الغديوي: الجزائر ما تزال معقلا للثوار    مولودية وهران تسقط في فخ التعادل    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    جبهة المستقبل تحذّر من تكالب متزايد ومتواصل:"أبواق التاريخ الأليم لفرنسا يحاولون المساس بتاريخ وحاضر الجزائر"    الجزائر تحتضن الدورة الأولى ليوم الريف : جمهورية الريف تحوز الشرعية والمشروعية لاستعادة ما سلب منها    المحترف للتزييف وقع في شر أعماله : مسرحية فرنسية شريرة… وصنصال دمية مناسبة    تلمسان: تتويج فنانين من الجزائر وباكستان في المسابقة الدولية للمنمنمات وفن الزخرفة    مذكرات اعتقال مسؤولين صهاينة: هيومن رايتس ووتش تدعو المجتمع الدولي إلى دعم المحكمة الجنائية الدولية    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي عائلة الفقيد    قرار الجنائية الدولية سيعزل نتنياهو وغالانت دوليا    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة الصحفي محمد إسماعين    التعبئة الوطنية لمواجهة أبواق التاريخ الأليم لفرنسا    الجزائر محطة مهمة في كفاح ياسر عرفات من أجل فلسطين    الجزائر مستهدفة نتيجة مواقفها الثابتة    مخطط التسيير المندمج للمناطق الساحلية بسكيكدة    حجز 4 كلغ من الكيف المعالج بزرالدة    45 مليار لتجسيد 35 مشروعا تنمويا خلال 2025    47 قتيلا و246 جريح خلال أسبوع    دورة للتأهيل الجامعي بداية من 3 ديسمبر المقبل    تعزيز روح المبادرة لدى الشباب لتجسيد مشاريع استثمارية    نيوكاستل الإنجليزي يصر على ضم إبراهيم مازة    السباعي الجزائري في المنعرج الأخير من التدريبات    سيدات الجزائر ضمن مجموعة صعبة رفقة تونس    البطولة العربية للكانوي كاياك والباراكانوي: ابراهيم قندوز يمنح الجزائر الميدالية الذهبية التاسعة    4 أفلام جزائرية في الدورة 35    "السريالي المعتوه".. محاولة لتقفي العالم من منظور خرق    ملتقى "سردية الشعر الجزائري المعاصر من الحس الجمالي إلى الحس الصوفي"    الشروع في أشغال الحفر ومخطط مروري لتحويل السير    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    السلطات تتحرّك لزيادة الصّادرات    بورصة الجزائر : إطلاق بوابة الكترونية ونافذة للسوق المالي في الجزائر    إلغاء رحلتين نحو باريس    البُنّ متوفر بكمّيات كافية.. وبالسعر المسقّف    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    مجلس حقوق الإنسان يُثمّن التزام الجزائر    مشاريع تنموية لفائدة دائرتي الشهبونية وعين بوسيف    اللواء فضيل قائداً للناحية الثالثة    المحكمة الدستورية تقول كلمتها..    المغرب: لوبي الفساد يتجه نحو تسييج المجتمع بالخوف ويسعى لفرض الامر الواقع    الأمين العام لوزارة الفلاحة : التمور الجزائرية تصدر نحو أزيد من 90 بلدا عبر القارات    دعوى قضائية ضد كمال داود    تيسمسيلت..اختتام فعاليات الطبعة الثالثة للمنتدى الوطني للريشة الذهبي    الخضر مُطالبون بالفوز على تونس    الشباب يهزم المولودية    سباق الأبطال البليدة-الشريعة: مشاركة أكثر من 600 متسابق من 27 ولاية ومن دول اجنبية    وزيرة التضامن ترافق الفرق المختصة في البحث والتكفل بالأشخاص دون مأوى    النعامة: ملتقى حول "دور المؤسسات ذات الاختصاص في النهوض باللغة العربية"    العدوان الصهيوني: الأوضاع الإنسانية في غزة تزداد سوء والكارثة تجاوزت التوقعات    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهل الاختصاص يحاكمون "زبانا" مرّة أخرى
بعدما قال المخرج كلمته سينمائيا
نشر في الفجر يوم 02 - 09 - 2012

شغل الفيلم السينمائي الموسوم ب"زبانا"، منذ ما يزيد عن أربع سنوات اهتمام أهل الاختصاص من سينمائيين وكتاب ونقاد، وحتى المشاهدين الذين كان البعض منهم يطمح ليشاهد بطل المقصلة "زبانا"، على شاشات السينما واحتفل هؤلاء منذ أيام بهذا العمل الذي خرج إلى النور على يدّ المخرج السينمائي سعيد ولد خليفة وسط ذهول كل من تابع العمل الذي لم يرق حسبهم إلى تطلعات الذاكرة التاريخية لأحد أهم رموز الثورة الجزائرية. وللحديث عن هذه التجربة نحاول في عدد اليوم من الملحق الثقافي تسليط الضوء على الفيلم..
