صاحبت الحادثة المأساوية التي عاشتها قسنطينة الأسبوع الماضي أهوال كثيرة، تؤشر إلى وضعية انفلات أصبح عليها المجتمع الجزائري. ورغم أن قصة اغتصاب وقتل الطفلين مرعبة وتهز كل نفس، إلا أنها ليست جديدة، وقد عرفتها حتى مجتمعات كثيرا ما نعتبرها مثالا نحاول الاحتذاء به ، فقبل سنوات هزت أحداث مماثلة فرنسا وأثارت نقاشا في الطبقة السياسية إلى درجة أن الرئيس نيكولا ساركوزي حاول تمرير قانون يجيز إخصاء المعتدين على الأطفال. والاعتداء الجنسي على الأطفال في الجزائر، ظاهرة قديمة لم تأخذ حقها من المعالجة لأنها كانت تدرج في خانة المسكوت عنه، رغم المآسي التي خلفتها، حيث أن كلاسيكيات العلاج النفسي تؤكد أن الطفل الذي يتعرض للاغتصاب قد يتحول إلى مغتصب في المستقبل باستخدامه للآلية الدفاعية المسماة "تقمص المعتدي". و تبين حالات الاغتصاب الشائعة أن المعتدين يكونون في الغالب من الأقارب والمدرسين ومنهم مدرسو قرآن. ومعروف أن الاعتداء على الاطفال ظاهرة مرضية لها جذورها النفسية بحسب كل حالة، لكنها قد تتحول إلى ظاهرة اجتماعية في التجمعات المغلقة التي يصعب فيها إشباع الرغبات الجنسية، وتوفر مدننا اليوم أسباب ذلك بتقلص فضاءات الترفيه ومحاولات "أسلمة" و أفغنة المدن بطريقة غير مدروسة من خلال غلق دور البغاء والملاهي. ما يجعل الفئات الهشة كالنساء والأطفال عرضة لتحرشات، إلى درجة أن حياة النساء الجزائريات في مدننا تحولت إلى كوابيس حقيقية، إذ لا تستطيع امرأة أن تعبر أمتارا قليلة في مدينة دون أن تكون هدفا لذكر مأزوم. نعم، ثمة مشكلة حقيقية تستدعي معالجتها الإصغاء إلى المختصين وليس إلى الغوغاء ولا إلى هؤلاء الذين أخرجوا التلاميذ من المدارس ولقنوهم الهتاف بالقتل، لأن الأمر يتعلق هنا باغتصاب من نوع آخر للطفولة، يتطلب بدوره الانتباه ، فتدريب طفل في سن حرجة على المطالبة بالإعدام يخفي تمجيدا لأفعال القتل التي تشبع منها هذا المجتمع المصدوم ويحيل من، جهة أخرى، إلى أزمات نفسية يعاني منه "المطالبون" هي نتيجة لخوف من الاغتصاب أو لرغبة مكبوتة في ممارسته يجري طمسها من خلال تدبير مقتلة رمزية لصورة المغتصب التي تنعكس عليها صورة الذات. و من الضروري أن يتوقف النقاش حول قضية كتطبيق حكم الإعدام بين السياسيين والمختصين من فقهاء القانون وعلماء النفس والاجتماع، أما أن يتحول إلى مطلب تنادي به الصحافة وأطفال المدارس فإن ذلك يدعو إلى الخوف في مجتمع أصبح فعل القتل فيه سلوكا عاديا. سليم بوفنداسة