غياب مبكر وقصائد تلوح بالوداع في صمت لا يحدث إلا مع الكبار الزاهدين في ضجيج الأضواء، رحلت صباح زوين، الشاعرة والناقدة والمترجمة والباحثة والصحافية اللبنانية المعروفة، صباح زوين التي ظلت تشتغل بشغف تجيده بشكل يشبه دأب فنان على لوحته اليافعة بالألوان والدهشات، رحلت صباح الخميس 5 جوان 2014، بعد صراع مع المرض، سرطان في الرئة سرطان خاطف وقاطف، حصدها ولم يمهلها وقتا كافيا لترتيب وتوظيب أيامها المتألمة من الوافد الذي لا يجيد غير نهش الجسد النحيل، وقصائدها الأخيرة لغياب أبكر كثيرا، وهو الغياب ذاته الذي عادة ما يسدل غيومه على حياة قليلة لشعراء لم يمكثوا كثيرا على أرائكها كما لم ترفرف أيامهم على شراشف الأحلام والسعادات بما يكفي. زوين التي كانت طوال حياتها منعكفة ومنهمكة في صياغة الحياة، لغة وشعرا وترجمات، حط سرطان غير رحيم في رئة كثيرا ما تنفست بالشعر والكلمات، وراح يعبث بها وينهشها ولم يتطلب هذا النهش وقتا طويلا ليصيبها بالعطب والتلف، إذا كانت ستة أشهر كافية ليفعل فعلته ويرسلها إلى غياب نهائي وإلى صمت مطبق ليس بعده أي ضجيج أو صدى. لكن عزاء الشاعرة التي ستظل محلقة في الحياة وخالدة فيها بشعرها وفنها وكتبها، هي أنها تركت إرثا فنيا وأدبيا زاخرا بالتميز والإبداع. صباح زين وقبل أن تغادر الدنيا بأيام، كتبت على جدار صفحتها بالفيسبوك ملوحة للحياة والأصدقاء، بالوداع وبالسماح الذي لا يأتي إلا من نفس سخية: "منذ هذه اللحظة أسامح كل انسان أذاني بطريقة أو بأخرى. أسامحه إلى الأبد ولا حقد ولا ضغينة. من كل قلبي أسامحه لأنه لا يعرف ماذا كان ولا يزال يفعل". صاحبة ديوان «ما زال الوقت ضائعاً»، ساهمت مرات عديدة في ملفات وندوات كراس الثقافة، لم تتأخر يوما عن المشاركة، وكانت في كل مرة ترسل مشاركاتها بفائض الكرم والمحبة، كما كانت ضيفة على الكراس من خلال حوار مطول، نشر بتاريخ 26 أوت 2008. تحدثت فيه الكاتبة عن الشعر والترجمة والبحث والصحافة وعن المعنى الذي تقول أنه وحده لا يكفي إذ ما يصنع القصيدة هو شكل المعنى، وعن القصيدة التي لا يمكنها سوى أن تكون نسخة مطابقة لها وعن أمور كثيرة تؤرقها وتشغلها. وفي سياق إجاباتها على أسئلة حوار النصر، قالت: «في كل كتبي تجدين لوحات مائية ملونة إلتقطتها عيني الرسامة. وضمن كل هذه الصور تدخل التساؤلات حول الحياة والموت واللغة والذات والوجود والزمان والمكان والجسد الضئيل البريء المسكين. هكذا أرى الشعر وهكذا يعتقدني الشعر، ولا أتنفس خارج هذه الأطر الملازمة لي منذ أن ولدت». صباح زوين التي ولدت عام 1955 من أب لبناني وأم إسبانية،عملت في جريدة «النهار» بين 1986 و2004، كما كتبت في جرائد ومجلات أخرى عربية وغربية، أيضا كتبت في حقل السوسيولوجيا. تجيد 6 لغات: الإسبانية، الفرنسية، الإنكليزية، الألمانية، الإيطالية، والعربية. أصدرت الكثير من الكُتب توزعت على الشعر والترجمات والدراسات في مختلف الميادين لكن أوفرها وأكثرها في الشعر، منها: «على رصيفٍ عار» 1983، «هيام أو وثنية» 1985،»لكن» 1986، «بدءاً من.أو، ربما» 1987 والذي ترجم إلى الإسبانية/الكتالانية وقام بترجمته الشاعر الإسباني انتونيو كلابس عام 2006. «كما لو أنّ خللاً. أو في خلل المكان» 1988،»ما زال الوقت ضائعاً» 1993، «البيت المائل والوقت والجدران» 1995، «لأني وكأني ولستُ» 2002، «في محاولة منّي» 2006، «كلما أنتِ، وكلما انحنيت على أحرفك» 2011. أصدرت أيضا دراسة حول الشعر النسائي اللبناني، وأنطولوجيا بعنوان «تلك الأشياء التي في الأفق» في الشعر اللبناني صدرت عام 2007 عن المكتبة الوطنية في الجزائر، أيضا أنطولوجيا للشعر اللبناني نشرتها باللغة الإسبانية، في إسبانيا بعنوان «الذى ينبح ليس الشتاء» 2008.وغيرها من الكتب مختلفة الحساسية الأدبية والتخصصات، وكتب أخرى هي الآن نائمة في أدراجها الحزينة التي تحن إلى لمسة أصابعها النحيلة، والندية بفن الكتابة وشغف القصائد التي تلوح بالوداع. يذكر أن آخر ما صدر للشاعرة قبل رحيلها بأيام، مجموعة شعرية لم توزع بعد، بعنوان «عندما الذاكرة، وعندما عتبات الشمس» عن دار نلسن في بيروت.