انتشرت وكثرت في السنوات الأخيرة مسلسلات الفانتازيا التاريخية عبر أعمال ضخمة تعتمد على الإبهار وإثارة الجدل، وبسرعة حجزت لها مكانة شديدة الاتساع، لم تكن متوقعة في تاريخ الدراما السورية التي تألقت أكثر بمثل هذه النوعية من الأعمال على وجه الخصوص.هذا الانتشار الكاسح لهذه الأعمال يطرح بالمقابل أسئلة أخرى كثيرة، من قبيل: كيف هو حال الفانتازيا التاريخية في الدراما التلفزيونية العربية؟، ما هو سقف مستوى ما يُعرض من مسلسلات درامية تندرج في سياق هذه الفانتازيا؟، وما سر الإقبال عليها من طرف المشاهد العربي، واكتساحها لأكبر قاعدة جماهيرية من المشاهدين من المحيط إلى الخليج، ما يُعاب عليها وما يُحسب لها؟.هي أعمال مختلفة، خرجت عن سياق الدراما النمطية التي اشتهرت بها المسلسلات المصرية، أحدثت هزة في تاريخ الصناعة الدرامية العربية، ظهرت بدءًا مع ثلاثية«الجوارح»، «الكواسر»،«البواسل».من تأليف هاني السعدي وإخراج نجدة أنزور، وأيضا «القلاع» للمخرج مأمون البني المقتبس عن مسرحية «ماكبث» لشكسبير، «الموت القادم إلى الشرق»، «غضب الصحراء»،وغيرها.وكان«الجوارح» الذي عرض عام 1994، البوابة التي فتحت الأفاق الفنية الرحبة في هذا المجال على ما يُسمى الفانتازيا التاريخية. وهو بذلك أول مسلسلات الفنتازيا التي قدمها نجدة أنزور في تاريخ أعماله وفي تاريخ الفنتازيا عربيا وليس سوريا فقط، ويبقى«الجوارح»، إحدى العلامات الفارقة في فضاء الدراما العربية التي ظهرت بصورة مغايرة ورؤية جديدة، والتي اتكأت على الفانتازيا واستثمرت فيها، لتأتي بعد «الجوارح» مسلسلات أخرى انتهجت الفنتازيا خطا لها واتكأت عليها بأشكال مختلفة ومتفاوتة حسب قدرة وإبداعية ورؤية كل مخرج. لكن يبقى السؤال:كيف قدمت هذه الأعمال العرب؟، ولماذا هذه المادة الدرامية الفنية تظل مثار جدل واختلاف مع كل عمل جديد يتم عرضه على الفضائيات العربية، وهل خدمت هذه الدراما العرب والتاريخ العربي وهل قدمته بصورة غير مبتذلة، للمشاهد أينما كان في العالم. أيضا هل رسخت هذه الأعمال الهوية والخصوصية العربية؟. كراس الثقافة يفتح موضوع «الفانتازيا التاريخية في الدراما العربية» للنقاش في ندوته لهذا العدد، وفيها يتحدث بعض الكُتاب والأدباء العرب، وكلٌ حسب نظرته الفنية التي يرى من خلالها هذه الأعمال المندرجة في سياق الفن الفنتازي التاريخي أو الدراما التاريخية. إستطلاع/ نوّارة لحرش محمد عبيدو/ شاعر وناقد سينمائي سوري فشل الفانتازيا التاريخية في مسلسلات نجدت أنزور يعود إلى تناول التاريخ ضمن معالجات ساذجة يُصاحب كلّ عرض لمسلسل تليفزيوني تاريخي على شاشات تلفزيوناتنا العربية موجة من المعارضات والخلافات والنقاشات، عبر صفحات النقد والصحافة، وهنا لا بد أن نتكلم عن اختلاف في التناول بين الدراما التاريخية: إعادة تجسيد قصص وشخصيات التاريخ والأدب القديمين سرد الأحداث بأكبر قدر من الدقة. والدراما التأريخية: وفيها قراءات ومقاربات عديدة مختلفة لأي حدث تاريخي أو شخصية تاريخية، ففي الدراما التأريخية هناك قدر كبير من الرؤية الشخصية للأحداث، ومن التقييم الذاتي للشخصيات التاريخية وتقوم بانتقاء لحظة محددة من التاريخ تُخضعها لشروط