تواصل استنكار الطبقة السياسية والتنظيمات الحقوقية والشخصيات الوطنية، أمس لحادثة الاعتداء على مقر القنصلية العامة بالدار البيضاء المغربية والمساس بالراية الوطنية. وأجمعت ردود الأفعال الوطنية على أن هذا الفعل الخطير يُعد انتهاكا فاضحا للأعراف والتقاليد الدولية، مطالبة النظام المغربي بالاعتذار علنية للشعب الجزائري على هذا الفعل الإجرامي. ففي هذا الإطار أكد وزير الدولة وزير الداخلية والجماعات المحلية السيد الطيب بلعيز في ندوة صحفية عقدها على هامش مراسم تنصيب الوالي الجديد لمستغانم، أن الاعتداء على التمثيلية الدبلوماسية الجزائرية بالمغرب، يشكل انتهاكا خطيرا بالنسبة للأعراف الدولية، ومساسا بأقدس المسائل بالنسبة لكل الجزائريين والجزائريات، وهو إنزال العلم الوطني. وبعد أن أشار إلى أن الجزائريين يكنّون للشعب المغربي كل التقدير والاحترام، ذكر السيد بلعيز بأن الوصول إلى بناء مغرب عربي موحد يُعتبر من الأمور المقدسة لدى الشعوب المغاربية، مضيفا بقوله: "كل العوامل تجمع بيننا ولا يوجد عنصر يفرق بين هذه الشعوب". من جهته، اعتبر رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان مصطفى فاروق قسنطيني، أن الاعتداء على مقر القنصلية العامة بالدار البيضاء بالمغرب "دليل آخر على عدم احترام الرباط للقوانين والأعراف الدولية". وأوضح في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، أن الحملة التي يشنها المغرب ضد الجزائر منذ قمة أبوجا الأخيرة، هدفها تعكير مساعي حل القضية الصحرواية في إطار مبادئ ولوائح هيئة الأممالمتحدة، مذكرا بأن صنّاع القرار بالمغرب يحاولون دائما جر الجزائر إلى هذا النزاع رغم أن أطرافه واضحة، وهي المغرب والصحراء الغربية. وأشار السيد قسنطيني إلى أن الحملة العدائية المغربية هي محاولة لخلط أوراق إيجاد حل عادل للقضية الصحرواية وفق قرارات الأممالمتحدة، خاصة أنها تأتي بعد جولة قادت المبعوث الأممي للمنطقة وتزايد ارتفاع الأصوات الدولية المطالبة بحماية حقوق الإنسان بالأراضي الصحراوية المحتلة، كطلب واشنطن إسناد ملف حقوق الإنسان بالصحراء الغربية لبعثة المينورسو. ودعا رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، المجموعة الدولية إلى ضرورة التحرك للنظر في انتهاك المغرب لمقر القنصلية الجزائريةبالدار البيضاء، وفق ما ينص عليه القانون الدولي الخاص بحماية البعثات الدولية والدبلوماسية ومقراتها.
حزب الحرية والعدالة: رفض أطروحة الفعل المعزول من جهته، اعتبر حزب الحرية والعدالة أن استمرار النظام المغربي في حملته العدائية ضد الجزائر عبر الأحزاب السياسية ووكالة الأنباء الرسمية المغربية، يكشف عن المأزق الذي آلت إليه سياسة القصر الملكي في معاجلتها لقضية الصحراء الغربية وما أضيف إليها من إدانة عالمية لخرق حقوق الإنسان في الإقليم المحتل، وكذا في عجزها عن استيعاب انعكاسات قرار الجزائر السيادي بتشديد الرقابة على الحدود لمنع التهريب وتدفق المخدرات. ولفت الحزب في بيان له إلى أن "العنصر الجديد في هذه الحملة المتواصلة بانتظام، هو الاعتداء على السيادة الوطنية، باقتحام مقر القنصلية العامة في الدار البيضاء، وإنزال العلم الوطني في خضمّ احتفال الشعب الجزائري بعيد ثورة نوفمبر المجيدة، التي كان لها الفضل الأكبر في التعجيل برحيل الاستعمار الفرنسي من المغرب"، مقدرا في سياق متصل، بأنه "من الصعب تصديق نظرية الفعل المعزول في اعتداء الدار البيضاء، لأن هذا الفعل الإجرامي لم يكن