عزالدين ميهوبي: "ضرورات فنية حتّمت عليّ الإشارة إلى بعض الوقائع التاريخية"
كان العمل بيني وبين المخرج سعيد ولد خليفة منسقا طيلة أربع سنوات كاملة، حيث كنا نحذف بعض الأشياء التي لا تتناسب والعمل كما كنا نضيف بعض الأشياء الأخرى التي كنا نراها تناسب أحداث الفيلم، إلى جانب توظيف معلومات كانت مبنية على مصادر دقيقة، وبالتالي طبيعي جدا أن يتعرض السيناريو الذي كتبته إلى تقليص في حجمه من طرف المخرج سعيد ولد خليفة، لأنه أدرى بعمله، بالإضافة إلى كون مختلف السيناريوهات التي تكتب في السينما العالمية تشهد مثل هذه العملية، لأنه لا يمكن أن تنجز فيلما سينمائيا طويلا دون أن تقوم ببعض الضرورات الفنية عليه، كما أن المهرجانات السينمائية لا يمكن أن تقبل بمشاركة أفلام طويلة جدا يتعدى زمنها ساعتين أو ثلاثا، لذا ركزنا في فريق العمل على ما يخدم الفيلم مع استعمال إشارات دلالية لبعض الأحداث. وأنوه فقط إلى أن المخرج ولد خليفة كان أمينا في نقل ما اتفقنا عليه أثناء مراجعة العمل، بالمقابل يفهم البعض أن العمل من نوع الحربي، وبالتالي يحب أن يحمل الكثير من الأحداث، لكن بالنظر إلى الجوانب الفنية التي تستخدم في الإخراج، يتوجب علينا تبديل بعض الوقائع بصورة أو إشارة ما، إضافة إلى أننا ركزنا على جوانب مهمة في الجزائر خلال الثورة، منها دور محامي جبهة التحرير الذي لم يتطرق إليه في أعمال تاريخية سابقة، على غرار ظهور شخصيات سياسية فرنسية لأول مرة في فيلم جزائري له صلة بالجزائر وفرنسا، وصورنا كذلك المحاكمة بدقة وهي المحاكمة التي تدين جرائم الاستعمار في حق الجزائريين، أبرزنا الحياة داخل السجن وكيف كانت المعلومة تصل إلى المساجين الجزائريين بداخله، وكذا التعذيب، ناهيك عن إيمان الناس بالقضية، بينما في البداية تناولنا الهجوم على بريد وهران سنة 1949، بيان أول نوفمبر، كما أخذنا محطات مهمة عن حياة المناضل الشهيد أحمد زبانة ومسار الثورة الجزائرية بصفة شاملة، دون التركيز على شخصية زبانة فقط، على صعيد آخر أردنا تقديم تجربة مغايرة في السينما الجزائرية هدفها الوصول إلى المتلقي غير الجزائري أي العربي والأجنبي، وهو ما كان بالفعل حيث تم اختيار الفيلم للمشاركة في عدة مهرجانات دولية. بالمقابل يبقى مسار "زبانا" المناضل الشهيد يختلف تماما عن باقي الشهداء كبن بولعيد والعربي بن مهيدي أو عميروش، فالبحث في سيرته يتطلب بذل مجهود ووقت أكبر ومصادر معلومات لأنه مناضل وشخصية صامتة تكاد تكون غير معروفة، عكس الباقي الذين بإمكاننا تأليف مجموعة من الأفلام على شخصية واحدة فحسب، لهذا أؤكد بأن العمل جاء وفق معلومات مستقاة من مصادر حقيقية وصحيحة من أجل أن نحافظ على حقيقة الثورة دون تحريف أو تزييف وهو ما نرفضه جملة وتفصيلا.
