عن الفتنة التي لاتنام " هل يمكن أن تبتسم من أعماقنا الزهور و قد تغشاها موج الصقيع القاتل، ما هذه العواصف الآتية من أعماق التاريخ المحملة غبارا وعفونة المتراكمة على جفون العقل" مأساة الإنسان المسلم عبر التاريخ، هذا التاريخ المنسوج بالصور القاتمة ، تاريخ مشبع بالمرارة مشوه بأطماع الذين جعلوا من الدين مطية لتحقيق أهدافهم وغاياتهم صور وأحداث ينقلها لنا الروائي عز الدين جلاوجي عبر روايته " العشق المقدنس" بلغة مستمدة من الخطاب القرآني ، متنقلا بين الواقع والمتخيل معتمدا فيها على الترميز والتشفير ، لبلوغ تلك العوالم الضاجة بالفوضى والغوغائية ، غذاؤها الأطماع. إنها الفتنة الممتدة عبر دهاليز التاريخ المحكوم بالانقسامات والاختلافات التي جعلت من العامة وجبة شهية لتحقيق المآرب والغايات بالعزف على وتر الدين ودغدغة المشاعر ، مع اختيار دقيق من عز الدين للمفردات والمصطلحات التي جاءت لخدمة النص الروائي .. هي الفتنة في أجلى صورها ترسمها تلك الطوائف المنتشرة ، تؤججها تلك الفتاوى القادمة من هنا وهناك تزيد من الانقسامات والتشرذم والضياع لتصنع مآسي الأمة المستسلمة لواقعها الحزين " ألعن التاريخ الذي لم يركم على عقولنا إلا المآسي " إنها صرخة البطل المشرد مع حبيبته لا يكادا يخرجا من مطب إلا ويقعا في آخر لتتأجل أحلامهما في الزواج وبناء أسرة هادئة مطمئنة ففي كل مرة يجدا نفسيهما يطوقهما الحصار بين هذا وذاك متهمين بالجوسسة والعمالة من قبل هذه الطائفة أو تلك وكل طائفة تدعي أنها على حق وأن الأخرى على ضلال يجب محاربتها وإبادتها ، انه زمن التكفير . كما ينقل لنا الروائي عز الدين جلاوجي الكثير من الظواهر التي تفشت نتيجة لذلك سواء من ناحية السلوك أو العادات وغيرها ، انه زمن الطب البديل واحتلال المساحات لبيع العطور وأعواد الآراك ، وإقامة الحدود حسب الأهواء من جلد ورجم وغيرها ، وامتد الأمر لتغيير أسماء الشوارع مثل إطلاق اسم " الشهيد بن لادن " على إحدى الأحياء .إنها جماعات ترفض مبدأ التصالح والتسامح ، ومد اليد للآخر رغم ما يجمعها من أواصر ووشائج والهدف المشترك ، إنه تدنيس للمقدسات والعبث بها حسب الأهواء والأمزجة مستغلين في ذلك انتشار الجهل والأمية بين أفراد الشعوب لنشر أفكارهم بينهم والتغرير بهم . لقد حاول عز الدين جلاوجي من خلال هذه الرواية تحليل ظاهرة تفشت بين ظهرانينا متتبعا مسارها التاريخي وجذورها الضاربة في العمق من أيام قتل الخلفاء وإذكاء نار التفرقة وانتشار الطوائف والمذاهب كل يغني على ليلاه ، طوائف تظهر في صور حامي الحمى ولكن في واقعها هي طوائف للفتنة وتشتيت القوى وتفكيك المفكك مستعملا لغة روائية راقية منتقاة منسجمة تماما مع الأفكار والتصورات المطروحة.