تلقائيا، بل سبقه تحضير معلن، وتم تحت أعين الشرطة المكلَّفة بحماية المبنى". واعتبر حزب الحرية والعدالة حادثة الدار البيضاء نتيجة طبيعية لتعبئة الرأي العام ضد الجزائر باستدعاء السفير وسط حملة إعلامية رسمية قادها النظام المغربي ضد الجزائر، "لا لشيء سوى لأنها حريصة على تأمين حدودها ضد التهريب، ومتمسكة بتأييد حق الشعب الصحراوي الشقيق في تقرير مصيره، وداعية لحماية دولية لحقوق الإنسان في أراضيه المحتلة". ولم يستبعد الحزب أن يكون أحد أسباب هذا الانزلاق الخطير، "خطاب الملك الأخير أمام البرلمان، حين عبّر عن استيائه من تراجع حماس النواب إزاء مستقبل الصحراء الغربية"، مشيرا إلى أن سحب السفير وجريمة الدار البيضاء جاءتا "كمحاولة لإعادة بناء الوحدة المقدسة حول احتلال الصحراء الغربية، الذي يتوقف عليه مصير العرش العلوي". وفيما حمّل حزب الحرية والعدالة القصر الملكي مسؤولية هذا الفعل المغربي الذي يُعد تصعيدا خطير في درجة التوتر بين البلدين، طالب النظام المغربي بالاعتذار للشعب الجزائري علانية، داعيا في نفس الوقت الجزائريين إلى الاستعداد لكل الاحتمالات، "لأن الهروب إلى الأمام مبدأ معروف في السياسة المغربية..". وخلص الحزب في بيانه إلى أنه "مهما كان ألمنا شديدا أمام مشهد إنزال علم الشهداء الذي رفعته الهامات والقامات وسقته بدمائها الزكية الطاهرة، فإنا مطالَبون بضبط النفس واحترام الجالية المغربية المقيمة في بلادنا"، مؤكدا بأن الجزائريين يميّزون بين الشعب المغربي الشقيق وبين القصر الملكي "الذي لا يهمه إلا حماية عرشه بأي ثمن".
النواب يستنكرون انتهاك حرمة الراية الوطنية من جانبهم، النواب بالمجلس الشعبي الوطني استنكروا انتهاك حرمة الراية الوطنية والقنصلية العامة للجزائر بالدار البيضاء، واعتبروه تجاوزا خطيرا على أحد رموز الدولة الجزائرية في الذكرى ال59 لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة. وفي هذا السياق، أكد النائب نور الدين السد عن جبهة التحرير الوطني، أن هذا الانتهاك يُعد تعبيرا عن تهور سياسي لا يخدم مصالح البلدين، "لا سيما أن الجزائريين والمغاربة أشقاء"، واصفا موقف الدبلوماسية الجزائرية بالمتميز بالحكمة والتبصر. ودعا السد السلطات المغربية إلى تحمل مسؤوليتها بحماية القنصلية العامة للجزائر، معربا عن أمله في أن لا يكون الشخص الذي أقدم على حرق الراية الوطنية قد تم تحريضه. من جانبه، تأسف رئيس المجموعة البرلمانية لتكتل الجزائر الخضراء يوسف خبابة، عن الأحداث المتسارعة التي مست العلاقات بين دولتين جارتين، يجمعهما تاريخ مشترك، معتبرا أن موقف السلطات المغربية كان متسرعا ولا يليق بدولة جارة، "لا سيما أن مبرراتها واهية"، وذكّر في سياق متصل، بثبات ووضوح موقف الجزائر من القضية الصحراوية، والذي يرتبط بحق الشعوب في تقرير مصيرها، على حد تأكيده. ووصف خبابة التجمهر أمام قنصلية الجزائربالدار البيضاء بغير المقبول، وأنه يعبّر عن خرق للأعراف والقوانين الدولية، كما وصف إقدام شخص على انتهاك حرمة الراية الوطنية بالفعل الخطير؛ "لأنه يمس بالذاكرة وكرامة الشعب الجزائري"، داعيا في ذات السياق السلطات المغربية إلى "الاعتذار وتصحيح الوضع". بدوره، ندّد النائب لخضر بن خلاف عن جبهة العدالة والتنمية، بانتهاك قدسية الراية الوطنية، ووصف هذا التصرف بالطائش، مشيرا إلى أن السلطات المغربية تقوم منذ مدة باستفزاز الجزائر وشعبها، حيث بدأت فعلها باستفزاز الحكومة والمسؤولين، ثم انتقلت إلى استفزاز