انتشرت المواقع والمنتديات الأدبية بكثرة في الفضاء الالكتروني واكتسحت مساحة كبيرة من التواجد ومن إقبال الكُتاب والأدباء عليها، وبات جليا نزوح الكثير من الأدباء والكُتاب إلى هذه المواقع المتنوعة والمترامية هنا وهناك والنشر فيها وتفضيلها أحيانا على المنابر الورقية، ومن جهة أخرى عزوف البعض منهم عن النشر في الملاحق والصفحات الثقافية للجرائد والمجلات الورقية. لكن، ما الذي قدمته المواقع والمنتديات الأدبية الالكترونية المنتشرة بكثرة، للأدب والأدباء؟، وكيف هي علاقة الكاتب بهذه الفضاءات، وهل يرى أنها حلت حقا، محل الملاحق الأدبية في الجرائد والمجلات؟. أيضا كيف يرى ويقرأ أداء وحضور هذه المنتديات والمواقع، وهل هي تنشر باحترافية، وبجمالية متوفرة، أم بعشوائية بعيدا عن مقاييس النشر الأدبية المعمول بها عادة في الملاحق الأدبية المتخصصة التي تحرص على الجودة وعلى سقف معين من الإبداعية والفنية؟. عن أداء وحضور المنتديات والمواقع الأدبية، وعن ما إذا أصبحت بديلا عن الملاحق الأدبية/الثقافية الورقية، أم هي شريك في العملية ورافد آخر يكمل المشهد الأدبي والثقافي والفكري. يتحدث بعض الكُتاب والنُقاد في ملف كراس الثقافة لعدد اليوم. إستطلاع/ نوّارة لحرش اليامين بن تومي/ ناقد و روائي و باحث أكاديمي الأدب في خطر، الآلة تسرق الذوق والمواقع حققت الانتشار بنصوص لا أفق لها يمكننا أن نجزم أن المنتديات والمواقع الإلكترونية حقَّقت ممكناتُ التواصل في شكلها المتميز حيث ببساطة يمكن لكل قاريء أن يتعرف على الأدباء ويتواصل معهم، هذا ما حققت التقنية، سرعة تحقيق المعلومة، وانتشار فظيع للنصوص وتراكم أكبر للأسماء، وسهولة التعاطي والأخذ مع الأدباء والمفكرين، ويمكن أن تكون هذه الحركة قد ساهمت في تعميم الحكمة الأدبية بشكل مذهل، وكذلك الآراء النقدية حيث بات كلا من الأديب والناقد والقاريء ينخرطون مباشرة في مواجهة بعض، هذه الترابطية والتفاعلية جعلت ما كان متعسرا سابقا مع ثقافة الورق أسهل بكثير اليوم، هذا النوع من تسليع النصوص جعلها متاحة، جعل كل من له ذائقة أدبية، ومن ليس له ذائقة أدبية يُبدي ملاحظاته ويكون له رأي في نص ما، بل وظهر نوع من الكتُّاب من لا يحوز على أدنى المعايير والتقنيات التي يمكنه من خلالها أن يكتب نصا يَحسنُ السكوت عليه كما يقال، فولدت نصوص خرساء وجوفاء لا أفق لها، وليس لها مصداقية أدبية لأنها نصوصا مشوهة من الداخل، مجرد رصف للكلمات ولعل هذا يلتصق بالشعر أكثر فصار كل من ذاقت به الدنيا يكتب شعرا، وكأن الشّعر مجرد كلمات متجاورة لا صناعة ولا هم يحزنون، وحتى ممن أتقن القوالب يأتي شعره سامجا لا تجربة فيه، شعر أقرب إلى النظم، لذلك تنامت الأصوات المتضخمة شعريا أو أدبيا بعيدا عن النقد الأدبي الرصين الذي يمكنه أن يوجه النصوص ويصوبها، وفي غياب النقد تتراكم النصوص والمنتديات والمواقع الإلكترونية التي تفتح فضاءها لأجناس أدبية توافق الذوق