شلّت مظاهر الحياة أمس، في كل تونس، تلبية لنداء الاتحاد العام التونسي للشغل، في موقف احتجاجي على عملية الاغتيال التي طالت أول أمس النائب والمعارض محمد البراهمي أمام منزله في حي الغزالة، على بعد 10 كلم شمال العاصمة تونس. وفاجأ مسلحان على متن دراجة نارية المعارض التونسي أمام منزله، وفتحا عليه نيران أسلحتهما فاردياه قتيلا باحدى عشرة طلقة استقرت في كل أنحاء جسده. وتعد هذه ثاني عملية اغتيال سياسي تستهدف شخصية تونسية يسارية معارضة ونائب في الجمعية الوطنية التأسيسية، والمعروفة عنه مواقفه المعارضة للائتلاف الحكومي بقيادة حركة النهضة الإسلامية. وكان المعارض شكري بلعيد قد اغتيل في ظروف مماثلة شهر فيفري الماضي أمام عتبة منزله في إحدى ضواحي العاصمة تونس من طرف مسلحين مجهولين انتظروه على متن دراجة نارية، قبل أن يلوذوا بالفرار. واتهم وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو أمس، سلفيا بالوقوف وراء عملية الاغتيال، والذي يعتقد أنه هو نفسه الذي نفذ عملية الاغتيال التي طالت شكري بلعيد. وقال الوزير التونسي، إن العناصر الأولية للتحقيق أكدت تورط بوبكر حكيم الناشط السلفي المتطرف في عملية الاغتيال والمتهم أيضا باغتيال شكري بلعيد قبل ستة أشهر، ولكنه مازال حرا طليقا. واستند الوزير التونسي في اتهامه إلى كون السلاح المستعمل في عمليتي الاغتيال هو نفسه. وأكدت عملية التشريح التي أجريت لجثة الفقيد، أنه تعرض لأحد عشرة طلقة من عيار 9 ملم ستة منها أصابته في الجهة العلوية لجسده وثماني رصاصات في أطرافه السفلية. وأصدر النائب العام التونسي مذكرة لفتح تحقيق جنائي ضد مجهولين بتهمة "القتل مع سبق الإصرار والترصد والإرهاب". وفي أول قرار اتخذته الرئاسة التونسية، تم أمس الإعلان عن يوم حداد وطني نكست خلاله الراية التونسية ترحما واستنكارا لثاني عملية اغتيال سياسي تشهدها تونس. وهو الحداد الذي تزامن مع قرار الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي أعلن عن إضرب عام شلّت فيه كل مظاهر الحياة للتعبير عن رفض الشعب التونسي لمثل هذه العمليات، توقفت على إثره كل حركة النقل حتى الجوية منها. وقالت بلقيس، نجلة الفقيد الكبرى البالغة من العمر 19 عاما، إن والدها اغتيل من طرف شخصين كانا يستقلان دراجة نارية عندما كان داخل سيارته المتوقفة أمام المنزل العائلي في شمال العاصمة تونس، حيث تم نقله من طرف أحد الجيران إلى المستشفى القريب ولكنه لفظ أنفاسه الأخيرة هناك. وكشفت بلقيس البراهمي أنها كانت تعلم أن والدها كان يُحضّر لتقديم استقالته من الجمعية الوطنية التأسيسية، لقناعته أنه لا يريد التصويت لصالح دستور موجه لتكريس هيمنة حركة النهضة، واتهمت نجلة الفقيد هذه الأخيرة بالوقوف وراء اغتيال والدها. وهو الاتهام الذي وجهه الباجي قايد السبسي، رئيس نداء تونس، أحد أكبر الأحزاب السياسية التونسية المعارضة، والذي أكد أن الحكومة الحالية تتحمل مسوؤلية عملية الاغتيال، واتهمها بالتستر على منفذي عملية الاغتيال التي راح ضحيتها شكري بلعيد قبل ستة أشهر، وقال "لو إنها كشفت مغتالي شكري بلعيد، لما كنا وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم". وأضاف، أن "الجهات القضائية لم تقم بعملها، وهو ما شجع الإرهابيين على تكرار فعلتهم"، وجعله يحذر من مخاطر الدخول في متاهة تصفية الحسابات السياسية، وقال إن تزامن "اغتيال البراهمي مع إحياء ذكرى يوم الجمهورية لم يكن أمرا اعتباطيا". وهي القناعة التي أكد عليها الرئيس منصف المرزوقي، الذي أكد أن الواقفين وراء هذه العملية يريدون أن يقولوا إن تونس ليست أرض سلام، ويمكن أن تنزلق في أية لحظة وأنّ ثورات الربيع العربي مآلها الفشل وخاتمها الفوضى العارمة.