الفن الدرامي بالتعديل والتغيير في بعض الأحداث بما يخدم فكرتها الأساسية،وهناك ما أُطلق عليه مصطلح «الفانتازيا التاريخية»، وهو اتجاه سبق أن أُنتج في السينما الصينية واليابانية، وفي السينما العالمية، وقد صعد فجأة في الإنتاج الدرامي العربي في ظل تشجيع بعض المحطات، تم تكريس مثل هذا النوع الذي يحمل ادعاءات كبيرة، بدءا من مسلسل «غضب الصحراء» الذي كتبه هاني السعدي وأخرجه هيثم حقي ومن ثم في أعمال نجدت أنزور، لتختفي بسرعة تماماً من دائرة الاهتمام. ولعل فشل الفانتازيا التاريخية في مسلسلات نجدت أنزور يعود إلى تناول التاريخ ضمن معالجات أقل ما يقال عنها أنها معالجات ساذجة ولا ترتقي إلى مستوى الحادثة التاريخية في التعامل مع الصورة واقتراب هذه الصورة المقدمة من كارت البوستال والإبهار القادم من تجارب الإشهار الدعائي. لتأتي الصورة في معزل عن علاقتها بالمضامين الفكرية التي يفترض أن تحملها وتعبر عنها بكل الادعاءات الكبيرة وبكل هذه السذاجة والتبسيط. ولا يشعر المشاهد من خلال شخصيات الأحداث أنه عايش تلك الأحداث. وينطبق هذا على الجغرافيا المعلّقة في اللامكان والزمن اللاتاريخي والأزياء والديكور في تعبيرها عن الحدث المروي حيث التكرار والتشابه وقد استهلك الخيال حد اليباس، بدون البحث عن أفكار وطروحات وتقنيات جديدة. محمد رابحي/ كاتب وناقد جزائري الفانتازيا بين الخطاب الفني المغاير و إيرادات الشاشة من السابق لأوانه الحديث عن جودة أو رداءة الفانتازيا التاريخية بالرغم من مرور سنوات عديدة على ظهورها في الدراما العربية. وعلى نحو مشرف ومكتمل الملامح وبالحبكة اللازمة. وأعزو ذلك إلى الصدق الفني الذي واكبها مع كوكبة الكُتاب والمخرجين والفنانين السوريين قبل أن تصبح الإيرادات والمداخيل معيارا ضاغطا في الصناعة الفنية في سوريا.إن الفنتازيا التاريخية نوع فني من جملة أنواع أخرى، أن تكون جيدة أو رديئة ليست بالمشكلة الأساسية طالما أن الدراما التلفزيونية العربية عموما تراوح بين الجيد والرديء. إنما المشكلة هي في التنويع والقدرة على خلق التحديات والرهانات الجديدة. وأعتقد أن الفنتازيا جاءت في هذا السياق لما أراد المنتج السوري أن يخرج للمشاهد العربي، فاختار نوعا غير مسبوق ومُغْفَلا في الدراما المصرية التي كانت منذ نشأتها ولعقود تستأثر بسوق الدراما العربية. علىذلك كان لها النجاح، فنالت وفقًا لخطابها الفني المغاير حيزا معتبرا من هذه السوق. غير أن مدها انحسر حالما عادت الصناعة الدرامية السورية لتركز على النوع الاجتماعي والكوميدي السائدين في كل الدرامات العربية. في حين عمد المنتج المصري في سياق التجديد ومنح الفرصة لأنواع فنية مختلفة –تكون في ذات الوقت سبيله إلى كسب المشاهد- إلى تقديم «الأكشن» لأول مرة كما استعان بمذخراته من رموز فركز على البيوغرافيات.فهذا النوع الفني في درامانا العربية (الفانتازيا التاريخية) بحاجة إلى ألا يكون نوعا جديدا ليفرض ذاته كما حدث مع أول ظهوره. وإنما هو بحاجة اليوم إلى أن يكون متواجدا باستمرار، كأن نشاهد عملا واحد منه على الأقل خلال العام الواحد. لأن استمرارية هذه الفنتازيا على الشاشة العربية هي من تحدد أهميتها وتطورها الطبيعي. وتجدر الإشارة هنا إلى فرضية أن ما قُدِم من فنتازيا هو توليفة مستوحاة من قصص عربية قديمة أساسها الخيال والزمن منحها «تاريخيتها» وقدمتها الشاشة المصرية في وقت سابق واللبنانية أيضا ونذكر على سبيل المثال «سيف بن ذي يزن» و»علي الزيبق».