قادة الثورة لم يكونوا فقراء! لا تتعدى المعلومات الشائعة عن قادة الثورة : تاريخ ومكان الميلاد، تاريخ الانخراط في الحزب، أهم المعارك، تاريخ الاستشهاد أو الوفاة. حياة قادة عظماء مختصرة في مجموعة من التواريخ «الكرونولوجية». لماذا لا يؤرَخ لمختلف جوانب حياة قادة الثورة ؟ هل تعدّ الجوانب الاجتماعية، الثقافية والاقتصادية من حياتهم هامشية، مقارنة بالجانبين السياسي والحربي ؟ وهل لقادة الثورة علاقة بالفنون والرياضة مثلا ؟ استطلاع: نورالدين برقادي د. رابح لونيسي: كاتب، أستاذ التاريخ بجامعة وهران هناك رغبة في تحويل رموز الثورة إلى بشر غير عاديين لدرجة تعجيز وعرقلة الإنسان الجزائري للاستلهام منهم يلاحظ الباحث في بيوغرافية رموز وقادة الثورة بأن الكثير من المعلومات الحقيقية عن أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية واهتماماتهم الثقافية والفنية مغيبة إلى حد ما، وشاع بين العامة فكرة انحدارهم كلهم من أسر فقيرة، وهو ليس صحيح على الإطلاق، وهذا لا ينفي الوضع الاجتماعي المتردي لعامة الجزائريين في الفترة الاستعمارية، فلو تتبعنا المسار الاجتماعي للعديد من القادة، وبالضبط الرواد الأوائل الذين أشعلوا فتيل الثورة، والذي يتمثل في عدد محدود نجدهم في وضع اجتماعي لا بأس به مقارنة بالوضع العام للجزائريين آنذاك، فكم واحد يعلم مثلا أن بن بولعيد كان يمتلك حافلات ووالد ديدوش مراد مجوهراتي، وقد تبرع كلاهما بأموالهم للثورة، أما كريم بلقاسم فصاحب أراضي وعبان أبوه من المستوردين للسلع وبوضياف يملك المواشي وكذلك بن مهيدي وآيت أحمد الذين لهما زاوية، بإضافة إلى ممارسة التجارة لأسرة بن مهيدي مما جعل أبوه يرتحل من عين مليلة إلى بسكرة، وينطبق نفس الأمر على جل الذين أشعلوا فتيل الثورة، وأقلهم نجده يمارس مهنة كالحدادة مثل زيغود يوسف، فلا يمكن لنا أن نتحدث عن وضع الجميع في هذه العجالة، لكن لماذا يغيب هذا عند تدريسنا حول هؤلاء ؟ فالسبب الأول يعود إلى بدايات استرجاع الاستقلال وتبني النهج الاشتراكي، فغيب وضعهم الاجتماعي الميسور، كي نقنع الناس بشرعية هذا التوجه وهو الأمر الذي دفعنا في كتابنا "رؤساء الجزائر في ميزان التاريخ" عند حديثنا عن تأميمات بن بلة المبالغ فيها، فقلنا هل لو لم يستشهد هؤلاء سيؤمم بن بلة ممتلكاتهم؟، وهل من المعقول أن يضحوا لطرد فرنسا كي تؤمم ممتلكاتهم فيما بعد؟ ويبدو أن مواصلة ترديدنا لهذه الأكاذيب تختفي اليوم وراءه رغبة بالقول أن المصالح الاجتماعية هي وراء ثورتهم، وليس إيمانهم بالأمة الجزائرية وحبها لدرجة والتضحية بأموالهم وأنفسهم من أجلها، وهو ما يتماشى مع الطرح الاستعماري، والهدف في الأخير هو تبرير ممارسات الإنتهازيين الذين تحركهم مصالحهم وقتل إرادة النضال للإنسان الجزائري من أجل الأفكار والمبادئ والمثل، ومنها الوطنية الحقيقية وليست المزيفة، إضافة إلى تحويل هذا الإنسان إلى مجرد أنبوب للهضم والأكل والبحث عن المصالح الآنية الضيقة، وهو ما يسمح للإنتهازيين بالتموقع بإعطاء فتات لهؤلاء والقضاء على النضال السياسي والتضحية من أجل الأفكار والمبادئ خاصة الوطنية التي تقلق هؤلاء الإنتهازيين. ونجد نفس الأمر حول الوضع الثقافي والفني والرياضي؛ حيث نجد الكثير منهم يحبون الفنون بكل أشكالها مثل بن مهيدي على سبيل المثال