، بالإضافة إلى بيت من البادية يصور فيه الفنان مشهدا تقليديا لمجموعة من النسوة تقوم إحداهن بطحن القمح بمطحنة صغيرة صنعها بالإسمنت و الرمل و أخرى تغربله لتقوم أخرى بفتل الكسكسى في جو من التعاون و الفرح و هنّ يرتدين ألبسة تقليدية تضج بالألوان المشرقة التي تدل على منطقة الشاوية، هذا إلى جانب بيت أفريقي جميل بني فوق بقايا شجرة تبدو كصخرة عتيقة، وضع قرب مطحنة قمح قديمة ذات هوائية خشبية جميلة. و من بين إنجازات العم عاشور التي حدثنا عنها أيضا، لوحة فنية تاريخية أنجزها كما أخبرنا لمتحف الثورة، و هي عبارة عن جلسة لعجوزتين تقومان بتحضير الكسرة للمجاهدين، حيث تقوم إحداهن في جلسة تقليدية بعجن الكسرة بينما تقوم الأخرى بطهيها و بالقرب منهما جندي يحمل بندقيته على ظهره و يقوم بحفر الأرض. كما شارك أيضا في مسابقة إبداعية بمناسبة يوم العلم في السادس عشر من أفريل الماضي، تحصل فيها على الجائزة الثالثة عن لوحته التقليدية التي تمثل جلسة عربية في حي السويقة الشعبي بمدينة قسنطينة ، و التي كانت أول عمل يباع في مجموعته الغنية و المتميزة، إشترتها منه ولاية قسنطينة، و ذلك لأنه يعتبر كل قطعة من مجموعته جزءا منه، كما قال لنا: « أنا لا أحب بيع أعمالي لأن كل قطعة أفقدها لا يمكنني تعويضها»، مضيفا أنه كان يتمنى أن تكون له ورشته الخاصة التي يستطيع أن يعرض فيها كل إبداعاته، و يعمل فيها و يعلم فنه مجانا للعديد من الشباب الراغبين في تعلمه. ضيق مسكنه الذي يزاول فيه هذه الحرفة و يمارس فيه هوايته التي تتطلب مكانا خاصا بها و أدوات مميزة جعله يعايش مناوشات يومية ظريفة مع زوجته التي تشتكي من الغبار الذي يخلفه وراءه و ينشره في كل مكان في البيت، و لكنها حالما ينتهي من إنجاز منحوتة تسارع لدعوة جاراتها لتريهن ما صنع و تفتخر به أمامهن كما أعترف ضاحكا، مشيرا إلى أن كل ما يرجوه و هو في هذا السن أن يحظى فنه بالإهتمام و التقدير و أن تلتفت إليه السلطات قليلا لتدعمه بالأدوات و المواد الأولية و خاصة بدكان صغير يكون جنة إبداعه.