شافية بوذراع: فيلم "زبانا" يدين جرائم الاستعمار
شخصيا أرى أنّ الفيلم الذي يتعلق بالشهيد "زبانا"، هو عمل سينمائي يحكي قصة شعب وقصة وطن، كما يتطرق إلى عادات الشعب الجزائري إبان الاستعمار، حيث لامس فيه النص بشكل جيد جوانب عديدة للرواية التي سرد السيناريو الخاص بها عز الدين ميهوبي، وبالتالي أعتبره جيدا ومميزا لأنه يصور تلك الفترة بجمالية كبيرة وتصوير جميل، لذا أعترف بأن الفيلم استطاع أن يزعزعني ويهز نفسي لاسيما من خلال معالجته للمحاكمة وإبراز مدى فظاعة جرائم المستعمر الفرنسي في حقنا، وأدعو في هذا الإطار إلى المطالبة باسترجاع أرشيفنا الذي يضيع بين أيدي فرنسا، من جهة أخرى أرى بأن ما جسده الممثلون من الشخصيات التي أدت دور البطولة وأدوارا ثانوية أخرى أنهم كانوا في المستوى لأنهم ركزوا على عملهم جيدا وأدوه بإتقان نابع من الإيمان بالقضية، وأشير فقط أنه لا يمكنني توجيه نقد للفيلم فهذا أمر لا يخصني بل يتعلق بالمخرجين والمنتجين، أما شخصية زبانا فهو واحد من بين مليون ونصف مليون شهيد تم تنفيذ عليه حكم الإعدام بكل وحشية وفظاعة. يروي قصة تندرج تحتها مئات القصص عن التعذيب والتنكيل الذي طال الشعب الجزائري.
فيصل مطاوي:
"تبريرات المخرج عن قصة العمل غير كافية"
أعتقد بأن فيلم "زبانا "للمخرج السعيد ولد خليفة، حاول أن يعطي نظرة لأول وطني جزائري تم إعدامه بالمقصلة، غير أنه لم يتطرق بشكل مفصل كيف انضم الشهيد "زبانا" إلى الحركة الوطنية وكذا كيفية دخوله إلى السجن، حيث بدأ الهجوم على بريد وهران سنة 1949 من دون تفاصيل كثيرة توضح ذلك وغيرها، لذا أعتبر في هذا الإطار أن المخرج ولد خليفة رغم تبريراته التي كانت غير كافية إذ تحجج بقوله أن الفيلم حاول أن يؤكد على ضرورة العودة إلى حرب التحرير والوقت الذي قال عنه بأنه ليس بالإمكان التطرق إلى كل التدقيقات وعمر الفيلم لا يتعدى الساعتين، ولذلك وكرد على هذه الحجج أقول بأن السينما لا تكتب التاريخ، أم أنه يعطي فكرة مقتضبة عن شخصية مثل أحمد زبانا، فهذا غير كاف، وبالتالي كان من الأفضل في رأيي الحديث عن عائلته وكيف هو وضعها المعيشي والاجتماعي وغيرها من الأحداث التي كان يجب التطرق إليها، وهذا ما انعدم في الفيلم مع الأسف، كما أنه لم يسلط الضوء ولم يمجد بطولة هذا الشخص الشهيد؛ حيث لم نجد صورة تندرج ضمن إطار تمجيد البطل، حيث أتى مخرج العمل على ذكره وكلام بعض الشخصيات التاريخية على أنهم أناس عاديون غرار الشيخ زعموم.يحاكمون"زبانا" مرّة أخرى
شغل الفيلم السينمائي الموسوم ب"زبانا"، منذ ما يزيد عن أربع سنوات اهتمام أهل الاختصاص من سينمائيين وكتاب ونقاد، وحتى المشاهدين الذين كان البعض منهم يطمح ليشاهد بطل المقصلة "زبانا"، على شاشات السينما واحتفل هؤلاء منذ أيام بهذا العمل الذي خرج إلى النور على يدّ المخرج السينمائي سعيد ولد خليفة وسط ذهول كل من تابع العمل الذي لم يرق حسبهم إلى تطلعات الذاكرة التاريخية لأحد أهم رموز الثورة الجزائرية. وللحديث عن هذه التجربة نحاول في عدد اليوم من الملحق الثقافي تسليط الضوء على الفيلم..