لا الحصر الذي يهوى السينما وغناء فضيلة الدزيرية وكذلك ممارسته التمثيل المسرحي وكرة القدم؛ حيث لعب في إتحاد بسكرة ونفس الأمر لدى ديدوش وغيرهم الكثير، لكن يغيب هذا كله عمدا لأن هناك رغبة في تحويل هؤلاء الرموز إلى بشر غير عاديين أي أسطرتهم لدرجة تعجيز وعرقلة الإنسان الجزائري للاستلهام منهم، وكأن ليس بإمكان أي كان أن يكون مثل بن مهيدي أو بن بولعيد أو عبان وغيرهم، وتختفي وراءها رغبة لا شعورية للتصغير من جزائريي بعد استرجاع الاستقلال ثم القول أنهم غير راشدين كي يبرر التحكم فيهم وتبرير مقولة أنه غير ناضج لنظام ديمقراطي مثلا أو حكم نفسه بنفسه، كما نجد البعض يعتبرون الفنون مجرد تسلية، وليست وسيلة توعية، ولهذا يستغربون إهتمام هؤلاء الأبطال بذلك، كما نجد تيارا أيديولوجيا ضد الفنون، فيخفي ذلك عن هؤلاء الرموز كي يسترجعهم فيما بعد ويوظفهم كرأسمال رمزي بتزوير التاريخ طبعا. محمد الصالح ونيسي: كاتب، مذيع على المؤرخين التنقيب عن الجزئيات في حياة قادة الثورة كنت قد أشرت، سابقا، إلى قلة المؤرخين المختصين عندنا وإلى أن أغلب المتواجدين على الساحة هم إخباريون. صحيح أن البيئة الثقافية والاجتماعية للطفل هي التي تجعل منه رجل المستقبل. فطفولة أدولف هتلر وصدام حسين هي التي غرست في نفسيهما العقد النفسية التي قادتهما فيما بعد إلى تقمص شخصية الدكتاتور المتعطش للدماء. أما قادة الثورة فيختلفون عن ذلك لكونهم ترعرعوا في بيئة جد قاسية بسبب الاستعمار. ولكن تاريخ الثورة ليس سوى مرآة أو خلاصة لمئات الثورات الممتدة على عدة قرون. وإن من أهم خصائص المجتمع الأمازيغي هي القبلية الضيقة. التنازع في أوقات السلم والاتحاد في أوقات الحرب والخطر. وعندما تنتهي الحرب ضد العدو الخارجي يعود كل شيخ قبيلة إلى قبيلته وتعود القبائل إلى نزاعاتها المزمنة. فمنذ العصور الوسطى كان تمرد القبائل على الدول القائمة في "ثامازغا" هو السمة الغالبة. وبما أن شعار الدولة المركزية ممثلة في السلطان هو شعار الدولة الدينية (أمير المؤمنين، سلطان المسلمين) فقد كان قادة الثورات في الغالب شيوخ قبائل وأسباب الثورة سياسية مادية كتوسع القبيلة ورفض دفع الضرائب. ولكن بمجرد ضعف الدولة أو سقوطها استند الكثير من الثوار إلى الدين وخاصة في العهد التركي؛ حيث برزت للوجود زوايا وطرق دينية يتزعمها شيوخ يثورون باسم الدين. أما في الفترة ْالاستعمارية، فقد استمرت المقاومة باسم الطرقية (الأمير عبد القادر، بوعمامة، الشيخ الحداد، أولاد سيدي الشيخ..) إلا أن أغلب أحفاد هؤلاء الشيوخ خضعوا للسيطرة الفرنسية بعد أن تيقنوا من عدم جدوى المقاومة. إلا أن جمرة الثورة لم تزل متقدة في أوساط الشعب. وانتقلت من شيوخ الزوايا إلى الأفراد البسطاء متوسطي التعليم والمدارس الابتدائية الفرنسية خلال ثورة أول نوفمبر. أي أن جل قادة الثورة خرجوا من طبقات الشعب الكادحة، فلاحين وتجار وحرفيين وعمال. بمعنى أنهم كانوا يعانون مثل عامة الشعب من الظلم والقهر الاستعماري. هذه المعاناة هي القاسم المشترك لكل قادة الثورة. فعندما ندرس مثلا حياة بوالصوف وبن طوبال وبن بوالعيد وعمر أوعمران وكريم بلقاسم وزيغود يوسف وبن عودة وبيطاط، وهم أبرز قادة الثورة نجد أنهم لجأوا جميعا في أوائل الخمسينيات إلى جبال الأوراس وجبال القبائل هروبا من