الأثيري الجديد فليست أجناس مضبوطة بقدر ما هي أجناس تحاول أن تؤسس ربما لوعي جديد يختلف شكلا ومضمونا عن أصول التراجيديا والكوميديا التقليدية، نصوص تعتمد على التشفير والتكثيف والاختزان لأن القاريء الإلكتروني لا وقت له ليقرأ المقاطع الطويلة فهي نصوص الاختصار، لذلك فإنني أستشرف مع توسع هذا الفضاء ستفقد بعض الأجناس الأدبية حدودها وسِماتها، وتصبح لها خصوصيات تتوافق مع طبيعة الفضاء السبراني. سيمحى جنس مثل الرواية وتتقطع أوصال الشعر، وتتنامى الأشكال الأدبية من مثل القصة القصيرة جدا والقصيدة الهايكو والشذريات التي سيصبح لها ضوابط فنية جديدة، أتصور أن المسألة أعمق من أن نتحدث عن معايير أسلوبية بدأت تضمحل وأن أدوات فنية بدأت تفقد حماسها القديم، بل إنني أتوقع أن النقد في ذاته سيفقد عضويته وتصبح التقنية في حد ذاتها هي التي توجه النصوص الجديدة إلى أساليب كِتابتها لما تعرفه البرمجة الأثيرية من تعصب شديد لأنساقها، ففي ممكنها أن تقبل نصا وترفض آخر، بل وربما تصبح التقنية هي الأديب الأمثل الذي يُغذينا بالنصوص وفق ما يتوافق وذوقها الأداتي. لا يسعني إلا أن أقول إن الأدب في خطر كما قال تودوروف. خالد بن صالح/ شاعر سقف الإبداع داخل الكثير من المواقع المنتشرة قريب من الأرض الحقيقة أنني لست من رواد ولا متابعي المنتديات الأدبية على كثرتها وكونها تشكل فضاءات متنوعة تقدم كل شيء وأي شيء. ولكي أكون دقيقاً جداً فإن الفرق بين المنتدى الأدبي مثلاً والموقع من وجهة نظري، فرق شاسع جداً ويستند إلى معايير ترتبط أساساً بالقيمة الفنية والأدبية للمواد المنشورة والأسماء التي تؤثث هذا الفضاء الافتراضي الذي غالباً ما يكون الصورة الأخرى للملحق الورقي كون الكثير من المواقع المتخصصة التي أتابعها تصدر في شكل مجلات متخصصة لا تنقصها إلا الطباعة. كما أن الملاحق الأدبية في الجرائد مثلاً لم تعد تنشر ورقياً فقط بل أصبح لها حضور عبر مواقع تلك الجرائد الإلكترونية. أحتاجُ أن آخذ نفساً عميقاً هنا وأعترف أنني شاعر ولد وعلق منذ بداياته بالشبكة العنكبوتية. كانت مغامرة بلا مقدمات. وما يفتقده أي مبتدئ عندنا وجدته عبر عديد المواقع التي كان لها الفضل في احتضاني ونشر نصوصي الأولى على سذاجتها. لا يمكن أن أتحدث عن خالد بن صالح الشاعر صاحب المجموعتين الشعريتين المنشورتين ورقياً دون أن أذكر موقع كتابات، الحوار المتمدن، ألف لحرية الكشف في الكتابة والإنسان، جهة الشعر وأخيراً وليس آخراً "أوكسجين" هذه المجلة التي راهنت على تجربتي منذ أول قصيدة نشرتها هناك وكانت بداية لمجموعتي الشعرية الأولى "سعال ملائكة متعبين". رهان الأصدقاء الأوكسجينيون وخاصة الكاتب والروائي زياد عبد الله لم يتوقف هنا فقط بل تجاوز ذلك إلى إشراكي في مشروع إبداعي مختلف له منطلقاته الخاصة وما يتأسس عليه حرية وكتابة. لا أعرف إن كان لا بد من سرد علاقتي بالفضاء الإلكتروني ولو باختصار بهذا الشكل