أية لغة يتحدث الجزائريون؟ يؤكد باحثون ومختصون للنصر أن الجزائر متعددة الألسن عبر التاريخ، ويرجعون الجدل الذي يثار حول المسألة اللغوية إلى صراعات إيديولوجية ظهرت مع الاستعمار، وتكرست منذ بواكير الحرمة الوطنية.. و حتى إن تمكنت التعددية اللغوية من فرض حضورها على يوميات الشارع الجزائري، فإنها تخفي حالة من التضاد بين السياسة اللغوية المنتهجة و ما يبحث عنه المجتمع في سوق اللغات من مصطلحات تتوافق مع مستلزمات التواصل الراهنة. استطلاع: مريم بحشاشي عبد الرزاق دوراري / أستاذ بجامعة الجزائر 2 و مدير المركز الوطني البيداغوجي لتعليم ثمازيغت الجدل حول اللغة في الجزائر بدأ مع أول حركة وطنية السياسة اللغوية في الجزائر بعد الاستقلال، حددها بشكل كبير الجدل السياسي و الإيديولوجي الذي كان قائما خلال الاحتلال الفرنسي ومنذ بداية القرن العشرين، حيث واجه نشطاء أول حركة وطنية حينها جدلا بخصوص ما كان يجب تسميته"نجمة شمال افريقيا"أو "النجمة الجزائرية"؟ تلتها الأزمة التي عاشها حزب الشعب الجزائري-الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية في 1949 بخصوص ما أطلق عليه الأزمة البربرية. بالإضافة إلى الوضع الايديولوجي المنتشر على نطاق واسع بشرق الوطن بفضل جمعية العلماء التي تحصر الهوية الجزائرية في الإسلام و العروبة. و التي كان لها هي الأخرى تأثيرا على الحركة الوطنية بمختلف التيارات بما فيها التيار الشيوعي من وجهة نظر تربوية و الفكر الجامعي و غيرها من التوجهات و الحركات الحزبية التي كانت إلى حد بعيد ضد المثقف و رهنت أفكاره لفترة طويلة و رفضت الإختلاف. و كانت المشكلة في تحديد تعريف الهوية الجزائرية على قاعدة منظمة عبر وطنية عربية مؤسسة على ميثولوجيا سياسية و جغرافية "الأمة العربية" أو على قاعدة منطقية تاريخية أنثروبولوجية مؤسسة على الأمازيغية و الأرض الوطنية بعد الاستقلال و هنا فرض السؤال نفسه عما يجب فعله باللغة الفرنسية؟ و لم يكن من السهل التحديد باعتبار أغلبية النخبة كانت مفرنسة، و لما كان على النخبة المهيمنة التي سيّرت فترة ما بعد الاستقلال و التي كانت مهووسة بكسب المعركة الكبرى ضد الاستعمار من خلال محو لغته من المشهد الجزائري، فقد واجهت صعوبة في تحقيق ذلك لأن الواقع كان غير ما توقعته نخبة الحزب الوحيد آنذاك مما جعلها تسقط في نفس الترتيلة الإيديولوجية لما قبل الحرب و تفرض على مجتمع متعدد اللغات سياسة أحادية اللغة و المبنية على عربية المدرسة و هو ما يشكل التناقض الأساسي في الحكم اللغوي و الثقافي لما بعد الحرب. ادراجي ياسين، باحث بمخبر الأبحاث في علوم اللغة و تحليل الخطاب التعليمي بجامعة قسنطينة1 العربية موجودة في المؤسسات والفرنسية تحتكر المكان السياسة اللغوية تترجم في الميدان من خلال استعمال اللغة الوطنية وهي رسميا اللغة العربية التي فرضت استقلاليتها و مكانتها بعد الاستقلال في التعليم و مؤسسات التكوين، و توظيفها لا غبار عليه في المؤسسات القاعدية و الأجهزة العليا، لدينا أجيال متمكنة من هذه اللغة و لا يمكننا أن ننكر ذلك، لكن في الحياة العادية و في محيطنا العام نجد أن هذه اللغة تغيب كليا تقريبا و تخلفها لغات و لهجات أخرى أهمها الدارجة، الشاوية، الأمازيغية، الفرنسية و حتى الانجليزية التي باتت تفرض نفسها في لغة التخاطب بين الشباب و المتعاملين الاقتصاديين و الباحثين . كل ذلك يعكس ثراء ثقافتنا الجزائرية و يؤكد مدى تأثرها بكل الأحداث و الحروب و تعاقب الحضارات عليها منذ الأزمنة الغابرة، لكن إذا حاولنا فهم ظاهرة تعددية اللغة في المجتمع الواحد، فذلك يحملنا إلى التساؤل عن سر فرض لغة