واحد من بين ثلاثة مصابين بداء الباركينسون من فئة الشباب أكد عدد من المختصين في الأمراض العصبية بقسنطينة تزايد عدد مرضى الرعاش (الباركينسون) لدى فئة الشباب، موضحين بأن إصابة واحدة من ضمن ثلاث إصابات تسجل يوميا و لا يتجاوز عمر صاحبها الأربعين سنة. كما تحدثوا عن مشكلة تذبذب و ندرة بعض الأدوية الأساسية لعلاج هذا المرض المزمن، و ما ينجم عنها من مضاعفات خطيرة، و تأسفوا لعدم تطوّر التدخل الجراحي ببلادنا رغم النتائج الفعالة المحققة في الكثير من الدول. الدكتورة نعيمة طغان من مصلحة الأمراض العصبية بالمستشفى الجامعي بقسنطينة، كشفت بأنها تابعت حتى الآن 200حالة شكل عنصر الشباب فيها نسبة مهمة مقارنة بالسنوات الماضية أين كان من النادر جدا تسجيل أعراض المرض عند من تقل أعمارهم عن 50سنة. و أضافت بأن حوالي 10بالمائة من الحالات المتابعة هم من فئة الشباب ، مشيرة إلى حالات لا يتجاوز سنها ال20سنة. محدثتنا أشارت إلى ارتفاع الإصابة عند الرجال أكثر من النساء،قائلة بأنه من بين 200حالة التي تشرف على متابعتها، يوجد 120 رجلا مقابل 80مريضة. من جهته، أوضح الدكتور أحمد عليوش تزايد عدد المرضى المصابين بالرعاش قائلا بأنه قبل سنة 2010كانت تسجل حالة واحدة في الأسبوع لحاملي أعراض داء الباركينسون ،لكن العدد تضاعف إلى ثلاث حالات في اليوم في السنوات الثلاث الأخيرة. و أضاف بأن المرض لم يعد يسجل عند المتقدمين في السن مثلما في سنوات الثمانينات و التسعينات و إنما طال فئة الشباب ،مؤكدا بأنه يكتشف أعراض المرض عند الشباب بنسبة ثلاث حالات على الأقل في الأسبوع الواحد و هو ما وصفه بالوضع المقلق في ظل نقص إمكانيات التكفل بالمرضى الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة. و ذكرت المختصة عبلة عمرون بأن حالات عديدة تابعتها، كانت ضحية سوء تشخيص أولي لأعراض الباركينسون، مما اضطرها لإخضاعها لتحاليل طبية معمقة لتأكيد إصابتهم بداء الرعاش و ليس بأنواع أخرى تتقارب أعراضها مع أعراض هذا المرض . و استرسلت مؤكدة بأن مرض الرعاش والحركات اللاإرادية غير معروف بالشكل المطلوب لدى الكثير من الأطباء، الشيء الذي يؤخر عملية التشخيص الفعلي، و عليه فإن عددا كبيرا من المرضى يتعرضون لمضاعفات كان من الممكن تجنبها بإخضاعهم للعلاج المناسب. و أجمع الأطباء المختصون الذين تحدثنا إليهم خلال قيامنا بهذا الاستطلاع، بأن نتائج الدراسات و الأبحاث المعدة حول داء الرعاش و أسباب تضاعف انتشاره عند فئة الشباب، أثبتت بأن للعامل الوراثي الدور الأكبر في ذلك، مثلما أكدت الدكتورة نعيمة طغان التي أسرت بأنها أشرفت شخصيا على علاج خمسة أفراد من عائلة واحدة يعانون جميعهم من داء الرعاش الذي يظهر في شكل اضطرابات في النظام الحركي و الناجم عن خسارة خلايا الدماغ المنتجة للدوبامين و من أعراضه الهزاز أو الرجفة في اليد، الذراع، الساق، الفك بالإضافة إلى بطء الحركة و عدم استقرار المصاب في حالة وقوفه و قد يصاب المريض بمضاعفات حرجة بمرور الوقت في حال عدم الخضوع للعلاج المناسب و المنتظم. من بين المضاعفات صعوبة المشي و الكلام و عدم القدرة على إنجاز أبسط المهام، مما يعرّض المريض لحالات نفسية مزرية في مقدمتها الكآبة. و تحدث بعض المختصين عن العامل البيئي في انتشار المرض في أوساط بعض المهن أكثر من غيرها، مؤكدين بأن الفلاحين أكثر عرضة للإصابة بالباركينسون بسبب تضاعف احتمال التعرّض لسموم المبيدات الحشرية، فيما لم يستبعد البعض الآخر تسبب بعض الأدوية في تقليل كمية الدوبامين الطبيعية و بالتالي تزايد احتمال الإصابة. الندرة المتكرّرة للأدوية الحساسة يهدد صحة المرضى اشتكى عدد من المرضى من الندرة المتكررّة لبعض الأدوية الحساسة التي يعتمدون عليها لضمان استقرار