الحقيقي والصادق ستضيف للملف ولكن أردت القول من كل هذا، أن البدايات لها الأثر في استمرار بعض الأقلام أو توقفها عن الكتابة. في الجزائر قدمني الروائي بشير مفتي للقراء الجزائريين عبر ملحق "الأثر" في أكثر من مناسبة قبل صدور كتابي الأول. لا بد من قول ذلك ليس رداً للجميل ولكن أقل ما يمكن ذكره في هذا المقام وهذا ما أسميه عن قناعة المحاولة الجادة في طرق الأبواب الصحيحة وتقدير من يفتح تلك الأبواب. عكس بعض المواهب التي تنشر كتاباتها في أي مكان دون مراعاة لطريقة التقديم ولا حتى الاهتمام بالمادة المرسلة رأياً نقدياً أو على الأقل تناولاً يضيء مختلف جوانب النص. يُضاف إلى أنَّ سقف الإبداع قريب جداً من الأرض داخل الكثير من المنتديات المنتشرة هنا وهناك عكس الملاحق الثقافية والمجلات المتخصصة، طبعاً مع التأكيد على عدم التعميم حتى بالنسبة للمواقع وللصحفيين أو المبدعين الذين يشرفون عليها. كما أن الخصوصية والخط الافتتاحي وأسباب التواجد أصلاً تشكل منعرجاً حاسماً في الحكم. ذلك أنَّ تبني الرؤية وعدم تكديس المواد فوق بعضها والابتعاد عن الخلط الحاصل في الكثير من المساحات الثقافية يمكن له أن يصنع الفارق ويفتح نوافذ على أفق إبداعي متجدد واستثنائي. عبد الكريم ينينة/ قاص أغلب المواقع لا تعير اهتماما لمعطى الجودة و لسقف معين من الإبداع تعتبر المواقع والمنتديات الأدبية الالكترونية مواقع للتواصل الأدبي والفني ليس إلا، تطغى عليها في التعامل روح الصداقة والتعارف، ويشرف عليها أشخاص هواة للكتابة ومحبين للأدب. غير أن هناك بعض المواقع المحلية والعربية هي استثناء من ذلك، تختلف في توجهاتها الأدبية ومشاربها الفكرية، عددها قليل، تسهم بشكل جميل في جمع عدد معتبر من الكُتاب والأدباء محليا وعربيا من خلال ما تنشره من نصوص وآراء ودراسات نقدية مهمة، في الغالب يكون أصحابها قد نشروا ذلك عبر الصفحات الأدبية لصحف بلدانهم، وهو اعتراف ضمني بقيمة النشر الورقي الذي لم يزحزح بعد، ولا أظن ذلك يحدث في ظل تفشي ظاهرة السطو الأدبي، وعدم حصانة الفضاء الإلكتروني. في السنوات الأخيرة انحسرت علاقة الكاتب بهذه المواقع، منهم من جعله لاحقا بإنتاجه من أجل الترويج له والحوار مع قرائه، هذا الانكفاء قد يكون راجعا لما نشاهده من فتح باب النشر واسعا بشكل يسمح بطبع الأعمال الأدبية وخروجها ورقيا بالشكل المتعارف عليه، إضافة إلى لجوء الكاتب إلى فضاء "الفيس بوك" حيث صار بمثابة الصحيفة الشخصية والإخبارية له، والكل يلاحظ بجلاء ما يحتويه من الدعاية غير العادية والمحمومة للذات. وإذا كان يجب أن يكون للعمل الأدبي سقف معين للإبداع والجودة فإن أغلب المواقع لا تعير هذا المعطى اهتماما يذكر، فبإطلالة على هذه المواقع يتجلى لنا بوضوح مستوى الإبداع فيها الذي استطاع خلق كاتب من نوع آخر يشوش على القارئ العريض، فيفقد الكاتب مركزيته لديه وسط الحشد. ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أنه صار للمواقع الأدبية كُتابها وأدباؤها يتحركون داخلها، لا يخرجون منها، كما صار لها أيضا إنتاجها "الأدبي" المنشور إلكترونيا، حيث تصادفنا في فضاء النت المجموعات الشعرية والقصصية الرقمية لأعضاء هذه المواقع، مع تهاني الزملاء والتمني بمزيد من النشر "الرقمي طبعا"، ومهما يكن فإن هذا الفعل ومهما كان مستواه لا يعتبر إلا حراكا ثقافيا ومبادرات شبابية نتمنى لها كل الترقية بوعي وإلا كان ضررها على الأدب ملموسا أكثر. عزالدين جوهري/ شاعر و ناقد المواقع لا يمكنْ اعتِبارها بَديلاً عن المَلاحق الثَّقافية تُعد المُنتديات والمواقع الثَّقافية المُنتشرة هُنا وهناكْ، حَدث ثقافي إلكترُوني هَام، بِالنسبة للكَثير مِن المُبدعين والمثقَّفين الذين لَم توفِّر لَهم الملاحِق الثقافية فِي الجَرائد الورَقية -عَلى قلتها- مَا يُشفي غَليلهم الثَّقافي، ونهمَهم المُستمر للإطلاع عَلى المُنجز الثَّقافي العالَمي، مِمَّا سَاهم في خلق تواصلٍ ثَقافي وأدبِي مهمٍّ، ليسَ أقلُّه السِّجالات الثقافيَّة التي تطرح فِي فَضاءات إفتراضيةٍ مُختلفة، وكذا النُّصوص الإبداعية الرَّاقيةِ، التي قدَّمتْ أصْوات إبدَاعِية مُهمة، لم تُتح لهَا المَلاحق الثَّقافية فُرصَة البُروز، والمُساهمة فِي تَطوير الحَركة الإبداعِيَّة التي ظلّتْ إلى وقتٍ قريبٍ حِكرًا عَلى الأسماءِ المكرَّسةِ أو المدجَّنة، المُنتمية لبَارُونَات الثَّقافة التي لا تسمحْ بِظهور صَوت ْثقافي غَيرَ صَوتهَا، غيرَ أنّ تلك المنتدياتْ والمواقع، لا يمكنْ اعتِبارها بَديلاً عن المَلاحق الثَّقافية، أوْ ملاذًا آمنًا يلقي بالملاحقْ الثقافيّةِ إلى حتفهَا، إنَّما هِي شَريك ثَقافِي وفِكري مميَّزْ، ورافد آخرْ مِن روافدِ الإبداعْ، الذي يمكِّنِنَا من رفعْ سَقفَ الفأل الثَّقافِي في تنوُّعِ المَصَادرِ، والمَنابعْ الثقافيَّةِ التي تصبُّ في نهرٍ واحدِ لا يَنضبُ ولا يَنتَهِي. غيرَ أنَّ تلكَ النّظرة الإيجَابيَّةِ التي تشكّلتْ إنطلاقًا مِن بعضِ المنتديات والمواقع الثقَافية الجادّةِ، والتي أعتبرتْ حجرَ الأساسْ في تأسيس مشهدْ ثقافي رفيعْ، لا يغطّي أبدًا عُيوبًا وخدوشًا في أشجارها الوَارفة، وأغصَانهَا الكَثيفة التي حَجبتْ في مطرحٍ من المطَارحِ العيُوبْ الفنيَّة والإبداعية للنُّصوصِ المَنشورةِ، إضافة إلى تَفاهة الأداء الثَّقافي أحيانًا، مِمَّا نفَّرَ الكثيرْ مِن المثقفين الجَادينَ مِن سَاحَاتهَا، نَاهيكَ عنِ الحصادْ الفكري القليلْ الذي يَجنيهِ المُرتادْ لبعضِ المنتدياتْ التي لمْ يجدْ بينَ جَنبَاتهَا فعلاً ثقافيًّا مهمًّا يهدفُ إلى تَطوير الأمة والنُّهوضْ بالمُجتمعْ، وترقيَّة العقل نَحو أداءْ إنساني رفيعْ خدمةً للإنسانية ودفعًا لعجلةِ التَّنمية الثَّقافية نحوَ غدٍ مُشرقٍ ومُضيءٍ. محمد رابحي/ كاتب و ناقد في الافتراضي لا تعرف الكاتب من الهاوي نعرف نحن العرب بالتجربة أن التكنولوجيا التي تولد في بيئتها