ملاحقة السلطات الفرنسية. هذا اللجوء هو القاسم المشترك بينهم. فمن الطبيعي أن يهيئوا لاندلاع الثورة ويصبحوا من قادتها الأوائل. هذه هي السمة العامة لحياة قادة الثورة. ولكن هذا لا يمنعنا من دراسة الحياة الخاصة لكل قائد على حدة للتعرف على الجوانب الفرعية الأخرى التي دفعت بهم إلى الانخراط في الثورة والتضحية من أجلها. واعتقد أن انتشار الثورة على كافة القطر الجزائري خلافا للثورات السابقة يعود بالأساس إلى تخلص قادة الثورة من عقدة القبيلة وذلك بفضل احتكاك معظمهم بالنقابات العمالية في الهجرة بفرنسا واستفادتهم من النضال السياسي والنقابي في تلك الديار (بن بوالعيد، عميروش، بوضياف، كريم بلقاسم...) وكذلك استخلاصهم الدروس من الحرب العالمية الثانية وحرب الهند الصينية. إذ اطلع الكثير منهم كمجندين على قيمة وقدسية حرب التحرير والتضحيات التي يجب أن تدفع ثمنا لها. فعلى المؤرخين أن ينقبوا عن هذه الجزئيات - التعليم بشقيه العربي والفرنسي- وكذا حياة الهجرة والعمل بفرنسا. وخاصة التعليم الفرنسي لتتمكن الأجيال من التعرّف على شخصية هؤلاء القادة العظام والاطلاع على سر نجاح الثورة والتضحيات الجسام. صالح لغرور: مهتم بالتاريخ، له كتاب مخطوط حول الشهيد عباس لغرور الأصول الاجتماعية لعبت دورا في تحديد شخصية القائد إن حياة قادة الثورة في جوانبها الاجتماعية والثقافية لا تقل أهمية عن الجانبين السياسي والعسكري، فهي التي تحدد معالم شخصية القائد بكل أبعادها: وهي مساره في الوسط الطبيعي أي العائلي والاجتماعي. إن مرحلة الطفولة والمراهقة هما أساس مكونات الفرد، فمن خلالهما تحدد الشخصية الكاملة للبطل. لماذا أهملت هذه الجوانب ؟ يعود هذا الإهمال حسب تقديري إلى عوامل سياسية واجتماعية، فبالنسبة للسياسية، فإن تأثير سياسة الحزب الواحد، الذي كان يدعي أن هناك بطل واحد هو الشعب، أدت إلى التركيز على الجوانب العملية أو الميدانية المحدودة أو المحددة للبطل، وهذا في مجال لا يتعدى بداية ونهاية ثورة التحرير. كما أن الصراع من أجل السلطة أثناء وبعد الثورة أدى بالسلطة بعد الاستقلال إلى تهميش البعض من قادة الثورة والاستنقاص من قيمة آخرين بهدف الحفاظ على "شرعيتها الثورية" لتتمسك بزمام الحكم. أما الجانب الاجتماعي، لهذا الإهمال فقد يكون؛ التقديس المفرط لأبطال الثورة لأن التعرض لحياتهم الاجتماعية والثقافية يجعل منهم أشخاصا عاديين عند العامة، كما أن شخصية البطل مستمدة أساسا من صفته كمجاهد وبالتالي تتمحور الأبحاث حول هذه الصفة. بالإضافة إلى أن مجتمعنا هو مجتمع محافظ لا يقبل التعرض إلى ما يعتبره أمورا شخصية ليس من الضروري كشفها، كما توجد عوامل أخرى حسب اعتقادي هي أن هذا النوع من الكتابات (بيوغرافيا) يعد نسبيا جديدا بالنسبة لمجتمعنا بمن فيهم الكتّاب، إن التعرض إلى التفاصيل الدقيقة لحياة أبطال الثورة يتطلب جهدا كبيرا وتقصي دقيق وهذا للأسف غير متوفر عند الباحثين، نظرا لظروف مختلفة من بينها قلة الاعتبار من طرف الدولة والمجتمع للعمل الثقافي الذي هو أساس بناء كلا من الدولة والمجتمع. صلاح الدين تيمقلين: كاتب، أستاذ التاريخ متقاعد الكثير من قادة الثورة كانت أوضاعهم الاجتماعية حسنة إن سِجل قادة الثورة الجزائرية ورجالاتها حافل بالأعمال الجليلة التي كانت السبب الأساسي الذي دفع