تشهد المنطقة المغربية تجاذبات وصراعات بين مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي في ظل التوجهات الاستراتيجية الجديدة لما بعد نهاية الحرب الباردة، وكذا محاولة الطرفين تشكيل النظام الإقليمي للمنطقة العربية. يظهر تفاعل الإتحاد الأوروبي مع المتغيرات الداخلية والخارجية من خلال التكيف بواسطة عدة عمليات، سواء على المستوى الداخلي كعمليات التوسيع المختلفة، أو على المستوى الخارجي من خلال العلاقات بشركائه خاصة الدول المغربية، حيث عرفت علاقات الطرفين تطورات هامة خاصة منذ مؤتمر برشلونة الذي أرسى قواعد شراكة شاملة، تجاوزت العلاقات التفاضلية. وقد أعطت هذه التطورات انطباعات بأن الاتحاد الأوروبي، وفي إطار التحولات الدولية الجديدة، يحاول أن يحافظ على مصالحه في منطقة المتوسط من خلال تدعيم العلاقات على مختلف المستويات، خاصة مساعدة هذه الدول على تجاوز أزماتها الاقتصادية والأمنية، ولكن يبدو أن هذه الشراكة تواجه العديد من التحديات. يرى غالبية المحللين المهتمين بعلاقات الشرق والغرب أن فشل ما كان يسمى بالحوار العربي الأوروبي هو أحد الدوافع لظهور ما يعرف اليوم بمشروع الشراكة المتوسطية. ونظرا لتعثر الحوار العربي الأوروبي، ظهرت الفكرة المتوسطية كبديل عن الحوار، وهي نوع من المقاربة الأوربية الجديدة باتجاه الدول المتوسطية لمنافسة مشروع الشرق الأوسط الأمريكي، ولا تريد أوروبا من هذا المشروع أن يملأ الفراغ لوحده، حيث ترى أوروبا أنها الممول الرئيس لحوض المتوسط. المتوسط هو مشكلة بالنسبة لأوروبا نظرا لعدم وجود نظرة موحدة من طرف دوله وخاصة ألمانيا، فرنسا، إسبانيا وإيطاليا حول الحدود الجغرافية لحوض المتوسط وحول كيف سيكون هذا المتوسط ومن ستوكل له مهمة قيادته، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، حوض المتوسط هو مشكلة بالنسبة لأوروبا نظرا للمنافسة الأمريكية على المنطقة وحتى المنافسة الصينية في الوقت الحاضر. كما أن أوروبا لم يعد لها مناطق نفوذ كبيرة في العالم، وإذا فقدت نفوذها في حوض المتوسط ستصبح أوروبا مجرد رقعة مغلقة تسيطر عليها أمريكا أو بالأحرى تصبح لاعب جيواستراتيجي متقاعد. وحوض المتوسط هو مشكل بالنسبة لأوروبا، لأنه يضم دول عربية، بالإضافة إلى إسرائيل وكيف ستتعامل أوروبا مع هذا هل ستكون أكثر ليونة مع إسرائيل أم مع العرب، ولكل سياسة انعكاساتها، فإذا كانت أكثر ليونة مع إسرائيل هذا يعني أن العرب سيتجهون نحو الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإذا كانت أكثر ليونة مع العرب فستخسر حليف استراتيجي قوي، وهو إسرائيل. وبالتالي فإن حوض المتوسط قبل أن يكون مجال ومكان هو مشكل في حد ذاته نظرا للعلاقات المركبة والمعقدة، بالإضافة إلى الرهانات الأمنية الكثيرة في هذه المنطقة، وهو ما تحدث عنه''pascal Boniface'' بقوله إن ''الرهانات الأمنية تخفي الرهانات الاجتماعية les enjeux sécuritaires, masquent les enjeux sociaux ''، وبالتالي فإن حوض المتوسط هو مشكل قبل أن يكون مجرد مجال. المتوسط هو منطقة نفوذ تاريخي وامتداد جغرافي طبيعي لأوروبا من جهة نظر أوروبية وهو قفل استراتيجي لمواجهة الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبالتالي ونظرا للمطامع الدولية في هذه المنطقة، فإن أوروبا ترى نفسها المدافع الوحيد عن هذه المنطقة وتقدم نفسها