تفقد جوهرها بين أيدينا. كذلك الأمر بين يدي الأديب، طبعا في مستوى آخر. إن أدبنا العربي الذي يعيش واقعا مزر حتما لن يجد توازنه في الفضاء الافتراضي، بل سوف يسوء به الحال أكثر. فبعد أن شهد انهياره الرهيب مع رحيل الرواد نهاية القرن العشرين خاصة خلال الثمانينيات والتسعينيات إلى درجة سهل معها القول بنهاية الكتابة الإبداعية، زاده بؤسا انفلات الميديا وانتقال الممارسة الإعلامية عبر الانترنت إلى المواطن. يمكن الحديث ونحن في ألفية جديدة ووفق معطيات الزمن المغايرة عن أدب آخر غير الذي تربينا عليه كأننا بحاجة إلى أن نعيد تعريفه، لأننا نعمل سواء في نسخته الواقعية أو الافتراضية خارج الأسس والمعايير. فقي الواقع تجد كِتابا لصلاح فضل ألفه خارج أدواته النقدية وخال من القناعات الفكرية، وتجد أن حفناوي بعلي يحقق كِتابا فيه ما فيه من السطو، وفي الافتراضي لا تعرف الصح من الخطأ والكاتب من الهاوي. كان لابد على الأدب في صيغته الالكترونية أن يكون كما عند الغرب عبارة عن تدرج لواقع وتوسع في الحيز وتطور لمفرداته، لكن له أسسه الراسخة وتحكمه معايير الأكاديمية ومعايير السوق أيضا. لا كما هو حاصل عندنا أدب ضائع بين ضفتين لا جسر بينهما. وجدتني من البداية محاصرا بين واقع تربيت عليه وافتراضي غائم. لكنني كنت أتابع منطق الأشياء، فأراها تتطور عند أهلها وتنفلت عند مستورديها، ما جعلني أحجم عن المشاركة. وأنا لا أربط مطلقا بين الأدب والمنتديات على اعتبار أن هذه الأخيرة نشاطها محدود وآلياتها معروفة. المشكلة تظهر أكثر وأجلى في المواقع المتخصصة. إذ لاحظت أن بعضها يمنحك إيحاء كاليقين بالجدية والرصانة لكن بالتدقيق يمكنك أن تلمس نوعا من التضليل والكذب فباطنها هش للغاية. إن اطلاعي على النظير الغربي يمكنني من استقراء الوضع، فالمواقع التي تعنى بالأدب ولا أصل لها واقعي كمجلة أو جريدة تتمتع برصانة الأكاديمية وخفة الصحافة. ولها شعارها الذي يحدد هدفها فهي إما للهواة وإما للإصدارات ومنها ما هو للكُتاب المحترفين، أو لأدباء رقميين معروفون بأسمائهم المستعارة ولا وجود واقعي لهم، وثمة أخرى لورشات تعليم الكتابة الإبداعية وأذكر موقعا لكاتب أسترالي في الخيال العلمي اخترع برمجية خاصة تعلمك كتابة رواية، إنها مواقع حية لا تكذب ولا تراوغ. حتى أن بعضها مثل "غرانتا" التسجيل به مقابل مبالغ مالية، حسب المدة شهر أو شهرين أو نصف عام، جدية تحتكم إلى تقاليد وتاريخ الواقعي، الأمر الذي تفتقده مواقعنا. والتي تقوم في عمومها على المال وفراغ الوقت أيضا، بحثا عن وجاهة وسلطة معنوية. رشيدة خوازم/ شاعرة النشر في المواقع والمنتديات المفتوحة و الحرة لا يخضع لمقاييس الجودة بالمعنى المكرس حسب رأيي في فكرة انفتاح الساحة الأدبية وتوفرها على منابر جديدة. أرى أن هذا النوع من المنابر يمنحنا وجها جديدا للكتابة لا يخضع بالضرورة للمقاييس المسطرة سلفا والتي تعمل بها دور النشر والملاحق