دون سواها على مشهد التواصل الشفوي، و عند التدقيق نجد بأن الفرنسية تحتكر المكان في محلاتنا و إشارات المرور و لافتات و لوحات الإشهار و التوجيه و يجعلنا نقف على التناقض الكبير بين ما هو منصوص عليه في السياسة اللغوية و الواقع المعاش و الذي يظهر جليا في المادة 1 التي تمنع استعمال اللغة الأجنبية في الادارة العمومية و الهياكل و المؤسسات و الجمعيات، مع فرض استعمال اللغة العربية" . و في الحقيقة لا يمكننا القول أنها عودة الفرنسية، لأن هذه اللغة لم تغب يوما من مشهد يومياتنا، لأسباب و أبعاد تاريخية. و إن كان الاحتلال يترك آثاره و بشكل خاص الثقافة و اللغة فإن ذلك لم يؤثر على هويتنا كجزائريين، كما لا يجب إنكار أو التقليل من الجهود التي بدلتها دولتنا منذ الاستقلال من أجل ديمقراطية التعليم و التكوين و الثقافة و لا يجب أن نصنع من اللغة أو تعدديتها مشكلة أو عائقا لأن الأمر طبيعي فكل لغات العالم تتطوّر و تتبنى مصطلحات جديدة و تؤثر و تتأثر و حركيتها مستمرة منذ عصور ، و في رأيي ما زالت هناك جهودا كثيرة لنبدلها و العمل أكثر على اللغة العربية لجعلها تتوافق و متطلبات التغيرات العلمية و التكنولوجية. و كل ما نسجله من بلبلة حول خطر أو تهديد تعددية اللغة للهوية و مستقبل اللغة العربية مجرّد قلق غير مبرر لأن العربية لها مكانتها بكل الأجهزة القاعدية من عدالة و جيش..لذا علينا الابتعاد عن ربط اللغة بالهوية لأن هويتنا واضحة و نفتخر بثراء ثقافتنا و تنوعها بفضل تقاطع الحضارات المتعاقبة على الأرض الجزائرية و عليه فإن تعدد اللغات ظاهرة متجذرة بوطننا منذ قرون و ليست جديدة. دليلة مرسلي/ أستاذة بجامعة آنجير و باحثة بمخبر الأبحاث في علوم اللغة و تحليل الخطاب التعليمي بجامعة قسنطينة 1 / المجتمع الجزائري متعدد اللغات والسياسة اللغوية لن تؤثر فيه بعد الاستقلال انتهجت الجزائر سياسة التعريب و لا غير في المنظومة التربوية لكن في الواقع اللغة الفرنسية لم تختف من التعليم و المدرسة الجزائرية ، و هو ما جعل السياسة اللغوية في الجزائر تعطي الأولوية لأحادية اللغة و هي العربية دون إقصاء اللغات كاللغة الفرنسية، لاختيارات سياسية محضة. و رغم أن المواطن يتحدث و ليس هو من يحدد السياسة اللغوية، فإنه يمكنه التأثير لتغيير أو تعديل هذه السياسة، مثلما حدث مع اللغة الأمازيغية و بشكل خاص القبائلية التي ناضل مناصروها لتدريسها و بالفعل و بعد سنوات دخلت هذه اللغة المؤسسات التربوية و جعلت لها مكانا بالمنظومة التربوية و دخلت الجامعة و شكلت و لا زالت تشكل محور بحث مهم، و الاعتراف بالامازيغية كلغة وطنية و حتى إن لم تظهر كلغة رسمية بشكل واضح نصا و قانونا، فيمكن اعتبارها لغة رسمية من خلال واقع تدريسها و وجود جرائد و وسائل إعلام مرئية و مسموعة ناطقة بها. و عليه فإن الدينامكية الاجتماعية تفرض إعادة النظر في الأمر. و نحن عندما نتحدث عن الهوية الجزائرية، فذلك يقودنا للحديث عن المجتمع في شكله الجماعي و غير الفردي بما يحتويه من تنوّع و ثراء في العادات و التقاليد و الثقافات المختلفة. و لابد من الاعتراف بأن المجتمع متعدد اللغات و هذا ليس عيبا و لا مرضا نخشاه بل شيء إيجابي لأن العالم كله اليوم متعدد اللغات و إذا أعلنا الحرب على التعددية اللغوية، فإننا كمن يعلن حربا على شبح و ليس على الواقع الذي يبيّن جليا تلك الممارسات اللغوية المختلفة و هذا لا يعني بأن الناس لا يفهمون بعضهم البعض ، فهم فقط يتحدثون بعدة لغات و أفضل طريقة هي إنجاح هذه التعددية لأنها ثروة، وعلينا الانطلاق من الواقع المعاش، فالطفل يصل إلى المدرسة تغلب على حديثه إما الأمازيغية