حالتهم الصحية، مؤكدين تدهور حالتهم كلما اضطروا لاستهلاك نوع غير الذي تعوّدوا عليه من الأدوية الموصوفة لهم منذ بداية العلاج مثلما أسر لنا المريض عبد المالك خرشي(57سنة)الذي أخبرنا بأن حالته ساءت بعد تغيير طبيبه مرغما دواء "ليفودوبا"بعد اختفائه من الصيدليات بدواء آخر، حيث تعرّض لمضاعفات أهمها تضاعف الرجفة على مستوى يديه و عدم تمكنه من المشي دون مساعدة مرافق من العائلة. نفس الأعراض أكدها عدد من المرضى الذين التقينا بهم بمختلف عيادات المختصين الخواص و كذا مصلحة الأمراض العصبية بالمستشفى الجامعي ابن باديس. لم ينف الأطباء المختصون إشكالية ندرة الأدوية و بشكل خاص "آل دوبا"الذي يعد حسبهم علاجا مرجعيا لمكافحة بطء الحركة بشكل خاص، مما يضطرهم لاستبداله بأدوية أخرى أقل نجاعة و التي لا يتجاوب معها المريض. و قال آخرون بأنهم يفضلون وصف الأدوية المتوفرة بالصيدليات بدل اختيار أدوية يعرف توزيعها تذبذبا مستمرا، حتى لا يساهموا في اشتداد أعراض الرعاش، مؤكدين انعدام علاج فعال للباركينسون و أن كل ما يوجد حتى الآن عبارة عن أدوية تقلل من مشاكل التوازن و تخفف من حدة الاهتزازات أو الرعشة ، و لا ينفون الأعراض الجانبية لأغلب الأدوية، كالهلوسة و التشوّش و بشكل خاص لدى المسنين. و اعترف المختصون أن العلاج الجراحي لا يزال في مرحلته الأولية "البدائية" في الجزائر و أن العلاج بالأدوية هو الأساس و الأكثر شيوعا ببلادنا، رغم خوض التجربة الجراحية بالعاصمة و تحقيقها لنتائج تبعث على التفاؤل، غير أن نسبة العمليات الجراحية المحققة في هذا المجال تبقى غير مشجعة. حيث ذكر الدكتور عليوش بأن أحد مرضاه توّجه مؤخرا للعاصمة على أمل إجراء عملية جراحية، فعاد خائبا لأن الجراح طلب منه إحضار جهاز ضبط الحركة "ستيميلاتور"لعدم توفره بالمستشفى. شهادات مرضى تعايشوا مع داء الرعاش عبد اللطيف (62سنة) الذي التقيناه بعيادة بوحدة الصحة الجوارية بحي سيساوي أين كان بصدد انتظار دوره في الفحص، قال بصوت متقطع بالكاد استطعنا فهمه بأنه تعرّض للكثير من الحوادث التي تسببت في إصابته بكسور بعد تضاعف أعراض داء الرعاش الذي اكتشف إصابته به صدفة عند عيادته للطبيب لأجل الاطمئنان على صحته بعد تكرّر حالة ارتجاف يده اليسرى، و أردف المريض الذي بدا عليه اليأس، بأنه ظن أنه سيتعوّد على حالته و يتقبلها مع الوقت لكنه لم يتمكن حتى الآن من تحقيق ذلك، خاصة بعد تعرضه لكسر على مستوى الرجل اليمنى بسبب فقدانه لتوازنه بينما كان يتنقل من غرفة النوم إلى المطبخ. مضيفا بأنه نجا عدة مرات من حوادث كانت ستودي بحياته بفضل تدخل أبنائه لإسعافه في الوقت المناسب. و ذكرت المريضة (مليكة)صاحبة ال51سنة بأنها اكتشفت إصابتها بالباركينسون السنة الماضية بعد أن شك طبيبها المعالج بإصابتها بأعراض داء ويلسن و هي اليوم لا تستطيع حمل قلم بيدها و كتابة كلمات بسيطة و هي التي عملت أكثر من عشرين سنة في مجال التعليم، و روت لنا و الدموع تحرق مقلتيها بأنها تمنت الموت عندما عرفت بأن الداء ليس له علاجا و أن الأمل في الشفاء شبه معدوم لمثل حالتها. و بينما كنا بانتظار الدكتورة نعيمة طغان بمصلحة الأمراض العصبية بالمستشفى الجامعي ابن باديس، لفت انتباهنا شيخا لم يتمكن من النزول من سيارة ابنه لشدة ارتجاف أطرافه السفلية، و عندما تم إنزاله و إدخاله قاعة الانتظار سألناه عن حالته فرد الشيخ واسمه رشيد بن حمو (67سنة) بأنه تعايش مع مرضه الذي أصابه بمجرّد إحالته على التقاعد من وظيفته كمحاسب بإحدى الشركات العمومية. و أضاف بأنه لم يكن يشك يوما بأنه قد يعاني مثل هذه الأمراض التي لم يكن يعرف عنها الكثير ،لأنه لم يصادف شخصا يعاني هذا المرض المزمن في محيطه، مؤكدا بأنه الأول في العائلة يصاب بمثل هذه الأعراض.