يحمل الموت في بيت فولتير الكثير من الرمزية بالنسبة لمثقف منبوذ فرنسيا. أي أن الموت هنا سيكون انتقاما رفيعا وانتصارا جديدا لرجل لم يعترف له بمجهوده الثقافي وعومل، ظلما، كبهلوان. لكأنه اختار بدقة زمان ومكان الموت، وهذا أجمل ما يحدث لشخص في مكانة جاك فرجيس، الذي لعب على الرمز واقتنصه مقرنا صورته بصورة رجل الأنوار الذي حارب ظلامية الكنيسة والاستبداد على حد سواء ووقف إلى جانب المظلومين وأصبح رمزا من رموز الثقافة والحرية، ليس في فرنسا وحدها وليس في القرن الثامن عشر فقط، بل في العالم كله وفي كل العصور. ثمة رسالة ساخرة أخرى وجهها فرجيس من موقع ميتته ، في وقت انفتحت فيه شهية اليسار الفرنسي على الحروب الاستعمارية مجددا، وتحولت العنصرية إلى سياسة تطبقها الحكومات المتعاقبة في بلاد الأخوة والمساواة. ولم يعد للمثقف دور يُلعب كما في زمن فولتير لأن آلة الميديا نزعت أسلحة المثقف ووضعت نفسها في خدمة الساسة وقساوسة العصر في الشركات متعددة الجنسيات وشركات السلاح والنفط. ثمة رسالة تقول أن للحق صوت في كل عصر حتى وإن طغى الباطل. تلك ربما كانت رسالته الأخيرة وهو يخرج من حياة عاصفة إلى موت هادئ في ليلة حب بالبيت المذكور. و يا لها من مرافعة مؤثرة، تلك المرافعة الأخيرة التي تمت بدون لغة من رجل لغة تجري أنهار الشعر على لسانه كلما نطق، هو الذي قال أنه سيذهب إلى الموت تماما كما يذهب إلى امرأة. اختفى فيرجيس الذي كان أكبر من رجل وأكبر من محام، إنه من الكائنات الأسطورية التي لا تتكرّر في التاريخ، وسنقول مرة أخرى كلاما لا ضرورة له عن جزائريته، هو الذي اختار ان يحمل اسما جزائريا ويتزوج جزائرية ويصير جزائريا، قبل أن يتخلى عن ذلك، في وقت بدأت فيه الجزائر تتخلى عن نفسها وتتحول إلى مجرد بلد عربي لا مكان فيه للتعدد والاختلاف. والرجل ليس الوحيد الذي ضيعته الجزائر في سياق هذا التحول الذي أدى إلى ما نحن فيه. اختفى فرجيس ( والحاجة إليه ملحة) في زمن مخيف يشهد فيه العالم تطورا علميا وتراجعا "أخلاقيا" إلى العصور البدائية، زمن تحول فيه صانع القرار الغربي، تحت تأثير الأزمات الاقتصادية، إلى صياد جائع يتطلع جنوبا إلى فريسة تكرّر نفسها. سليم بوفنداسة