على أساس أنها برّ الأمان التي تسعى إليه دول المتوسط. ونظرا لهذه المطامع أصبح المتوسط عبارة عن حوض غير مستقر قابل للتغيير من وقت لآخر، وبالتالي هو حوض المشاكل اللامتناهية أو قوس الأزمات التي دائما ما يقلق أوروبا ويهدد مكانتها في ميزان القوى العالمي. كما أن المتوسط هو مشكل لأوروبا نظرا لرؤية كل دولة أوروبية لهذه المنطقة كمجال حيوي لها، وهذا ما تجسد في مشروع الشراكة الأورو متوسطية الجديد الذي أصبح مكملا لمسار برشلونة بعدما عجزت الدبلوماسية الفرنسية عن فرض رؤيتها الهندسية 7 + 5 = 32 أي أن المشروع في بدايته كان قائما على شراكة بين مجموعة الدول الأوروبية المطلة على البحر المتوسط مع مجموعة الدول المغاربية، لكن في النهاية -حسب الخطاب الدبلوماسي الفرنسي- فإن مجموع الدول الأوروبية السبع هي تمثل مجموعة الدول 27 يضاف إليها مجموعة الدول المغربية الخمس يصبح المجموع 32 دولة. وكان هذا الحساب الفرنسي قد واجه صداما سياسيا عنيفا من قبل ألمانيا التي اعتبرت على لسان مستشارتها أنجيلا ميركل، بأنه حساب يهدد الاتحاد الأوروبي برمته، كما شككت كل من إسبانيا وإيطاليا في نوايا ساركوزي ، لأنه في اعتقادهما أن باريس تبحث عن نفوذ لها في جنوب المتوسط على حساب الدول الأوروبية، كما أن إسبانيا كانت متشبثة بمسار برشلونة، والسؤال الأهم هل الاتحاد من أجل المتوسط هو مشروع للتطبيع العربي الإسرائيلي من بوابة البراغماتية، مع إدماج إسرائيل في المحيط المتوسطي دون قيود عربية وأوروبية تضغط على اليهود لإيجاد حل للقضية الفلسطنية، أم هو مشروع إسرائيلي خالص تنفذه أوروبا بأمر من اللوبي الصهيوني. وهذا المشروع هو أكبر دليل على التناقض والصراع الموجود داخل القارة الأوروبية، حيث أن مشروع الاتحاد من أجل المتوسط يمثل مشروعا فرنسيا بكل امتياز، لكنه اصطدم في محاولات تجسيده على أرض الواقع بالمحيط الإقليمي والطبيعي له، الاتحاد الأوروبي غيّر رؤية ساركوزي للمشروع في الوقت الذي تتردد بعض دول جنوب المتوسط في التعامل مع المشروع بسبب عدم وضوح الرؤية أو بسبب تقاسم المسؤوليات داخل المشروع، فبداية وجد ساركوزي صعوبة مع الاتحاد الأوربي لتجسيد رؤيته الأولية في ما يتعلق بالمساحة الجغرافية التي يأخذها المشروع من حيث عدد الدول التي تكون القاطرة أو كما عبّر عنها وزير الخارجية الفرنسي السابق هوير فيدرين بصيغة 7 + 5 = .32 أي أن قاطرة المشروع تنطلق بالدول الأوروبية الجنوبية المطلة على البحر المتوسط، يضاف إليها مجموعة دول الاتحاد المغربي، وحجته في ذلك أن المشروع المتوسطي يجب أن يأخذ صيغة المشاريع الأوروبية الجوارية، لكن الرؤية الجغرافية لمشروع ساركوزي تلاشت مع المعارضة الألمانية، حيث اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مشروع ساركوزي ببعده الجغرافي الضيق هو تقسيم لمشاريع الاتحاد الأوروبي القائمة، وبالأخص مسار برشلونة والسياسة الجوارية التي اعتمدها الاتحاد، وهو ما يمثل تهديدا لمستقبل الوحدة الأوروبية، فكان التراجع الفرنسي في قمة بروكسل (13 و14 مارس 2008)، حيث تغيرت التسمية الفرنسية من مشروع الاتحاد المتوسطي إلى تسمية أوروبية مسار برشلونة مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، وهو ما يعني أن المشروع سيندرج في إطار تكملة للمشروع الأورو - متوسطي الذي أرست أسسه في قمة برشلونة في سنة ,1995 كما اصطدمت رؤية ساركوزي مع الاتحاد الأوروبي فيما يخص المسألة التركية، حيث ركز فكرته في المشروع على أساس أن يكون المحيط الحضاري والطبيعي لتركيا الاتحاد المتوسطي وليس الاتحاد الأوروبي بحكم الرداء الأخضر الإسلام الذي يغطي 80 مليون نسمة، وهو ما يتعارض مع البعد المسيحي اليهودي للاتحاد الأوروبي. وبذلك أشغل ساركوزي فتيل الصدام الحضاري قبل انطلاق المشروع بالرغم من أن تركيا توجد في قلب الأجندة الأوروبية لتطبيق شروط الانضمام للاتحاد الأوروبي، وهو ما تطمح إليه أنقرة، وبذلك يكون ساركوزي قد خسر دولة محورية في المتوسط ودولة على وشك الانضمام للاتحاد الأوروبي، وأكثر من ذلك دولة إقليمية أطلسية يعتمد عليها كثيرا في التوجه الجديد للحفل الأطلسي.لا يمكن الحديث عن الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وحوض المتوسط، لأن الشراكة تتم بين أطراف متساوية إلى حد ما في القوة الاقتصادية وليس بين دول متقدمة ودول متخلفة، ويمكن تسميتها استغلال، تعاون مفروض، تبعية ولكن ليس شراكة. المصالح الاستراتيجية لأوروبا في المنطقة ترى أوروبا أن دورها في منطقة المتوسط قد تقلص، وفي المقابل نجد أن منطقة الشرق الأوسط تشهد نشاطا مكثفا للدبلوماسية الأمريكية التي تدعمت أكثر بعد احتلال العراق، وما ترتب عنها من نتائج استراتيجية، وبالتالي تسعى أوروبا إلى إعادة دورها وتقويته لأنها لا تريد أن تكون منفذ للدبلوماسية الأمريكية مثلما طرحه robert kagan في كتابهparadise and power. America and Europe in the new world order خلق فضاء اقتصادي قادر على استيعاب فائض الإنتاج الأوروبي وإلزام دول المنطقة بمعاهدات واتفاقات تحتم عليها أن تكون مرتبطة بأوروبا، حيث تصبح المنافسة الأمريكية والآسيوية ضعيفة بشكل يجعل دخولها إلى الأسواق المتوسطية يمر عبر أوروبا. التحوّل إلى قوة اقتصادية، سياسية وعسكرية من أجل ضمان مكان لأوروبا في ميزان القوى. خشية أوروبا من تنامي المدّ الأصولي في جنوب وشرق المتوسط، ما قد يستدعي الموروث التاريخي للعلاقات مع العالم العربي وينتهج سياسات معادية لأوروبا، وفي ذلك فرصة أخرى للولايات المتحدةالأمريكية وعلاج ذلك هو مساعدة دول المتوسط وإقامة شراكة بين ضفتي المتوسط، وهو ما تكلم عنه أيضا ''برنارد أويس'' في كتابه الإسلام الأصولي في وسائل الإعلام الغربية من وجهة نظر أمريكية. الخروج من تحت المظلة الأمريكية بل الوقوف في وجهها وأخذ المبادرة منها في إعادة تشكيل النظام الإقليمي وصياغة مستقبل المنطقة المتوسطية لمصلحة أوروبا الموحدة. مشكلة إسرائيل وتأثيرها على المشروع المتوسطي وكيف يمكن دمج إسرائيل مع العرب باعتبار إسرائيل لها وزن كبير جدا في السياسة الأوروبية دون الحديث عن اللوبي الصهيوني في أوروبا. الأمن القومي الأوروبي بمفهومه الواسع الذي يتعدى الحدود الجغرافية الأوروبية ليصل إلى جنوب المتوسط واعتبار أن التهديدات التي تأتي من الجنوب قد تؤثر على أوروبا، وهذا ما تحدث عنه مثلاrégis Debray صاروخ بحر أرض إسلامي يسقط على تولون له نفس مصداقية إنزال جوي سوفييتي. ومشكلة الهجرة غير الشرعية التي أصبحت تشكل خطرا على أوروبا وتمس أيضا بقضية المواطنة، بالإضافة إلى تشكيل المهاجرين لأقليات تطرح مشكل كبير للدول الأوروبية، بالإضافة إلى قضية الجماعات الإثنية، وتشكيل الجماعات الإسلامية المتطرفة أو ''الإرهاب'' وتهديده للأمن القومي الأوروبي... وغيرها. وبالتالي، نرى أن دول الجنوب الضعيفة المحيط بإمكانها أن تشكل تهديدا وخطرا على الدول القوية بالمركز وذلك من خلال تصدير المشاكل التي تعاني منها أو من خلال تحالفها مع عدو العدو.