وأظن أن الفانتازيا عادت اليوم لتعاني الإهمال بسبب التهافت التجاري، ومن المرجح إذا قدمت نماذج جديدة منها ستكون أقل جودة من الأولى وربما كارثية بالنظر إلى الرؤية الفنية الساندويتشية، ذلك لأن التلفزيون العربي لم يستوعب بعد أن التجارة في الفن تخضع للوعي الفني والمعرفة بالسوق ورصد عقلية المشاهد. شريف الشافعي/ شاعر وكاتب مصري نجت من الانحدار الذي آلت إليه الدراما العربية الدراما التليفزيونية العربية عمومًا، باختلاف أنماطها، فن حديث العهد نسبيًّا، فلا يمكننا أن نتذكر أعمالاًُ جادة توفرت فيها بعض ملامح النضج قبل ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي، وهي قليلة للغاية، بل نادرة. ويرشدنا التحليل الفني المنصف إلى مآزق فنية خطيرة اعترت الدراما ككل، الاجتماعية خصوصًا، ووسمتها بالبدائية، من قبيل: عدم اتساق الشخصيات مع منطوقها اللفظي وما يصدر عنها من أفكار وتصورات، وسيطرة الخطابية والغنائية المطولة على الحوار (الثنائي عادة)، فضلاً عن أحادية الطرح السياسي وفجاجته، وتقسيم البشر إلى شياطين وملائكة، وغيرها وغيرها من الأخطاء الأولية، التي تتعارض مع مسلمات فن الدراما، وأصول الفن عمومًا.وإذا كان المنطقي أن كل فن يتطور ويتبلور مع الوقت، فللأسف الشديد لم يحدث هذا مع فن الدراما، الذي تراجع أكثر وأكثر خلال السنوات الماضية، بعد بدايته التي حملت قدرًا من الجدية في أواخر القرن الماضي.هذا عن الدراما بوجه عام، لكن ربما نجت «الفانتازيا التاريخية» من ذلك الانحدار على نحو ما، وبلغت شأوًا أعلى، وحُظيت بنسبة مشاهدة أكبر، ذلك أن «الفانتازيا التاريخية» لم تتهددها وتؤثر بها سلبًا الأسباب الأساسية لتراجع الدراما العربية، الاجتماعية على وجه الخصوص، وأبرزها: سيطرة رأس المال وحسابات السوق على اللعبة تمامًا، وبنسبة مائة في المائة، لدرجة أن الحلقات تُباع للفضائيات قبل كِتَابتها! ويلتزم الجميع بتفصيل المسلسل وفقًا لمتطلبات السوق، وتلك السوق تتحكم في كل شيء: الفكرة، والعنوان، وعدد الحلقات، واختيار الأبطال، وطبيعة التناول، والمشاهد، الخ الخ، ومثل هذا التقييد الكامل ينفي تمامًا أي مجال للتحليق والإبداع الحر. ولعل هذا يُفسر مثلاً لماذا سقطت الأعمال الأخيرة لأسامة أنور عكاشة من ذاكرتنا تمامًا، رغم بدايته المبشرة، التي كانت توحي بأن لديه شيئًا جادًا يريد أن يقدمه.من جهتي، كإنسان بسيط ولا أقول ككاتب، لا أتعامل مع الدراما (حتى التاريخية منها)، إلا بوصفها رافدًا من روافد التسلية، وهذا بحد ذاته هدف، على ألا يتم توسله بسبل مبتذلة. وربما استوقفتني عناصر فردية مجيدة خلاقة هنا أو هناك، لكنها تبقى ارتجالات أو ومضات استثنائية في مشهد الخفوت. ما يُحسب للفانتازيا التاريخية في نماذجها الجيدة أنها خرجت من سياق هذا المشهد المرتبك بقدر مقبول من الإخلاص لكل من الفن والتاريخ على حد سواء، فسلمت في بعض