حروب كثيرة تستدعي نفسها إلى مسرح عالم يفقد صوابه يوما بعد يوم، خرائط ترسم وترتيبات وتحالفات تنسج وتاريخ يراد له أن يعيد نفسه، لكن مع إصرار على عدم تغيير دور الضحية. أما الجلاد فلا بأس أن يرتدي قفازات ناعمة هذه المرة ولا بأس أن يظهر في صورة المخلّص أو نبي العصر حامل الرسالة. سنكتشف فجأة أن الغرب يحب دولا عربية بعينها فيساعدها على اكتشاف فضائل الديموقراطية التي تحمل رجال الدين إلى الحكم مستغلا في ذلك حاجة الشعوب إلى الحرية والتخلص من الاستبداد وسنكتشف بأن الغرب ذاته يحب الساحل الإفريقي ويريد زرعه بالورود بعد سنوات الجفاف الطويلة. ولأن هذه المنطقة من العالم قريبة من الله فلابد أن يحكمها رجال السماء الذين لا يولون أهمية كبيرة لشؤون الدنيا الفانية. لكن الرسالة ذاتها لا تنطبق على إسرائيل، الضحية الدائمة في المخيال الغربي، حتى حين تقتل الأطفال لأنها لم تفعل ذلك إلا لحماية أطفالها من موت مشابه و الأمر يتعلق وفق التفسير الغربي للعدوان العبري بدفاع مشروع عن النفس تقوم به دولة ديموقراطية القى بها التاريخ وسط كيانات همجية تهدد وجودها. و بات كل حديث عن فلسطين غير جديد، حتى حين يتعلق الأمر بوصف موت الأطفال لأن العالم تعود على استهلاك موت أطفال فلسطين في نشرات الأخبار وتعود على مشاهد الجنائز وصورة الأم التي تلطم خديها والأب الذي يقبل جثة ابنه. واللافت أن صوت العقل الناقد لهمجية الشركات الكبرى و ممثليها في الأجهزة السياسية ذات الظاهر الديموقراطي و عملائها في أجهزة المخابرات، قد خفت في السنوات الأخيرة بشكل مأساوي، وعلا صوت الميديا المرافقة للحروب والراعية لها ، حيث اختفى المثقف أمام صخب المذيع و رقة المذيعة و هي تستحلب علوم الغيب من خبير الحرب. هذا الصمت مكن لسياسات النهب فتحول تحصيل الموارد وتهديم بلدان و إعادة إعمارها إلى لعبة تمارسها هذه الشركات عبر صنّاع قرار يتم انتدابهم في انتخابات ديموقراطية. والنتيجة المخيفة أن الوجه الرأسمالي الاستعماري القبيح أطل على الشعوب العربية المعذبة بين ناري الديكتاتوريات و الأصوليات ليعطل حلم التغيير أو يدفع به في الاتجاه الذي تجري فيه شهواته. سليم بوفنداسة