الأدبية، لأن النشر في المواقع والمنتديات المفتوحة والحرة لا يخضع لمقاييس الجودة بالمعنى المكرس، لكن بالموازاة هو لا يخضع لحسابات السمعة والمخاتلة الاجتماعية في النشر. أصحاب المواقع والمنتديات ينشرون وفق إحساسهم بحيوية النص وانفتاحه على آفاق وحساسيات جديدة وليس وفق ما "يصح أن يكون أدبا". أظن أن هذا الشكل من النشر سينفتح على نصوص الجسد بكل حيويتها وجِدتِها ومقاربتها لما هو حميم وطفولي وأصيل في إحساس الإنسان بكينونته وانخراطه فيها دون الرجوع إلى حسابات الأدبية والشعرية، أي سندخل إلى عالم الكتابة الرحب وعالم النص/الجسد بالمعنى الأونطولوجي. لونيس بن علي/ كاتب و ناقد المواقع وسعت من امكانيات التواصل المعرفي و نشر المعارف بعد أن كانت حبيسة الوسيط التقليدي نشهد اليوم تحولا في الوسائط الثقافية والأكيد أن تغيير الوسائط يؤثر بشكل جوهري على شكل الخطابات ومضامينها والأهم من ذلك على كيفية تلقيها وطبيعة قاعدة التلقي ذاتها. إذ صرنا اليوم نتحدث عن المدونات الإلكترونية التي أضحت منابرا للحوار ولإبداء الرأي قد تعوض إلى حد ما نقائص النشر وصعوباته ومعوقاته، كما أن المنتديات الإلكترونية وسعت من إمكانيات التواصل المعرفي ونشر المعارف بعد أن كانت حبيسة الوسيط التقليدي الذي هو الكِتاب والجريدة أو دار النشر، من هنا نشهد اتساعا في مفهوم التلقي وفي دمقرطة المعرفة والفنون والأفكار، وأصبحت قابلية التفكير أكبر من أي وقت مضى طالما أن المنتدى الإلكتروني يمنح جرعات من الحرية ويعطي إحساسا مغريا لقول كل شيء دون قيد ودون رقيب. في هذه الفكرة بالذات يجب أن نعيد طرح سؤال حدود الخطاب ومدى شرعية قول أي شيء. أظن أنّ الوسيط الجديد منح مفهوما واسعا للحرية، وانطباعا قد يبلغ مستوى الوهم أحيانا بأننا يمكن أن نقول ما نريد وبالكيفية التي نشاء حول القضايا التي تعنينا، ومن جهة أخرى صرنا نشهد نوعا من انهيار الحدود الأكاديمية أو المؤسساتية بين الخطابات، فصار الجميع يبدي رأيه في مسائل كانت إلى وقت ليس ببعيد حكرا على النخبة. قد نعتبر ذلك مكسبا لكنني شخصيا أؤمن بضرورة تقييد الحدود على الأقل حتى لا نقع في تسيب أو تميع للمعرفة ولوظيفة الكتابة ذاتها. لا أظن أنه يمكن للمدونات والمواقع الإلكترونية أن تقوم مقام الكِتاب أو الجريدة أو المجلة أو الملحق في جريدة، فأنا أنظر إليها باعتبارها تطويرا نوعيا للوسائط التقليدية مع الاحتفاظ بشرعية وجود الوسيط التقليدي الذي يظل أساسيا على الأقل بالنسبة لواقعنا الثقافي الذي مازال متشبثا بالورق وعبق الحبر. إنها في آخر المطاف قضية خيارات لا يفرضها الأفراد بقدر ما يفرضها الواقع الثقافي والتقني في بلدنا، يجب أن نعترف أننا ما زلنا نعيش تخلفا معتبرا في استعمال الوسائط الإلكترونية، لأنه لا يكفي أن تملك لوحا إلكترونيا لتكون قد دخلت عصر التكنولوجيات من بابه الواسع، لكنه يظل من جهة أخرى بديلا محتملا لمستقبل ما قد يأتي أوانه.