الأعمال المحكمة من التقريرية والمباشرة والفجاجة في نقل الفكرة بصورة حرفية، فضلاً عن نجاتها من قوانين السوق ومتطلباتها وتبعاتها من المط والافتعال وما نحو ذلك، كونها أعمالاً موجهة إلى مشاهد أكثر وعيًا بقدر ما، ويقوم على إعدادها وإنتاجها مؤهلون ومتخصصون في أغلب الأحوال، ومن ثم ظهرت وتميزت مسلسلات بهذا المستوى اللائق، وزاد من ذيوعها التزامها بالفصحى التي يمتلكها المشاهد من المحيط إلى الخليج. محمد خير الحلبي/ أديب وكاتب سيناريو سوري نجحت لأنها كسرت توقع المتلقي أولا وقبل كل شيء لابد من الإقرار بأن الدراما التلفزيونية بوجه عام، إنما هي سمة حية من سمات الفن البصري، وتُشكل هذه السمة الرابط الأوثق بين الرواية بالعموم وبين المشاهدة ونقل الحكائية إلى المشهدية،ومادام الأمر يندرج في إطار السرد المنتقل من المحكي إلى المرئي والمسموع في آن، فلا مشكلة في تقسيمه إلى أقسام أو حقول حتى يمكن للدلالة القرائية أن تجد لها مطرحًا تقدر من خلاله أن تنقل كتابة، نقدا أو مقالا أو ريبورتاجا إعلاميا صحفيا، هذا معناه أن الدراما بالعموم وأنا هنا أعني الدراما التلفزيونية وهي ذات طبيعة واحدة، أي مسرود منقول إلى البصري فيصير نقل الحكاية من الكِتاب إلى الصورة التي يقدمها فنانون مختصون.تصير الآن الرواية عملا تلفزيونيا ويصير الكلام عن مقولات هذا العمل. ثانيا: وبعد أن اعتمدنا أن الدراما التلفزيونية إنما هي الحكاية المصورة بشخوص من لحم ودم، فلابد من بلوغ الهدف من هذا الإقدام على عمل يكون يحمل إلى الناس والأهداف في رأيي ثلاثة: الإمتاع بالدرجة الأولى والقول المقصود إرساله عبر هذا الإمتاع، وأخيرا البعد الجمالي. فالدراما إمتاع وقول يوسعان أفق العالم عند التلقي لكن عبر ما يستطيع من جرعات جمالية. ما الأمر هكذا، فبأية تسمية تقدمت الدراما بهذه الأغراض، تكون قد قدمت للمشاهد الغاية المرجوة، ولما كان السؤال متمحورا حول دراما الفانتازيا، فيعد الكاتب المبدع هاني السعدي هو السباق ولعله الوحيد الذي خط لهذه الظاهرة خطوات نجاحها،فهو قدم قوله الحكائي ليس عبر متخيل لا وجود له، بل قدمه ليقول الواقع ولكن بأدوات يُخيّل للمتلقي أنها تاريخية، أو عتيقة، وهذه الحنكة والقدرة إنما هي التي سحرت المتلقي العربي، الذي يريد أن يعرف ولكن بالأسلوب الحكائي الراسخ في ثقافتنا، فالمعلوم أن الرواية بمعناها الديني، أي رواية التاريخ والحديث الشريف والمغازي، إنما هي الشكل الأعلى لبنيتنا السردية المرتبطة بالوقائع والعقائد معا وهذا يعني كل أديان المنطقة التي بنت قلاعها على أساس المنقول.أعتقد أن الفنتازيا إما نجحت لأنها كسرت توقع المتلقي وجعلته ينتظر ما سيقوله بطله _المتخيل أنه ماضيا_ في الواقع المعيش والمستقبل المنتظر. هذا فعلا ما قالته فانتازيا هاني السعدي منذ «البركان»إلى «الجوارح» و«الكواسر» و«الموت القادم إلى الشرق»...وغيرها، وهذا جوهريا سر تعلق المشاهد بها. وبخصوص رأيي فيها، فأنا مؤمن أن وظيفة الفن هو توسيع أفق المعرفة والجمال وطرح الأسئلة..ومادام يؤديها فأي سبيل سلكه هو الأجمل دائما.