عنابة " الولاية النموذج " في تجربة الصحافة المحلية و الإعلام الجواري تعد عنابة " الولاية النموذج " في تجربة الصحافة المحلية على الصعيد الوطني، كونها عرفت طفرة إعلامية لم تشهدها معظم ولايات الوطن، في ظل وجود العديد من العناوين التي تتخذ من مدينة " بونة " مقرا لتحريرها المركزي، و التركيز بالأساس في المادة الصحفية على الأخبار الجوارية و التنمية المحلية بولاية عنابة و الولايات المجاورة، الأمر الذي أعطى أغلب الصحف الصادرة من هذه الولاية الطابع الجهوي في عهد تشبعت فيه الساحة الإعلامية الوطنية بالعشرات من العناوين الصحفية. و مع ذلك فإن النماذج الحية تؤكد على أن الصحافة الجوارية لها مكانة مرموقة في خدمة التنمية المحلية و نقل انشغالات المواطنين عن كثب في كل شبر من أرجاء الجزائر العميقة، و بالتالي إماطة اللثام عن معاناة جزائريين لم يحلموا يوما بنشر موضوع صحفي عن الظروف القاسية التي يعيشون فيها، أو عن المشاكل التي يكابدونها، لكن التعددية الإعلامية التي تعرفها ولاية عنابة جعلت الإقليم الممتد بين ولايات عنابة، قالمة، الطارف و سوق أهراس الأكثر تغطية من طرف الزملاء في مهنة المتاعب عبر صفحات جرائد باللغتين العربية و الفرنسية. فالحديث عن تجربة الصحافة المحلية في ولاية عنابة يعيد إلى القراء ذكريات أسبوعية " العناب " التي صدرت عن المؤسسة الأم " النصر " و هي تجربة يجمع أهل بونة على أنها كانت ناجحة بكل المقاييس، لأن هذه الأسبوعية كانت لها مكانة مميزة في الساحة الإعلامية على الصعيد المحلي، و الكل كان ينتظر صدور أعدادها بفارغ الصبر لتصفح المواضيع التي كانت ترتكز بالأساس على أخبار جهوية من ولايات قالمة، عنابة و الطارف، من دون تخصص، لأن الأسبوعية كانت شاملة و تغطي الأخبار المحلية بنقل انشغالات المواطنين، فضلا عن تخصيص صفحات للجانبين الثقافي و الرياضي، إلى درجة أن الكل في عنابة يجمع على أن تجربة أسبوعية " العناب " تبقى رائدة و متميزة في الساحة الإعلامية المحلية، لأن هذه الأسبوعية و رغم مرور قرابة عشريتين من الزمن عن اختفائها و احتجابها عن الصدور، فإنها لا تزال على لسان سكان الولاية، و الكل يتذكر تسمية " العناب " بمجرد صدور أي مولود إعلامي جديد، حيث تكون الآمال معلقة على الصحف المحلية للسير على خطا الأسبوعية الأولى بالولاية. إلى ذلك فإن أسبوعية " العناب " تعد بمثابة المدرسة التي تتلمذ فيها أعمدة الساحة الإعلامية بعنابة، الأمر الذي أعطى الولاية روح المبادرة إلى إصدار الكثير من العناوين في عهد " التعددية " و ذلك على يد " النخبة " التي تعلمت أبجديات الصحافة في " العناب "، مادامت الولاية كانت تتوفر على مجموعة من المواهب التي شقت طريقها في المجال الإعلامي، كون الأسبوعية " النموذج " على الصعيد المحلي كانت المدرسة التي فتحت أبوابها لمجموعة من الصحافيين الشبان من أبناء الولاية للتدرب و التتلمذ و كسب خبرة أولية في العمل الصحفي، فكانت تجربة " الشرق الجمهوري " الأولى في عنابة، بإصدار يومية باللغة الفرنسية تركز في مادتها المقدمة للقراء على أخبار ولاية عنابة و حتى بعض الولايات المجاورة، قبل أن توسع دائرة تركيزها إلى كامل ولايات الشرق الجزائري تجسيدا للتسمية التي تم اعتمادها، و لو أن الخبرة التي اكتبسها الطاقم الذي أسس هذه اليومية دفعته إلى التفكير في إصدار يومية باللغة العربية، فتم رسم خارطة الطريق لمشروع جريدة " آخر ساعة " التي رأت النور في أكتوبر 2000، في تجربة كانت بدايتها صعبة، و اصطدمت في أولى مراحلها بإشكالية الطباعة و التوزيع، فضلا عن افتقار طاقمها الصحفي للخبرة و التجربة، لأن المراهنة كانت على وجوه شابة تقتحم عالم الصحافة الميدانية لأول مرة، لكن الزملاء في هذه الصحيفة رفعوا التحدي و كسبوا مكانة في الساحة الإعلامية، بتركيزهم على الأخبار المحلية و العمل الجواري. هذا و قد شهدت ولاية عنابة في السنوات الخمس الأخيرة قفزة عملاقة من حيث عدد العناوين الصحفية التي تصدر على مستواها، لأن تشبع الساحة بالعناوين على الصعيد الوطني إنعكس بصورة جلية على الوضع الإعلامي بالولاية، فكثرت المبادرات لإصدار صحف يومية و حتى أسبوعية، رغم أن بعض التجارب كانت فاشلة و لم تعمر طويلا بسبب عدم النجاح في الحصول على الإشهار، خاصة بالنسبة للأسبوعيات، لكن المشهد الإعلامي في عنابة بلغ مرحلة التشبع خلال السنتين الماضيتين، كونه تدعم بخمسة عناوين جديدة، ثلاثة منها باللغة العربية و هي " الصقر"، إيدوغ نيوز " و " أخبار الشرق " و إثنتان بالفرنسية، و بتعلق الأمر بكل من " سيبوس تايمز " و " بريفانسيال "، و هي جرائد يرأس طواقمها زملاء كسبوا الخبرة في التحرير في باقي اليوميات الوطنية، و تركز أهم مادتها على الأخبار الجوارية، و تتصدر صفحاتها الرئيسية الأخبار المثيرة المرتبطة بالحدث على الصعيد المحلي، فضلا عن تخصيص حيز كبير لانشغالات المواطنين بمختلف بلديات الولاية.من هذا المنطلق، يمكن القول بأن ولاية عنابة تبقى نموذجا استثنائيا لتجربة الصحافة المحلية على الصعيد الوطني، لأن الصحف التي تصدر على مستواها حققت الاكتفاء " الذاتي " في الإعلامي الجواري، و كل يومية لها طريقتها في التعامل مع الحدث المحلي، بحثا عن مكانة في أوساط القراء، وفق خطها الافتتاحي، لكن تعدد العناوين يضع الكثير من الخيارات أمام القارئ، بصرف النظر عن الصعوبات التي يواجهها الزملاء في الوصول إلى مصدر الخبر، لأن هذه المكانة لم تسايرها قفزة مماثلة بخصوص مصادر الأخبار، لتبقى المعاناة متعددة الأوجه بالنسبة للصحافيين، و لو أن ذكريات أسبوعية " العناب " تبقى راسخة في ذهن كل من تصفحها، لأن الجميع في عنابة يؤكد على أنها أحسن نموذج في الصحافة المحلية بالولاية، كونها التجربة الأولى و رسمت الطريق أمام نهضة إعلامية غير مسبوقة بعنابة.