جمعها: حسان مرابط
نبيل حاجي*: "زبانة".. فيلم بدون "روح" سينمائية
من الواجب في البداية أن نحيي الجهد الكبير لكل من الكاتب عزالدين ميهوبي والمخرج سعيد ولد خليفة، بحثا وتنقيبا في إعداد هذا الفيلم التاريخي عن شخصية زبانة، كما أود أن أنوه بمساهمة المؤسسات الرسمية في دعمها الكبير جدا للسينما وهي تتطرق إلى الذاكرة والتأريخ لمحطات مهمة من تاريخ حرب التحرير.. شاهدت الفيلم مرتين حتى أعمق فهمي للخلل الكامن في سرده وبنائه الدرامي، فرغم الإمكانيات المتوفرة لهذا العمل؛ إلا أنني أعتقد فيما شاهدته أن موطن ضعف فيلم "زبانة" يكمن في أن كلا من ميهوبي وولد خليفة تورطا في البحث التاريخي والمصادر القليلة عن شخصية زبانة الذي عاش أياما بعد اندلاع الثورة، وأهملا الحياكة السردية والبناء البصري.. التي يتطلبها أي فليم سينمائي، وهو الذهاب بالمتفرج في أجواء من السحر يعانق الحقيقة (..) المتطرق إليها.. وإذا قال ميهوبي أن الفيلم 80 بالمائة منه حقيقة تاريخية ومستقاة من مؤلفات وشهادات.. فإن هامش الخيال في "زبانة" الفيلم غيب ولم يتمكن ولد خليفة المخرج بما توفر لديه من إمكانيات (ممثلين وتقنيات حديثة وطاقم فرنسي مؤهل) من ضخ الروح والجاذبية السينمائية في الساعة والأربعين دقيقة، مدة العمل، ونحى في اتجاه التوثيق شديد الارتباط بالمادة التاريخية (..) وجاء الفيلم من خلال مجموعة لوحات "بيداغوجية"، غاب عنها التناسق والانسجام السردي، وهذا في اعتقادي خلل في بنية السيناريو عموما (رفض السيناريو من طرف لجنة القراءة للمركز السينمائي الفرنسي) وهذا يتجسد في أننا كمتلقين؛ لم نلامس روح ووجدان "زبانة" في رحلته النضالية والحربية وفي دهاليز السجن.. والمحاكمة ولم نقترب من تفاصيله ونحن نعلم مسبقا وفي ثنايا الفيلم أنه سيعدم، كما أن أجواء أشهر سجن في الجزائر أثناء فترة الاحتلال "سركاجي" لم نشعر بها طيلة العرض الذي كان رمزا للموت والتعذيب والخوف والنضال أيضا.. ناهيك عن مشاهد كان من الممكن أن يستغني عنها ولد خليفة (زوجة علي زعموم في القبائل مثلا)..
أخيرا يمكن أن أقول أن فيلم "زبانة" صيغ في جوهره وبنائه للمتلقي الفرنسي (..) حيث أن أغلب المشاهد التي شخصها فرنسيون كانت منفذة بحرفية ومتقنة.. وهذا في اعتقادي تنازل ذهني لأصحاب الفيلم في مغازلة الآخر ومحاولة (..) محاكمته تاريخيا وليس سينمائيا، وهذا يبتعد عن دور السينما تقديم "الفرجة والفكرة" معا... ويمكن وصف فيلم زبانه أنه عمل بدون "روح"، بارد لا حرارة إنسانية ولا دينامكية سينمائية يمكن أن تأخذ المتفرج إلى وجدان هذا الشهيد وتجعله رمزا للتضحية في عيون الأجيال الحالية.. والمقبلة
إعلامي وناقد سينمائي
سمير مفتاح: "فيلم زبانا" أعدم الشهيد مرة ثانية
لقد شاهدت الفيلم كاملا وكان بعيدا كل البعد عن تصورنا كجزائريين عن الشهيد الذي ارتعدت مقصلة المستعمر في وجهه، فعلى الصعيد التقني كان الفيلم رائعا، أي من ناحية الصوت والصورة والمناظر والمشاهد، أما تاريخيا وفنيا ففي رأيي لقد أعدمنا الشهيد مرة ثانية من خلال هذا العمل، فالسيناريو يبدو استعجاليا وكذا الحوار الذي بدا مفرغا، أما تركيب المشاهد وتسلسل الأحداث فكان متناقضا.. وحتى مشاهد السجن بينت سجناءنا من المجاهدين والشهداء في بعض المشاهد وكأنهم في رحلة استجمام لا أكثر ولا أقل، لست ناقدا سينمائيا لكن هذا الفيلم أعتقد بأنه شوه النظرة التي نملكها عن الشهيد والتي حفظناها عن الشاعر الراحل مفدي زكريا ونتمنى فقط من المسؤولين عن العرض أن يدرسوا جيدا قرار عرضه للجمهور الكبير وخاصة جيل الاستقلال.

