مالت أوروبا يمينا فيما يشبه الزلزال السياسي الذي ضرب القارة، حيث تؤكد نتائج الانتخابات الأوروبية أن تاريخا جديدا سيكتب على أيدي المتطرفين الذين وصلوا إلى البرلمان الأوروبي، وحتى وإن لم يحتل اليمينيون الصدارة في أغلب البلدان كما هو الشأن في فرنسا والدانمارك فإنهم حصدوا حصادا وفيرا سيجعل أصواتهم مسموعة ومؤثرة في صناعة القرار. وبالطبع فإن أوروبا المصدومة لا تفكر في إلغاء المسار الانتخابي وتولية أمرها إلى الجنرالات والمشيرين الذين يرون الأنبياء في المنام ولن تفكر في مرحلة انتقالية، لكنها ستقرأ الرسائل التي أرسلها الناخبون الأوروبيون في هذا الاستحقاق وعلى رأسها ضيقهم بالأجانب الذي يترجم توجها غير جديد، لكنه آخذ في الاتساع ويتبناه مثقفون في صورة الفيلسوف آلان فينكلكروت الذي أنزلته فرنسا، الغاضبة اليوم من فوز لوبان، بين الخالدين في أكاديميتها المرموقة منذ أسابيع، في تكريم رمزي لابن مهاجر يهودي بولوني ناهض تعدد الثقافات و نادى بالنقاء العرقي وحذر من ضياع الهوية الأوروبية. بمعنى أن لهذه النتائج جذور، حتى وإن فسرها المحللون بعزوف الناخب الأوروبي عن استحقاق لا يعنيه مباشرة. ما يعنينا في الانتخابات الأوروبية هو أننا معنيون بسبب التداخل الإنساني والثقافي الذي فرضته أوروبا نفسها عبر الاستعمار والهيمنة وتصدير القيم، قبل أن تضيق بالهاربين من جحيمهم إلى جنتها. ومعنيون لأن العلاقة مع الجنوب باتت تحدد السياسات الأوروبية بل وتوجهات الناخبين ومعنيون لأن آثار ما يحدث هناك ملموسة هنا. من حق أوروبا أن ترتب بيتها على النحو الذي يستهويها، لكنها ستدفع ثمن صورتها كأرض للحرية، إذ سيصعب عليها الآن الانكفاء وحماية نفسها من الرياح التي تهب من كل الجهات، وستدفع ثمن سياساتها منذ فجر الاستعمار الذي لم تتب عنه إلى اليوم، حيث لازالت النزعات الاستعمارية تسكن النخب السياسية التي لا تخجل من "نهب" الجنوب كلّما أصابتها أزمة اقتصادية. وهذا التوجه لن يخدمها في نهاية المطاف، لأن أوروبا التي تقايض بقاء أنظمة الجنوب بالثروات، ستجد نفسها مرة أخرى أمام مشكلة أخلاقية وإنسانية تُترجم بلجوء المنهوب إلى صدر الناهب. ملاحظة تتيح ديموقراطيتهم فرصة التطرف. لا يوفر غيابها في الجنوب من حل سواه.