أو الفرنسية بالإضافة إلى الدارجة ، و رغم أنه يتعلم الفصحى بالمدرسة و بعدها الفرنسية و الانجليزية يستمر في استعمال لغات عديدة، و بدل أن نترك أبناءنا يستغلون ذلك بطريقة فوضوية علينا توجيههم بطريقة علمية و مدروسة و بطريقة متناسقة و فعالة دون أن يقلل ذلك من صفته، هويته أو جنسيته الجزائرية بل بالعكس لابد من إعداده لعالم الغد الذي لا يكف عن التغيّر و التفتّح. و قد تتفاعل تلك اللغات فيما بينها فتخلق لدينا لغة جديدة مثلما حدث فيما مضى مع الفرنسيين الذين لم يكونوا في الماضي يتحدثون اللغة الفرنسية كما هي عليه اليوم بل كانوا يتحدثون اللاتينية مع لغات و لهجات متنوّعة تحوّلت بفعل الزمن إلى الفرنسية بشكلها الحالي. و قد لن يتحدث الجزائري في المستقبل لا العربية و لا الأمازيغية و لا الشاوية و لا الصينية أو الفرنسية لأن اللغة في حركة دائمة. حكيم منقلات بجامعة بليدة 2 و مخبر المدرسة الوطنية للأساتذة ببوزريعة سكان الجزائر تحدثوا بألسنة مختلفة والسياسة اللغوية لا تعكس الواقع السياسة اللغوية في بلادنا لا تعكس الواقع المعاش رغم كل الجهود المبذولة و التي لا زالت تبدل لأجل تجاوز المفارقات الكثيرة التي تعيشها الأسرة و المواطن الجزائري في مجال استعمال لغة التواصل التي ليست اللغة العربية، كما نعرف جميعا بل تمازج اللهجات و اللغات الأجنبية، لذا فإن ثمة هوة بين الشرعية اللغوية و النظام التربوي مثلا و السبب انعدام الدراسات الميدانية التي يجب إشراك التربويين و النفسانيين و علماء الاجتماع و الباحثين المتخصصين في علم اللسانيات و التاريخ و غيرها من التخصصات ذات الصلة باللغة. و الممارسات اللغوية في الجزائر ليست ظاهرة حديثة و إنما التاريخ يؤكد بأن سكان الجزائر تحدثوا بألسنة مختلفة عبر الزمن و تعددت لهجاتهم و لغاتهم، و لا زالت حتى اليوم تعيش ذلك و الواقع يؤكد ذلك من خلال لجوء رجال الدين إلى استعمال الدارجة الجزائرية كوسيلة لتسهيل فهم و شرح القرآن الكريم و نفس الشيء بالنسبة للمعلمين الذين لا يمكنهم التخلي عن الدارجة في تقديم دروسهم و هو ما فرضته الكثير من العوامل، وصولا إلى القنوات الإعلامية المرئية و المسموعة التي تطغى عليها هي الأخرى اللهجة المحلية و عليه لابد من الاعتراف و قبول حقيقة التعددية اللغوية. هجيرة مدان جامعة حسيبة بن بوعلي، الشلف و مخبر ديلانديماد النصوص الرسمية لا تعكس الواقع والنظام التربوي فشل في فرض العربية ما هو موجود في المواد و النصوص الرسمية لا يمت بصلة بواقع السياسة اللغوية ببلادنا، و لو قمنا بمقارنة بسيطة أو مجرّد ملاحظات عادية، لوجدنا أن الفرنسية مستعملة في الكثير من المواقف و إن كانت النصوص الرسمية تؤكد بأن العربية هي اللغة الرسمية،و لا داعي لتقديم الأمثلة حتى لا نحصرها في فضاء أو قطاع أو مواقف دون سواها، و يمكن تأكيد ذلك من خلال معاملاتنا اليومية بالمدارس و المؤسسات و الشارع و أيضا على المستوى السياسي، فإذا تابعنا نشرة الأخبار الوطنية فإننا نلحظ تعددية اللغة و سيطرة اللغة الفرنسية بشكل خاص على أوسع نطاق بدء بخطابات المسؤولين من أعلى المستويات إلى أخفضها. حتى النظام التربوي لم ينجح في فرض استعمال اللغة العربية في أكثر الحصص و المواد و بشكل خاص العلمية كالرياضيات و الفيزياء و العلوم التي لا تدرس بالعربية الكلاسيكية أو الفصحى، و إنما بالدارجة في أغلب الأحيان و عليه فأنا أرى بأنه علينا إعادة النظر في السياسة اللغوية و تطويرها، لتعزيز التعددية اللغوية و ذلك من منطلق تاريخي لا يقصي وجود هذا الحركية و الثراء اللغوي منذ عهود بعيدة و التعامل معها بنظرة ايجابية تعكس تفتح مجتمعنا.