بكثير من الشباب إلى الانضمام إلى صفوف الثوار، هذه الأعمال والنشاطات التي كانت محل احترام وتقدير من قبل الجميع، بل وكشفت أراجيف العدو وأكاذيبه حول الثوار الأوائل الذين عدهم من قطاع الطرق الفقراء والبؤساء والجهلة الذين دفعتهم أوضاعهم الاجتماعية المزرية والثقافية المنعدمة إلى الانتقام من فرنسا والخروج عن قوانينها، وأدرك أن الكثير من هؤلاء القادة كانت أوضاعهم الاجتماعية حسنة إن لم نقل جيدة وبإمكانهم أن يعيشوا في ظل ما يملكونه أكثر رفاهية من المستوطنين أنفسهم إلا أن نداء الواجب كان أكثر تأثيرا من نداء حياة الدعة والاستكانة. فالشهيد مصطفى بن بولعيد أول ما فكر فيه وهو يخوض مجال مقاومة الإدارة الاستعمارية في الأوراس هو العمل الإصلاحي حيث انخرط ضمن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وأسس جمعية دينية كان على رأسها وقد شيّد مسجدا في آريس، ثم اتصل بالشيخ البشير الإبراهيمي ليساعده على تأسيس مدرسة في آريس على حسابه الخاص خدمة لأبناء المنطقة لتكون لهم منارة إشعاع وتنوير . وكان له الفضل الكبير في القضاء على النعرات القبلية التي كانت مستعرة في منطقة الأوراس قبل الثورة، وقد علم أن أي عمل ثوري في المنطقة مآله الخيبة والفشل إذا ما بقيت هذه الأوضاع على حالها خاصة وأن فرنسا كانت تشجع على بقائها، وبفضل حنكته وحكمته ومنزلته بين مختلف الأعراش استطاع أن يعقد الصلح بين الجميع. وتبقى حادثة الهروب من سجن الكدية بقسنطينة دليلا قاطعا يؤكد فعلا على تلك الشخصية المتوازنة المؤمنة بالصبر واليقين، المسلحة بالحكمة ورجاحة الرأي التي لا تهزها المتغيرات ولا تؤثر فيها الأحداث، حيث لما جاء وقت الهروب وبدأ الجميع يستعد لاستقبال الحرية من جديد وإذ بآذان المغرب يصدح في الفضاء غامرا سماء قسنطينة وأزقتها الضيقة ماسحا عنها ذل نهار استعماري طويل، توقف القائد برهة متمتما رافعا كفيه إلى السماء متضرعا لربه، كانت عيون المجموعة كلها مسمرة عليه مندهشة مما يفعله في هذا الوقت والموقف الحرج الذي هم فيه، الكل يفكر ويتساءل هل سنهرب فعلا ؟ هل سينجح الهروب ونتحرر من جديد ؟ وكم كانت دهشة المجموعة عندما أمر القائد بأن يتوقف كل شيء حتى تقام صلاة الجماعة وكان إمامها، ولسان حاله يقول: بعد الصلاة يجعل الله لنا مخرجا ... وفعلا نجح الهروب الكبير بعد أداء صلاة المغرب جماعة بفضل الإيمان بالله وبالوطن وبالقضية العادلة ... وإذا ذكرنا البطل الشهيد عباس لغرور الذي أفزع فرنسا وقض مضاجع قواتها وأدخل الرعب في قادتها وجنرالاتها، فإن الوجه الآخر للرجل يعكس مدى طيبته وسمو أخلاقه الدمثة المستمدة من دينه وبيئته وعاداته وتقاليده، حيث يصفه الطاهر زبيري بالرجل القائد المجاهد والمخلص، ذو الأخلاق السامية، يسمع أكثر مما يتكلم، بصوته الهادي الذي يدل على الرصانة والحكمة، كان يؤدي صلاته في وقتها... ويستطرد "...