مبررات التصعيد المغربي ضد الجزائر واهية، واستعادة دبلوماسيتنا المبادرة يقلق المغاربة كثيرا هناك نغمة جديدة من الرباط لطي الصفحة لأن السحر انقلب على الساحر ما هي الأسباب والدوافع الحقيقية وراء التصعيد المغربي الأخير ضد الجزائر؟ الأستاذ زهير بوعمامة: هذا التصعيد وهذه المناورة ليست منطقا جديدا بالنسبة للجزائريين الذين يفهمون جديا أن ما وقع في المدة الأخيرة ما هو إلا فصل من فصول إستراتيجية ندركها جديا هنا في الجزائر، فكلما مر المغرب بسياقات متأزمة داخليا وخارجيا، وكلما وجد نفسه في مأزق يلجأ إلى الجزائر ليعلق عليها فشله ويصور الموضوع على أنه صراع بينه وبيننا، واختلاق شيء من الذرائعية وتحويل الأنظار، وفي خطابه الأخير كان الملك محمد السادس قد أشار إلى أن الممكلة مقبلة على مرحلة صعبة، والحل توجيه الأنظار نحو الجزائر. ما هي المتاعب والمشاكل الداخلية التي دفعت المغرب إلى التصعيد ضد الجزائر؟ - في البداية هناك أوضاع داخلية متأزمة تتمثل في خلافات سياسية كبيرة جدا، تزايد الأصوات المطالبة بالتخلص من بنكيران وحكومته وحزبه، ولعل اللجوء إلى حكومة بنكيران 2 دليل على هذه الأزمة السياسية الداخلية. اقتصاديا هناك أزمة خانقة والحكومة قررت رفع أسعار المواد الغذائية وبعض المواد الأساسية بداية من جانفي المقبل، وما زاد من تفاقم الأزمة قرار الجزائر الأخير المتعلق بتأمين الحدود الغربية بشكل كبير لمنع تهريب المواد الأساسية المدعمة التي تدفع الجزائر من أجلها أموالا كبيرة، وفي مقابلها تأتينا المخدارت والسموم فقط من الجهة الأخرى، لكن المغاربة يتعاملون وفق منطق المساومة فربطوا التعاون في مجال ضبط الأمن بفتح الحدود، لكن موقف الجزائر من هذه المسألة واضح ومعروف مند سنوات. الحدث المباشر للتصعيد المغربي والمتمثل في لقاء "أبوجا" الخاص بدعم القضية الصحراوية والذي حاول المغرب تبرير سلوكه به لم يقنع أحدا، فرسالة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة للقاء لم تحمل جديدا بالنسبة لموقف الجزائر المبدئي والمعروف مند 40 سنة من القضية الصحراوية، وكيفية معالجتها، واعتبارها مسألة تصفية استعمار وحلها يكون عبر الأممالمتحدة وفقا للشرعية الدولية بين طرفين معروفين هما المغرب وجبهة البوليساريو فقط. وحتى مسألة توسيع صلاحيات بعثة الأممالمتحدة إلى الصحراء الغربية "مينورسو" لتشمل حقوق الإنسان ليست شيئا جديدا، وليست المرة الأولى التي يطرح فيها هذا الموضوع، والجزائر ليست الجهة الوحيدة التي طالبت بذلك، وللتذكير فإنه في آخر مرة مدد فيها مجلس الأمن مهمة "المينورسو" كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية هي التي اقترحت توسيع مهمة البعثة، ما يعني أن هذا كان شيئا طبيعيا، وحتى تقارير بعثات منظمات حقوق الإنسان الى الصحراء الغربية أكدت تزايد انتهاكات حقوق الشعب الصحراوي من طرف المغرب، إذن فالجزائر لم تطرح شيئا جديدا في هذه المسألة وليست الوحيدة من طالب بذلك، وعليه فإن التبرير المغربي واه وغير مقنع بتاتا. ويجب في هذا الصدد التذكير أن آخر تقرير للخارجية الأمريكية حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم فصل لأول مرة بين المغرب والصحراء الغربية، وخصص 12 صفحة كاملة لأوضاع حقوق الإنسان في الصحراء الغربية تكّلم فيها عن خروق وانتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان الصحراوي. كيف تتوقع رد فعل المغرب للخروج من الورطة التي وضع نفسه فيها بعد رصانة الموقف الجزائري من جهة، ورد فعله القوي على حادثة الاعتداء على القنصلية وتدنيس العلم الوطني من جهة أخرى؟ - الجزائر دولة مسؤولة تعمل على التهدئة واحتواء الموقف دون الوقوع في فخ اللعبة المغربية، لكن اعتقد أنه علينا التفريق بين موقف الجزائر قبل حادثة الاعتداء على العلم وبعدها، فقبل الحادثة لاحظ الجميع التزام الجزائر بضبط النفس وبالتهدئة كما جاء في بيان وزارة الشؤون الخارجية الأول رغم أن المبادر كان الطرف الآخر. لكن بعد حادثة الاعتداء على القنصلية في الدار البيضاء وإهانة العلم الوطني في يوم عزيز على كل الجزائريين وهو الفاتح نوفمبر، لاحظنا تغيرا في طبيعة تعاطي دبلوماسيتنا مع الموضوع، حيث بدا الموقف قويا إزاء حادثة الاعتداء وذلك مبرر حسب القوانين والمواثيق الدولية جميعها. واعتقد أنه بعد ردة الفعل القوية من الجزائر ورفض فرضية الفعل المعزول، واستدعاء السفير المغربي مباشرة بعد عودته يبدو لي أن الجزائر وكأنها ما تزال تنتظر اعتذارا رسميا من المغرب، ويظهر جليا أن المغرب لم يكن يتوقع ردا بهذا الحجم وهذه القوة، إذن كان هناك تحول وبرأيي لابد أن نربطه بالتحولات التي حدثت على طريقة أداء الدبلوماسية الجزائرية في المدة الأخيرة، التي أصبحت تتحرك بمنطق المبادر الملتزم بأدواره في عمقه الاستراتيجي، إذ لابد أن نسجل هنا أن الدبلوماسية الجزائرية عادت بشكل قوي وواضح في دول الجوار ومنطقة الساحل مستعيدة المبادرة في عمقها الاستراتيجي، وذلك لم يألفه المغاربة. وتاريخيا المغاربة يقلقهم ذلك و بدأوا يرون أن بعض المكاسب البسيطة التي حققوها في فترة انشغال الجزائر بمشاكل داخلية مهمة على وشك الزوال، لذلك نلاحظ أن لهجة جديدة بدأت تظهر على أفواه المسؤولين المغاربة، وأن توجها نحو التهدئة بدأ يطفو لأن ما توقعوه من نتائج التصعيد الذي قاموا به جاءت عكسية، وسنلاحظ في المستقبل نغمة جديدة منهم نحو طي الصفحة لأن السحر انقلب على الساحر. حاوره: محمد عدنان