خيبة أوربية، تألق أمريكي لافت و الكرة الآسياوية تبحث عن أول فوز كشفت مخلفات الأسبوع الأول من مونديال البرازيل عن هوية 3 متأهلين إلى ثمن النهائي، و نفس العدد من المنتخبات التي تجرعت مرارة الإقصاء المبكر، مع تسجيل تألق مميز لمنتخبات أمريكاالجنوبية، مقابل تراجع عمالقة القارة الأوروبية، وكأن عامل الأرض أصبح يلقي بظلاله على العرس العالمي، سيما و أن تاريخ هذا المونديال يثبت بأن كل الدورات التي أقيمت في القارة الأمريكية بشطريها الشمالي و الجنوبي يكون فيها البطل من تلك القارة. و بالتالي فإن هذه العقدة تبقى تطارد كبار أوروبا الذين لم ينجحوا في قلب الطاولة والعودة من القارة الأمريكية بالتاج العالمي، و توديع إسبانيا هذا المونديال من أول الأدوار مؤشر أولي على أن المتخبات الأوروبية تبقى عاجزة عن التألق في هذه القارة. وإذا كان منتخب هولندا قد حجز أولى تذاكر المرور إلى ثمن النهائي، فإن هذا الإنجاز كان منتظرا بحكم أن الطواحين البرتقالية نائبة بطل العالم، دشنت مشاركتها بفوز استعراضي و تاريخي على إسبانيا، رغم أن المعطيات تغيرت و تخطي عقبة أستراليا كان بشق الأنفس، فإن منتخب الشيلي ضرب عدة عصافير بحجر واحد بفضل إنتصاره التاريخي على الإسبان، لأن هذا الفوز كان وزنه تأهل إلى الدور الثاني، مع حسم الأمور بصفة نهائية على مستوى الفوج الثاني، ولو أن منتخب الشيلي يسجل تواجده في ثمن النهائي لثاني مرة على التوالي، لكن إنتصاره على إسبانيا مكنه من الأخذ بثأر يعود إلى 64 سنة. كولومبيا تعود إلى الواجهة و الهندسة الأرجنتينية تتفوق إلى ذلك فقد أحسن منتخب كولومبيا الاستثمار في الفورمة العالية التي يتواجد عليها لاعبوه في غياب نجمه العالمي رادومير فالكاو، ليحرز تأهلا إلى ثمن النهائي عقب فوزه على حساب كوت ديفوار، وهي المرة الثانية التي تنجح فيها "النمور" في تجاوز عقبة الدور الأول بعد تلك التي كانت قبل 24 سنة بإيطاليا، وهو إنجاز تحقق ببصمة واضحة من المدرب الأرجنتيني خوسيه بيكيرمان الذي يبقى من الأسماء الثقيلة في نهائيات كأس العالم، لأن هذا المدرب يحوز في سجله الشخصي إلى حد الآن 7 مباريات في المونديال دون أن يتلقى الهزيمة، على اعتبار أنه كان على رأس منتخب بلاده في ألمانيا 2006، و إنتصار أول أمس هو الخامس لبيكرمان في نهائيات كأس العالم مع تعادلين، ليبقى على بعد فوزين فقط من معادلة سجل الأسطورة فيتوريو بوزو، بطل العالم مع إيطاليا في النسختين الثانية و الثالثة من المونديال. والملفت للانتباه أن تألق المدرسة الأرجنتينية في بداية هذا المونديال، لأن كولومبيا و الشيلي تألقا تحت قيادة المدربين سامباولي و بيكرمان. نحو حضور قوي للأمريكان في الدور الثاني من جهة أخرى بعث نجم منتخب الأوروغواي لويس سواريز الأمل في قلوب عشاق "السيليستي" بالقدرة على التأهل إلى ثمن النهائي و تكرار سيناريو جنوب إفريقيا ببلوغ المربع الذهبي، لأن الثنائية التي وقعها نجم ليفربول في مرمى الإنجليز عبدت الطريق أمام منتخب بلاده للمرور إلى الدور الثاني، سيما وأن تشكيلة المدرب تاباريز إستعادت الروح بعد نسكتها الأولى أمام كورستاريكا، فكان الوجه الذي قدمه منتخب الأوروغواي ضد إنجلترا إمتداد للمستوى الذي ظهر به " الأزرق السماوي" في كوباأمريكا وكذا في الطبعة الأخيرة من المونديال، بجيل يحلم بإعادة الإنجازات التاريخية التي صنعها سابقوه بالأراضي البرازيلية قبل 64 سنة، لما عادوا إلى بلدهم بالتاج العالمي الثاني في تاريخهم. هذا و تبقى منتخبات أمريكاالجنوبية مرشحة للتواجد بقوة في ثمن النهائي، لأن منتخب البلد المنظم البرازيل يتواجد في طريق مفتوح لإقتطاع تأشيرة التأهل، كونه سيلاقي الكاميرون في الجولة الختامية في إجراء شبه شكلي، كما أن منتخب الأرجنتين مرشح لكسب الرهان في المجموعة السادسة، خاصة بعد نجاحه في تدشين مسيرته بفوز على البوسنة، ليبقى المنتخب الإكوادوري بمثابة الحلقة الأضعف في قائمة ممثلي قارة أمريكاالجنوبية، على اعتبار أنه انهزم في مباراته الأولى ضد سويسرا، ومع ذلك فإن حظوظه في التأهل تبقى قائمة. و في سياق متصل فإن منتخبات شمال القارة الأمريكية