فيلم "زبانا" يبرئ فرنسا من دم الشهيد !
فرنسا لم تقتل زبانا.. تخيلوا أن تكون تلك هي رسالة فيلم نصف قرن من الاستقلال، نعم كما قلت، فرنسا لم تقتل أبدا البطل الذي يعتبر واحدا من مفاخر الثورة الجزائرية والذي ظل يلهب مشاعر حب الوطن في قلوبنا منذ الصغر، لكن يبدو أن للسيناريست عز الدين ميهوبي رأيا آخر في الموضوع يعرضه علينا لأكثر من ساعة ونصف الساعة، محاولا إحياء سيرة حياة البطل، لكن يختمها الكاتب بمشهد عنوانه "فتش عن القاتل، القاتل ليس فرنسا" !!
تبدأ القصة بسرد العديد من العلاقات المترابطة بين الثوار وفرنسا الاستعمارية وبين النظام والفوضى إلى حد الاختلاف على سيجارة، بينما يتفق الآخرون على احترام وطنهم ولا شيء يعلو في سماء الفيلم؛ إلا علم فرنسي بينما غاب تماما العلم الجزائري عن جميع المشاهد، دقة ملاحظة قد نتهم بسببها بالمزايدة في نقد الفيلم، لذا دعنا نحاول أن نرصد أخطاء الفيلم التاريخية ونترك التقنية منها للخبراء؛ فإن كانت مقصودة فتلك كارثة وإن كانت عن جهل فنحن نريد أن نعرف ميزانية هذا العمل الذي يريد أن يخلد مسيرة نصف قرن من الاستقلال.
هل قتلت فرنسا زبانا ؟ سؤال من المفروض أن الفيلم لم يأت ليبحث عن إجابة عنه ونحن نعلم أن فرنسا سرقت الجزائر لعقود من الزمن، بعد أن عذبت وقتلت وشردت وقامت بقطع الرؤوس بالمقصلة ولكن بالقانون والنظام وفق مبدأ "وشاورهم في الأمر"، هذا ما يوضحه فيلم زبانا، الذي تحركت فيه المقصلة باتجاه رأس أول مجاهد جزائري بأمر شخصي من مأمور السجن قد يحاسب عليه بأنه سلوك فردي من فرنسي قاتل ومخالف للأوامر، ولكن لا يمكن أن تحاسب فرنسا أبدا على مقتل زبانا؛ حيث لم تصدر أمرا بقتل زبانا، بعد أن علقت المقصلة مرتين بأمر "رباني" ولكنها لم تتحرك المرة الثالثة بأمر "الرئاسة الفرنسية" التي لم ترد على هاتف مأمور السجن الذي أصدر القرار بامتعاض شديد، إلى حد أن عروق دماء رقبته كادت أن تمزق لأنه شعر بأن قراره "شخصي وفردي إلى حد المحاسبة"، بعد أن لجأ إلى حيلة الكذب على محامي زبانا محاولا إيجاد ذريعة قانونية لإطلاق المقصلة باتجاه "رقبة البطل".. يقول "المأمور" أن أمر المقصلة جاء بإيعاز من الرئيس.. رغم أن الرئاسة والحكومة الفرنسية لم ترد على التلفون، كما أوضح المشهد.. كذبة تكفي لتبرئة فرنسا من دم زبانا !
