عودة الخوف الى تونس بعد عملية الاغتيال الثانية في ستة أشهر عرفت تونس مع اغتيال المعارض محمد براهمي يوم الخميس الماضي من جديد تصاعدا للمخاوف من الانفلات الأمني، و بروز علامات غياب الاستقرار السياسي على خلفية الدعوات المستمرة لحركة تمرد التونسية كي تستنسخ في تونس ما عرفته مصر، و التي كانت مثيرة لردود فعل قوية في اوساط الترويكا الحاكمة، وقد زادت من حدة تلك التخوفات التظاهرات الغاضبة التي انطلقت في تونس العاصمة و شتى مدن الجمهورية منددة بعملية الاغتيال و تحول بعض تلك التظاهرات إلى أعمال حرق و تخريب مست المنشآت و المرافق العمومية. و تخشى الحكومة التونسية أن تكون عملية اغتيال براهمي بداية عصيان مدني سياسي تقوم به العناصر المعارضة لحكومة النهضة الإسلامية و شريكيها حزب الرئيس المرزوقي و حزب مصطفى بن جعفر، يحتمل يكون إفرازا لحالة الاستقطاب الحاد للمشهد السياسي التونسي الذي لا زال لم يلملم جراحات و يمتص صدمة اغتيال شكري بلعيد . و قد طالب المحامون التونسيون أمس في مسيرة لهم تنديدا بعملية اغتيال المعارض براهمي باستقالة حكومة علي لعريض و قد كان اغتيال شكري بلعيد قبل ستة اشهر سببا في سقوط أول حكومة للإسلاميين التونسيين بقيادة أمين عام حركة النهضة حمادي الجبالي. و لكن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي أدان الاغتيال و قدم التعازي لأسرة الفقيد في خطاب له على "فايسبوك". الرئاسة التونسية أعلنت أمس الجمعة، يوم حداد وطني بمناسبة تشييع جنازة محمد البراهمي النائب اليساري المعارض في المجلس التأسيسي(البرلمان) الذي اغتيل بالرصاص أمام منزله بالقرب من تونس في حادثة شبيهة بعملية تصفية المعارض اليساري أيضا شكري بلعيد أمام منزله في أحد ضواحي العاصمة التونسية يوم 06 فيفري الماضي و قد ألقيت المسؤولية في ذلك على أحد العناصر السلفية الذي بقيت قوات الأمن تطارده دون التمكن من القبض عليه. و في تطور مثير أعلن مدير الأمن الوطني في تونس أن براهمي اغتيل بنفس قطعة السلاح التي قتلت شكري بلعيد. وقال وزير الداخلية لطفي بن جدو أنه تم التعرف على مجموعة من المشتبه بهم في التورط في الجريمة ومن بينهم عنصر سلفي متشدد يدعى أبو بكر الحكيم. ودعا الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) في بيان الى "إضراب عام الجمعة بكافة البلاد ضد الارهاب والعنف وضد الاغتيالات" اثر مقتل محمد البراهمي. وفي خطاب الى الشعب التونسي، رأى الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ان اغتيال البراهمي الذي جرى في يوم الاحتفال بذكرى إعلان الجمهورية في البلاد، يهدف الى تشويه صورة ثورات "الربيع العربي" وقال ان "المسؤولين عن هذه المأساة يريدون ان يظهروا أن تونس ليست أرض سلام وأن الربيع العربي فشل في كل مكان". من جهته، رفض علي العريض رئيس الحكومة التونسية والقيادي في حركة النهضة، دعوات الى العصيان المدني في تونس و اسقاط الحكومة اثر اغتيال محمد البراهمي، ودعا التونسيين الى عدم الاستجابة لها. وقال العريض في مؤتمر صحافي "أؤكد رفض كل الدعوات، سواء صدرت عن شخص او حزب او جمعية أو تيار أو وسيلة إعلام، الى التقاتل والتجاوز والفوضى والخروج عن القانون". و دعا الشعب التونسي لكي لا يترك الفرصة للفتنة والتقاتل قائلا نحن ندعو الى التهدئة". و قد اعلنت وزارة الداخلية ان براهمي (58 عاما) قتل بعدة طلقات نارية أمام منزله في حي الغزالة من ولاية اريانة شمال شرق العاصمة التونسية، وذكر التلفزيون الرسمي ان الفقيد قتل ب11 رصاصة وان شهودا رأوا رجلين يهربان على دراجة نارية بعد عملية الاغتيال، مما يزيد من عناصر التشابه بين العمليتين اللتين استهدفتا معارضين يساريين للحكومة الإسلامية، أعضاء في المجلس التأسيسي و ينحدران من ولاية سيدي بوزيد نفسها التي كانت قد انطلقت منها شرارة ثورة الياسمين قبل عامين و نصف التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي و فتحت الباب اما ثورات ما يعرف بالربيع العربي في مصر و اليمن و ليبيا و غيرها. وجاءت عملية الاغتيال غداة تصريح نور الدين البحيري الوزير المعتمد لدى رئيس الحكومة ان وزارة الداخلية ستعلن "قريبا" عن "مدبري" عملية اغتيال بلعيد. وكان البراهمي أمينا عاما لحزب "حركة الشعب" الناصري الوحدوي العربي الذي حصل على مقعدين في المجلس التأسيسي (البرلمان) الذي أسسه بعد الاطاحة ببن علي. والحزب عضو في "الجبهة الشعبية" و هي ائتلاف علماني يضم 11 حزبا أظهرت استطلاعات رأي حديثة انها تحتل المركز الثالث في نوايا التصويت لدى التونسيين خلال الانتخابات المقبلة.