أشهرت أوراقها بالقدرة على التألق في هذه الطبعة، في صورة منتخب المسكيك الذي خطف الأضواء بتعادله مع البرازيل بعد فوزه على الكاميرون، مما يبقيه بحاجة إلى التعادل مع كرواتيا لقبر حلم "الكروات " و التأهل إلى ثمن النهائي، حاله حال منتخب الولاياتالمتحدة الأمريكية الذي دشن مشواره بفوز على غانا، و كذلك الشأن بالنسبة لمنتخب كورستاريكا مفجر إحدى المفاجآت المدوية بإنتصاره العريض على الأوروغواي. عقدة المونديال الأمريكي تطارد كبار القارة الأوروبية بالموازاة مع ذلك فقد كانت الخيبة كبيرة لبعض المنتخبات الأوروبية، لأن حامل اللقب منتخب إسبانيا أقصي من السباق، ومنتخب إنجلترا يحتاج إلى معجزة لضمان البقاء فترة أطول في الأراضي البرازيلية، بعد تلقيه هزيمتين متتاليتين، في حين يبقى لزاما على كرواتيا الفوز على المكسيك لحجز إحدى تأشيرات المرور إلى ثمن النهائي، لأن مودريتش و رفاقه إستعادوا الأمل في التأهل بعد الإنتصار العريض المحقق على الكاميرون، و لو أن الهزيمة العريضة التي تكبدها منتخب البرتغال على يد " الألمان " كانت بمثابة الضربة التي قد تعجل بمغادرة النجم العالمي رونالدو و رفاقه "بلاد السامبا " مبكرا، و هو ما معناه بأن قارة أوروبا ستحرم من أبرز سفرائها في رحلة البحث عن إنجاز تاريخي في سجل المونديال، لأن القارة الأمريكية إستضافت العرس العالمي في 7 دورات سابقة، من دون أن ينجح أي منتخب من خارج هذه القارة في التمرد على المنطق و كسر هذه القاعدة بالعودة بالتاج العالمي، على إعتبار أن الطبعات التي نظمت في هذه القارة ( سواء الشمالية أو الجنوبية ) عرفت تتويج منتخبات البرازيل في 3 مناسبات و الأرحنتين و الأوروغواي بمرتين لكل منتخب. منتخبات آسيا عاجزة عن تذوق طعم الفوز و أستراليا أول المودعين على النقيض من ذلك فقد كان منتخب أستراليا أول من أقصي من المنافسة بعد تلقيه هزيمتين، لتلحق به إسبانيا و تحسم الأمور في المجموعة الثانية، قبل ان يحزم المنتخب الكاميروني الحقائب و يقتطع ثالث تذاكر الخروج من البرازيل، و لو أن الملفت للإنتباه أن منتخبات القارة الآسياوية تبقى عاجزة عن تذوق طعم الإنتصار في هذا المونديال، لأن المنتخب الأسترالي و رغم ظهوره بوجه مشرف تكبد الهزيمة في لقائين، بينما إكتفى منتخب اليابان بحصد نقطة واحدة في مقابلتين، لأن "الساموراي " أهدر فوزا كان في المتناول ليلة الخميس إلى الجمعة أمام اليونان، كون اليابانيين فرضوا ضغطا متواصلا على المنافس، لكنهم لم يحسنوا الإستثمار في النقص العددي، بعد طرد لاعب من المنتخب اليوناني، و التعادل قد يجبر المنتخبين على توديع المونديال، خاصة و أن منتخب اليابان سيلاقي كولومبيا في مباراته الأخيرة. معاناة الآسياويين في مونديال البرازيل و عجزهم عن الفوز تجلت في التعادل الذي سجله منتخب إيران مع نيجيريا في واحدة من أضعف لقاءات هذه الطبعة من حيث المستوى الفني، كما أن منتخب كوريا الجنوبية دشن مشاركته في هذه الطبعة بتعادل مع روسيا، لتبقى قارة آسيا تواصل رحلة البحث عن أول إنتصار لها في هذا المونديال، مما يجعل منها الحلقة الأضعف في الخارطة الكروية العالمية في هذه المرحلة. إقصاء مذل للكاميرون و حلم التأهل يراود الأفارقة إلى ذلك فإن القارة الإفريقية تبقى مرشحة لضمان تواجدها في ثمن النهائي، بفضل المنتخب الإيفواري الذي قد يكفيه التعادل مع اليونان لضمان إنجاز تاريخي بالمرور إلى الدور الثاني في ثالث مشاركة له على التوالي في المونديال، لأن "الفيلة" و رغم الهزيمة مع كولومبيا قدمت مردودا مقنعا، شأنها شأن منتخب غانا الذي أقنع بمستواه أمام الولاياتالمتحدة الأمريكية، كما أن منتخب نيجيريا تعادل في المباراة الأولى، و حتى المنتخب الجزائري يحتفظ بحظوظه في التأهل، ليبقى المنتخب الكاميروني أسوأ سفير للقارة السمارء في المونديال، لأن "الأسود غير المروضة " ظلت وفية لعاداتها، و مشكل المال طفا على السطح عشية السفر إلى البرازيل، لكن الإقصاء بهزيمة ثقيلة أعقب بمهزلة كروية، بعدما رصدت كاميرا المونديال تشابكاً بين اللاعبين إيكوتو وموكاندجو، في مشهد جسد صورا صنعها الكاميرونيون في دورات سابقة.