موازنة جيدة وإن كانت غير عادلة، يسردها السيناريو بين "ديمقراطية فرنسا ودكتاتورية الثورة"، نعم ديكتاتورية الثورة، هكذا يريد المشهد الإنساني الوحيد الذي عرضه الفيلم أن يقنعنا عندما يرسم صورة الزعيم الذي يتحكم حتى في توزيع الأكل البسيط الذي كان آخر ما تبقى لزبانا ورفقائه في الكهف، لينتهي المشهد بأمر آخر من زبانا للمجاهد الذي كان يوزع الأكل بأن عليه حراسة المكان، المكان الذي لم يحدد الفيلم كيف ولماذا لجأوا إلى الاختباء فيه حتى يتم اعتقالهم دون مقاومة حقيقية من قبل قوات فرنسية مدججة بالسلاح. وطبعا لم يفوت الفيلم نقل مشهد خيانة الجزائريين بعضهم لبعض بعد أن دل الفرنسيين جزائري إلى مكان تواجد زبانا... كما أن المجاهد الذي ذهب إلى الحراسة، خرج ولم يعد إلى الفيلم.. فهل تلك ضرورة درامية ؟
في السجن الذي نقل إليه زبانا، بعد أن وقع أسيرا بطريقة لا توحي بأنها معركة غار بوجليدة، تلقى زبانا علاجا على يد فرنسي شيوعي يؤمن بقضايا الشعوب في التحرر، زبانا الذي حظي بعلاج بعد إصابته بطلقة رصاصة في الرأس، يعود إلى الحياة مبتسما على يد الطبيب الفرنسي في السجن.. منتهى الإنسانية عندما تتلقى العلاج من رصاصة قاتلة في المخ.. أليس كذلك؟
ظل الفيلم يحمل مضموناً مباشراً عن علاقة فرنسا بمفهوم الدولة الحديثة وبالتحديد عن أبجديات الديمقراطية واحترام القوانين التي تدفع المسؤول الفرنسي إلى حتى الشعور بالخوف وهو يقفز بحكم منصبه على قرار يبدو في العديد من الدول عاديا ولا يحتاج إلى انتظار ساعات وساعات لتلقي الأوامر الفوقية لتنفيذه.. فقد نجح ميهوبي في رصد ذلك بكل الطرق من مشاورات جادة دارت بين كبار القادة في فرنسا وبشكل ديمقراطي إلى احترام الديانات بحكم القانون، وصولا إلى رسم ملامح الامتعاض لدى مدير السجن الذي لم يستطع إلا تسليط عقوبة واحدة على المساجين كلما استفزه المساجين، رغم أن الحبس الانفرادي لم يكن يوما عقوبة الاستعمار الوحيدة.. أين الصفع أين الإهانات والضرب الذي نعلم أنه وسيلة السجانين في المعتقلات، أم أن باربوس كان بخمس نجوم ؟
ولو عرجنا إلى شخصية زبانا في السجن وعلاقته بالشخصيات الثورية الكبيرة الذين جمعتهم بزبانا صدفة تاريخية ثورية في سجن باربوس.. نظرات زبانا إلى زعموم ظلت سطحية بنكهة اللامبالاة... لماذا ؟
السيناريو الذي لا يكتشف مناطق جديدة في حياة زبانا، بل تحول إلى سرد "يوميات سجين عادي"، بطريقة درامية جد مستهلكة، لكن مع ملاحظة أن السيناريو قام بإفراغها من حالتها الدرامية وسط إيماءات بطل الفيلم عماد الذي توقفت عند ملامح واحدة منذ بداية الفيلم حتى نهايته، بل قل من الصورة المرفوعة على "الأفيش" إلى لحظات فرحه وحزنه.. خوفه وتأمله، بينما كانت الأحداث تتوغل في مشاهد جد مباشرة.
كان في استطاعة المخرج كسر الصمت السينمائي الذي عاش فيه الفيلم عبر ضغط المقطع أكثر، وأن يتجنب الشرح الزائد والتفصيلي بالكلام حتى شغلنا بالنص أكثر من الصور، وإلا ما معنى أن نسرد كلاما دون إحساس لصور درامية من المفروض أن دورها أسر مشاعر المشاهدين وضبط أنفاسهم وتحريك دموعهم، كل ذلك لم يتحقق بسبب الكلام المسترسل الذي كاد أن يحول الفيلم إلى مجرد كتاب أو روبرتاج، وإن غفر مشهد جر زبانه إلى المقصلة وسط صرخات المساجين للمخرج "إهماله" للإيقاع العاطفي، بعد أن نجح المخرج عبر هذا المشهد في تحريك مشاعر شيخ في العقد السابع كان يجلس أمامي، لم أعرف دموعه لكنني أحسست أنها صادقة.
.. بعد هذا نتمنى أن يبقى الفيلم مجرد فيلم، سواء كان جيدا أو سيئا من الناحية الروائية أو الدرامية.. المهم أن لا ينتقل إلا أرشيف الجزائر الثوري وإلا كانت كارثة حقيقية في تاريخ الثورة التي لا تزال تتطلع إلى مزيد من الحقائق التي تعزز مكانتها، لا أن تشتتها.. في الوقت الذي نطالب فيه فرنسا بالاعتذار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.