عموم الشعب الجزائري. كما أكد الكثير من المحللين السياسيين أن الضجة التي أثارها المغرب حول موقف الجزائر الثابت إزاء القضية الصحراوية، مفتعلة لتبرير عجزه في تسيير شؤونه جراء الأزمة التي يعاني منها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، والضغوطات الخارجية لوقف انتهاكاته لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية. ففي هذا الصدد أرجع الأستاذ مصطفى صايشي التحامل المتصاعد للمغرب ضد الجزائر، إلى الإحباطات والإخفاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالمملكة، لاسيما بعد رفع مواد أساسية، وكذا تخوفه من الاضطرابات السائدة في العالم العربي. أما السبب الأخر، حسب نفس المتحدث، فيتمثل في الدعم الذي كسبته قضية الصحراء الغربية على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي، وبشكل خاص الضغوطات التي تمارسها الخارجية الأمريكية والاتحاد الاوروبي على المغرب، لإيجاد آلية أممية لمتابعة ومراقبة اختراقات حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية المحتلة، وكذا ضغط المبعوث الأممي كريستوفر روس من أجل مفاوضات مباشرة بين طرفي النزاع (المغرب وجبهة البوليساريو). كما أشار الأستاذ صايشي إلى مشروع اللائحة الصادرة عن اللجنة الرباعية لتصفية الاستعمار، والتي ناقشت لأول مرة "الاستغلال غير المشروع" لثروات الشعب الصحراوي. ومن جانبه، أوضح الأستاذ عبد العالي رزاقي أن الأسباب الحقيقية التي دفعت المغرب إلى هذا التحامل وسحبه سفيره من الجزائر، ترتبط بتقرير المبعوث الأممي كريستوفر روس والزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى الجزائر قبل المغرب، وكذا الزيارة المرتقبة أيضا للوزير الأول الفرنسي للجزائر والمشاريع الاستثمارية التي يحملها معه. ويتوقع نفس المتحدث أن تكون لحادثة تمزيق الراية الوطنية بعد نزعها من على القنصلية الجزائرية، تداعيات كبيرة في العلاقات بين البلدين، مشيرا إلى أن هذا الفعل يُعد مساسا بسيادة الدولة الجزائرية، "ويصعب على الجزائر أن تنسى هذا العمل، الذي تزامن مع إحياء ذكرى ثورة أول نوفمبر المجيدة". كما أوضح في نفس السياق، بأن تمزيق الراية الوطنية يُعتبر من أخطر المواقف التي تقع بين دولتين متجاورتين، وذلك، حسبه، ما دفع بالجزائر إلى عدم التصعيد؛ تفاديا لأي تداعيات أخرى. بدوره، سجّل الأستاذ محمد برقوق أن ما يقوم به المغرب حاليا إزاء الجزائر ليس بالأمر الجديد، "غير أن الحدة ازدادت هذه المرة". وأوضح أن التحامل الذي يشنه المغرب اليوم على الجزائر يعود إلى الإخفاقات الداخلية بحكم الأزمة التي يعاني منها في مختلف المجالات، وكذا إخفاقاته فيما يخص احتلاله للصحراء الغربية جراء ممارساته اللاأخلاقية إزاء الشعب الصحراوي، إلى جانب التحول السائد داخل الطبقة السياسية في بعض الدول الأوروبية لصالح القضية الصحراوية. من جهته، ندد الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، السيد عمار سعداني، بالاعتداء على مقر قنصلية الجزائربالدار البيضاء وتدنيس العلم الوطني، مؤكدا أن هذا العمل "لا يشرف المغرب". وأوضح السيد سعداني في ندوة صحفية مشتركة مع الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، أن الجزائر والمغرب "بلدان شقيقان لكن ما حصل بقنصلية الجزائر وتدنيس العلم الوطني رمز السيادة أمر لا يشرف المغرب"، داعيا إلى ضرورة التهدئة لأن الأوضاع الحالية في دول الجوار -كما قال- لا تخدم لا الجزائر ولا المغرب .