ولقد رأيته يصلي جالسا عندما كان مصابا بجروح في الجبل الأبيض ...". ويشير الرائد عثمان سعدي إلى ورع الرجل وزهده في الدنيا في حادثة يرويها يقول: خرجنا من معركة ذات مساء وكنا جوعى، وإذا براعي غنم يمر من أمامنا، فطلبنا منه أن يذبح لنا خروفا ففعل، فأيقظنا عباس لغرور ليشاركنا في المأدبة، إلا أنه رفض أن يأكل من لحم لم يدفع ثمنه ... صحيح أن الثورة الجزائرية كغيرها من الثورات اتسمت بالجدية والصرامة والانضباط والطاعة العمياء، غير أن الاستثناء كان دائم الحضور، فمن طرائف القادة ما يروى أن الحاج لخضر أمر ذات يوم جنده بالصلاة وكان الوقت عصرا، فانتظم الجميع إلا جنديا واحدا كان لا يؤدي الصلاة اقترب منه وبصعوبة جمع أطراف جملته وقال له: سيدي سأقوم بالحراسة بينما انتم تصلون. فصاح في وجهه: اذهب لتتوضأ والحق بنا لتصلي. بعد انقضاء الصلاة سأله بعض الفضوليين ممازحا: ما ذا قرأت في صلاتك ؟ قال: من شدة خوفي كنت أكرر الله أكبر... الحاج لخضر في الركوع والسجود! وربما هذا ما يدفعنا إلى طرفة أخرى ساقها الشاذلي بن جديد في مذكراته حول العقيد ناصر محمدي سعيد تبرز مدى ارتباطه بالعالم الإسلامي خاصة القضية الفلسطينية؛ حيث يقول: زارنا في المنطقة الأولى العقيد ناصر وجمعنا له الجنود ليخطب فيهم... بعد خطابه الحماسي الذي ألهب مشاعر الجنود ختم بقوله: .. تحيا الجزائر.. تحيا الثورة.. يحيا المجاهدون.. ثم صرخ بأعلى صوته: يحيا ربي ! وأضاف: لقد اتفقت مع مفتي فلسطين الحاج الحسيني أننا بعد تحرير الجزائر سنحرر فلسطين ... أما البطل بن مهيدي فقد برزت شخصيته في عدة ميادين، وذلك منذ انتسابه إلى مدرسة التربية والتعليم التابعة لجمعية العلماء المسلمين ببسكرة، وهذا ما يؤكده أستاذه ومعلمه الشيخ علي مغربي قائلا: "... وقد برزت شخصية بن مهيدي في هذه المرحلة التي عاشها في مدينة بسكرة، هذه الشخصية التي طبعت بالتنوع في النشاط، والتعدد في المواهب والهوايات. فبالإضافة إلى تعلقه بالفن الكشفي... كان لاعبا في الاتحاد الرياضي البسكري ... ومدمنا على مطالعة الكتب باللغتين... واشترك في تمثيل رواية في سبيل التاج عام 1944 ... فمثل دور البطل فيها، فأتقن دوره وأداه على أكمل وجه، وكأنه أحد المختصين في فن التمثيل... وكأن الأقدار كانت تهيئه ليمثل دورا بطوليا في عالم الواقع النضالي على مسرح بلاده ...". وكانت للقائد عميروش نشاطات في العديد من المجالات الاجتماعية، برزت في خمسينيات القرن الماضي أي قبل اندلاع الثورة التحريرية، حيث يؤكد الشيخ أحمد حماني أن نشاطاته الإصلاحية بدأت من فرنسا؛ حيث كان يرأس شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بباريس القسم 15 وكانت تربطه علاقات وطيدة بالشيخ العربي التبسي وبالشهيد الشاعر الربيع بوشامة. ويضيف أبو القاسم سعد الله اعتمادا على جمال قنان أن عميروش: كان من المدافعين على القيم العربية الإسلامية والمنادين بنشر التعليم العربي بين الشباب، وقد قام بإرسال العديد من البعثات إلى تونس لتحقيق هذا الغرض، غير أن عملية إرسال البعثات إلى تونس وبعض البلدان العربية كانت مكلفة سواء في عملية التنقل أو الاستقبال أو الإيواء، لذلك قرر القيام ببناء مدرسة حرة بماله الخاص في قنزات ولاية سطيف. ولو حاولنا تتبع حياة أبطال الثورة الجزائرية تتبعا يوميا لأدركنا الأسباب الحقيقية التي أدت إلى نجاحها واعتراف العالم بها رغم الظروف التي كانت كلها معاول هدم لما كان يقوم ببنائه الثوار آنذاك، فسلوكيات الثوار تجاه الشعب واقترابهم منه دفع بالجميع إلى التضامن والتوحد لمواجهة عدو الجميع، وقد تفطن لهذه المعادلة السلوكية جميع القادة، ألم يقل العربي بن مهيدي: "ارموا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب".