تاهت تركيا سبعين عاما·· قبل أن ترتد إلى مكانها الأول·· اكتشفت أنها خرجت من الشرق لتقف منتظرة أمام أبواب الغرب·· فلا يؤذن لها بالدخول· لم تذهب كما في المرة السابقة حاملة سيفها في يدها لتدق على أبواب فيينا·· بل طرحت هويتها الإسلامية جانبا·· وأنكرت كل تاريخها المجيد·· المفعم بالفتوحات·· وراحت تستجدي هوية أوروبية لم تظفر بها إلى اليوم·نزعت عمامتها لتضع طربوشا أوربيا على رأسها·· وألغت الحرف العربي لتكتب بالحرف اللاتيني·· ومنعت الأذان·· وصادرت حق الناس في ممارسة دينهم·· وضيقت على الدعاة إلى الله·· وبحثت عن عباءة جديدة·· لم يألفها الأتراك· باختصار·· كانت ضائعة في مكان ما على خارطة الانتماء·· لا تدري وجهة لسفينتها التائهة وسط بحر الانسلاخ· من حسن حظ الأتراك المعاصرين·· أن صوت الفاتحين العظام من آل عثمان لم يخفت·· بل ظل يعلو في وجه العلمانية القبيحة·· التي سعت لاقتلاع تركيا من جسدها الإسلامي·· واجتثاث روحها الشرقية·· وحملها بالكامل إلى الضفة الأخرى للبوسفور·من حسن حظ الأتراك·· أن جذوة الإسلام فيهم ظلت متقدة ولم تخمد·· رغم ما ران عليها من رماد لائكي كثيف·· وما اجتاحها من رياح التتريك البغيض· لقد سعى الفاتحون الجدد من أمثال النورسي وأربكان وأردوغان·· في إصلاح أشرعة السفينة التائهة·· ليبحروا بها مرة أخرى إلى الضفة الشرقية·· إلى المرافئ التي انطلق منها خير الدين وعروج وغيرهما·· لقد عاد البحار إلى وطنه·ٌٌٌ إن شيئا أقرب إلى النبوءات أضحى يعبر عن نفسه·· من خلال الأحداث التي تطبع الراهن العربي·· فحيث يسعى المسلمون من غير العرب إلى قلب الإسلام·· ويتلقون التضحية في سبيل قضاياه الكبرى كمنحة إلهية كبرى·· يدبر العرب عن هذا الدين·· متخلين عن أي التزام يبقيهم حملة حق·· وأتباع نبي كريم·· وقائمين بالشهادة على الناس يوم الدين· لاشيء يوحي بأن عرب اليوم·· منحدرون من سلالة أصيلة·· لا نجد شيئا من الصفات المجيدة للأجيال الأولى·· تسود في الأجيال الضائعة لهذا الزمان·عرب باعوا كما قال الشاعر ·· باعوا بأي ثمن·· وتنازلوا بغير ثمن·· وقرروا الارتداد على أدبارهم إلى زمن الجاهلية·عند ما نقرأ قول الله تعالى (·· وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم··)·· ثم نمسح بأبصارنا أربعة عشر قرنا من تاريخ المسلمين·· نتبين كم هي عميقة الفجوة الفاصلة بين الرسالة وحملتها المفترضين من العرب تحديدا· الجيل الحالي يأكل ليسمن·· ويفتش عن المرعى الخصيب ليسمن أكثر·· ولا يشغل باله سوى أن يعيش· وكفى· أجروا أوطانهم·· وشرفهم·· وكل تاريخهم·· تعروا من الثياب التي تستر عوراتهم·· ومشوا أمام العالم كعارضي أزياء·· بلباس الذلة والهوان· من المحيط إلى الخليج·· لا تعثر سوى على أشباه بشر·· زائفين في انتمائهم للإسلام·· تحكمهم شعارات كرة القدم وتلهب ظهورهم سياط السلاطين·· وتتغلغل في خلاياهم الشهوات المتدفقة من الغرب·تحولوا من شاغلي الموقع المركزي لرسالة الإسلام·· إلى هوامش تشرد على الأطراف·· لتكتفي في أحسن الأحوال بأداء عروض شكلية·· كنوع من الطقوس الدورية التي تذكرهم بماض زالت معالمه من أذهانهم·ٌٌٌتولى العرب·· وفي سجلاتهم·· ما لا يحصى من الفضائح والمقابح·· ومن التفريط في المقدسات·· إذ لا توجد أمة على ظهر الأرض ترتكب خيانة التفريط في الأرض·· كما هي أمة العرب المعاصرين·· للأسف الشديد· باعوا فلسطين وأكلوا ثمنها·· وملأوا جيوبهم من ريع الخيانات والمؤامرات·· فماذا بقي يصلهم بدينهم؟ لهذا الاعتبار·· أتى الله بالأتراك والماليزيين والأفغان والإيرانيين·· ليكونوا البديل التي يحمل الرسالة·· ويتقدم بها في وجه الاستكبار الغربي· على امتداد ستين سنة من مأساة فلسطين·· لم يقف أي نظام عربي موقفا رساليا كما هو شأن الأتراك والإيرانيين والماليزيين·· كل ما فعله العرب قبل أن يغطسوا في بركة الخيانة والمقايضة القبيحة·· إنهم أرسلوا أقوى العنتريات ليحرروا بها الأرض المغتصبة·· فذهبت الأرض وتلاشت العنتريات في الفضاء الفسيح·ٌٌٌ جاء الأتراك إلى غزة في سفينة مرمرة·· وأبحر إليها الماليزيون في سفينة راشيل التي اشتروها لهذا الغرض·· راشيل هذه الفتاة الأمريكية التي دهستها جرافة صهيونية وهي تحاول منعها من هدم بيت فلسطيني·· فماذا فعل العرب·· غير توسيع وتطوير السياسات الخيانية·· التي بلغت بهم حد بناء جدار فولاذي تحت الأرض لإحكام قبضة الصهاينة على أطفال ونساء غزة· يا لعار هؤلاء العرب·· ويا لانكشاف سوأتهم في هذا الزمن البائس· مواقف أردوغان وأحمدي نجاد·· ليست من جنس المواقف المخزية للسلاطين العرب·· لقد رأيت أتراكا يفرحون بالشهادة من أجل فلسطين·· وتيقنت·· كم هي غالية ومتغلغلة روح الإسلام في أرواحهم·· وكم هي مقدسة·· المقدسات الإسلامية في قلوبهم· وفي المقابل·· تجتمع الجامعة العربية·· لتقرر أن الأممالمتحدة·· مطالبة بحمل إسرائيل على احترام القانون الدولي·· وكأن العالم أعمى·· فلا يرى إسرائيل فوق القانون وفوق الأممالمتحدة وفوق أمريكا·· وفوقهم جميعا·· إلا من قلة مؤمنة تقاتل في سبيل الله والمستضعفين من أهل فلسطين·إن بؤس العرب·· ترجمة لانهيارات أخلاقية ونفسية وفكرية عميقة·· تجذرت في ثنايا النظام العربي·· وحولته إلى بيدق أمريكي إسرائيلي·· وسرت جراثيم هذه الانهيارات إلى نفسيات شعوب تكدست في جغرافيا مستباحة·· قبل أن تتحول إلى كيانات بطلة بامتياز·· عندما يتعلق الأمر بكرة القدم·· لكنها تنقلب إلى كتل صماء في مواجهة من يجرها إلى الهاوية·لا فلسطين·· لا أطفال في غزة يفتك بهم المرض والجوع·· لا سلطة متصهينة في رام الله تجب مقاومتها·· لا أمريكا تضخ فسقها وفجورها وغطرستها في قلب العرب والمسلمين·· لا استحقاقات تاريخية يقتضي إنجازها أثمانا باهظة من الدم والتضحيات· لا شيء سوى أن ينعم الحاكم بسلطانه المطلق على البشر والشجر والحجر·· ويحكم أزلامه قبضتهم النارية على المساكين والمستضعفين·· ويموت من يريد الموت على قارعة الوطن·· إذ لا مساحة فيه تسع قبرا يجمع أشلاء الملايين الممزقة·ٌٌٌ الإسلام·· ليس ثوبا على مقاس العرب·· الذين أنتجوا سلفية تكفر من يحلق اللحية·· وتجرم من يقول فلاف لحاكم يلتهم الأرض ومن عليها· إن الله لا يزكي من يبيع دينه·· ولا يقبل إلى جانبه الأوغاد·· كما قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله·· ومن الغباء أن يبيع العرب فلسطين بكرسي يجلسون عليه·· ثم يدعون أنهم أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم·· ويتبارون في الدفاع عنه عبر الصحف· الإسلام عنوان لكل من يستطيع بلوغه·· ويملك الإيمان والعزيمة لمغالبة الباطل الذي تفرضه أمريكا وتوابعها على خلق الله·وكما كان صلاح الدين كرديا·· قيضه الله لتطهير القدس من الصليبيين·· هل نستبعد أن يأتي تركي أوكردي أو إيراني·· أو أي مسلم يقع في الطرف الآخر من العالم·· لينجز ما تقاعس العرب عن إنجازه·· جبنا أوخيانة·ثمة من يحبون الله ويحبهم الله·· ولا يخشون أحدا إلا الله·· وهؤلاء هم البديل الذي نرتقب مجيئه·