وبخصوص أعمالي، ف «قمر شام» يندرج ضمن هذا المقام أيضا، لكنه يعتمد المناخ الدمشقي مسرحا لمقولاته، وأعتقد أن معظمكم شاهد مسلسلي «قمر شام»الموسم الماضي 2013، والذي تبعته بمسلسل جديد هو»ضو الليل»وهو يندرج في هذا المقام أيضا، ليقول كلاما مغايرا. خالد ساحلي/ روائي وكاتب جزائري حققت النجاح مع بعض المخرجين الفانتازيا التاريخية ليست بخيال جلي يظهر في الصورة من خلال أحداث رواية تعكس الواقع بأسلوب رمزي فقط، وإنما تعدت إلى معالجة مشاكل هذا الواقع أو تجاوزه من خلال عرض بدائل من أجل المضي في تحقيقها استلهاما من هذه الأحداث المشوّقة التي تبحث على استرجاع قوة الروح أو منحها حياة بديلة للاستراحة والمتعة والعبرة، وهذا ما نلمحه في جل الأعمال العالمية الناجحة، لذلك نحت السينما العربية إلى لبس الفانتازيا التاريخية لتحقق النجاح ولقد حققت غرضها مع بعض المخرجين من أمثال هاني سعدي ونجدت أنزور، إلا أنها لم تستمر وحلّ مكانها جيل جديد حيث مالوا إلى الصورة استثمارا لها وغيبوا علاقة المضمون الفكري الذي يصنع الحدث.لكن، هل الدراما العربية ناجحة ومتفوقة؟ أم أنها ضعيفة وهزيلة بالنظر إلى ما تقدمه نظيراتها التركية والكورية والهندية والأمريكية؟. جدل له معارضين ومؤيدين، لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح: لماذا الدراما العربية حقيقة تظهر في رمضان وتختفي في باقي الأشهر وحلقاتها تقترن بعدد أيام الصوم وبخاصة الدراما السورية والمصرية والخليجية؟. ما من شك، هناك أعمال تركت بصماتها وجذبت المشاهد العربي إليها بسبب الانتكاسات السياسية العربية الحديثة وبحثا من المشاهد على الفرجة وهروبا من عقدة الانهزام والفشل السياسي والحضاري واستذكارا لمجد القوة والنخوة المتجسد في الصورة التاريخية التي تبرز «واقع»مضى للتفوق والقوة. المشكلة في الدراما العربية أنها صارت تنتج صراعا عقائديا برز من خلال المقالات المنشورة في الجرائد العربية منتقدة ومحللة وطاعنة في أصل المراجع التاريخية المعتمدة، مثال على ذلك، مسلسل "القعقاع"،و"ابن عمرو التميمي" الذي أُتهم كاتبه محمود الجعفوري بأنه يثير الفتنة بين الصحابة ويغرس معلومات خاطئة بغرض خدمة أجندة بعينها، كون المشاهد العربي لا يملك الجرأة على البحث والتقصي ويركن إلى الكسل، وبالمقابل هناك من طعن في مسلسل "عمر ابن الخطاب" لكاتبه الدكتور وليد سيف وللمخرج كونه أخفى بعضًا من حقائق التاريخ حول بعض الصحابة في حياة عمر بطابع التقديس ردا على مذهب بعينه، وبذلك إنتقل الصراع الطائفي إلى الفن. لقد استطاعت الدراما السورية أن تخطف ملايين المشاهدين كمسلسل "باب الحارة" بأجزائه في ظل تراجع كبير للدراما المصرية وضعفها بسبب النصوص الهزيلة التي تستخف بعقول المشاهدين وهفواتها الكثيرة والإصرار على تمرير لهجتها على حساب ذوق المشاهد الذي يعشق العربية الفصحى ولو كان جاهلا بها، وهذا ما لمحناه في النزوح نحو الدراما التركية المدبلجة بلغة عربية أو لهجة لبنانية أو سورية. وفي الأخير وفي ظل سوق تفرض منطق المنافسة لم تحقق الدراما العربية انسجاما ولم تبنِ نواة وحدة عربية في ظل انشقاقات السياسة وكيد الأنظمة لبعضها البعض، وبذلك فإن ترسيخ الهوية الحقيقية والخصوصية العربية لا يزال بعيدا في ظل تنافر معرفي تاريخي وديني.