تنطلق محددات التصور الأوروبي من ثلاثة منطلقات أساسية. جغرافية: عامل القرابة الجغرافية بين أوروبا ودول المغرب العربي 14 كم بين المغرب وإسبانيا وتقابل سواحل فرنسا، إيطاليا ومالطا مع الجزائر، تونس وليبيا. تاريخية: يمكن تلخيصه في الحروب المختلفة الحروب الصليبية، الدولة العثمانية وصولا إلى حرب التحرير الجزائرية، بالإضافة إلى عدة حوادث أخرى. استراتيجية: وهي أن منطقة المغرب العربي تشكل الواجهة الجنوبية لأوروبا ومنطقة نفوذ طبيعية لها، والمغرب العربي هو منطقة أواسيا بالنسبة لأوروبا، حيث أن أوروبا ترى أن السيطرة على المغرب العربي هو مفتاح لمواجهة مشروع الشرق الأوسط الكبير، أو بالأحرى هو قفل استراتيجي. ومن خلال هذا نستطيع القول بأن أوروبا لطالما نظرت إلى المنطقة المتوسطية على أساس أنها تهديد وخطر دائم، ولذلك سعت دائما إلى احتوائه بطرق مختلفة وسعت إلى تطبيق الضربة الوقائية بمفهومها الاقتصادي وليس العسكري بمعنى توظيف القوة الاقتصادية باتجاه معين بغرض إلغاء تهديد مستقبلي معين. وكما ذكرنا سابقا ترى أوروبا في هذه المنطقة على أساس أنها منطقة نفوذ تاريخي لها، وتحاول أن تحافظ على هذا الوضع وأن تمنع الدول المشكلة للمنطقة من التحالف مع أطراف غير أوروبية، وبالتالي نرى أن أوروبا أصرت على أن منطقة حوض المتوسط هي مشكلة بالنسبة لها حتى أصبحت فعلا مشكلة لأوروبا. ولهذا باتت أوروبا مجبرة على الاختيار بين السياسات الثلاث التالية: 1 السياسة الصراعية، أي يجب على أوروبا أن ترى المنطقة المتوسطية على أساس أنها منطقة تهدد القوة الأوروبية وأن تقوم أوروبا بتجنيد كل طاقتها من أجل ضمان تواجدها في المنطقة، وبذلك تسعى إلى إضعاف دول هذه المنطقة وتقوية التبعية التي كسبتها من خلال استعمار المنطقة وإبعاد الخطر الأمريكي. 2 السياسة التعاونية: وهو أن علاقات التعاون والشراكة العادلة بين أوروبا والمنطقة المتوسطية سوف تؤدي بدول الجنوب إلى قبول التواجد الأوروبي على حساب التواجد الأمريكي أو حتى الصيني، وتقديم أوروبا نفسها على أنها عامل استقرار وأنها مستعدة لتقديم كل جهودها من أجل تطوير وتنمية هذه الدول في إطار علاقات اعتماد متبادل أو في إطار الأمن التعاونيcooperative Security (بحيث يتم تقاسم الأعباء الأمنية لاحتواء التهديدات). 3 السياسة الثالثة تجمع بين السياسة الأولى والثانية، بمعنى على أوروبا أن تظهر احترامها لاستقلالية المنطقة وأن تسعى لضمان الاستقرار فيها، لكن في الوقت نفسه على أوروبا أن تتبع سياسة براغماتية من أجل الحد من طموحات دول المنطقة، وذلك باتباع سياسة استباقية لتجنب أي تغير مفاجئ وأن تفرض بطريقة مرنة استراتيجيتها من أجل ضمان بقائها في المنطقة، وأن تحكم قبضتها على النخب الحاكمة في إطار علاقات التبعية من أجل كسب التأييد الحكومي والشعبي داخل هذه الدول للسياسة الأوروبية في المنطقة. لكن، وفي مقابل كل هذا، نجد أن الدول المتوسطية وخاصة المغاربية أمام فرصة تاريخية واستراتيجية، وهي إمكانية الاستفادة من التنافس الأوروبي الأمريكي والعالمي إلى أقصى حد ممكن.