مرابط مجيد...الحرفي الذي يحول الفضلات إلى تحف و يبعث الحياة في أسماك بجاية يرتدي زي البحارة الأصليين، "الشونغاي" و قبعة "البيري باس"، يجلس جلسة الكبار ،حتى و هو منكب على صناعة تحف من بقايا تخلى عنها البشر، و كأنه في ورشة معزولة عن العالم، يخطف الأضواء في كل مكان تطأه قدماه و إن كان ضيفا أو مشاركا ثانويا في التظاهرة، مرابط مجيد الحرفي الذي ذاع صيته، و أخرج تحفه من بجاية إلى كل أرجاء الوطن، لتدهش الأجانب و تصل إلى فرنسا، السعودية، و كندا. من غير الممكن لمن زار الصالون الجهوي الأول للصيد البحري و تربية المائيات ،الذي احتضنته ولاية بومرداس نهاية الأسبوع ،ألا يكون قد لفت انتباهه ذالك الشيخ الذي يعانق سن السبعين، و هو يتخذ من جناح خصص لعرض منتوجاته، ورشة صغيرة، فمرابط مجيد لم يكن من أولئك الذين ظلوا طوال الوقت يرتبون و يزينون أجنحتهم ،لكي تلقى إعجاب وزير الصيد البحري، فرغم الفوضى الكبيرة و كثرة الأضواء و رجال الأمن، فهو لم يتوقف، و لو لدقيقة واحدة، عن تحريك أنامله التي تنتج تحفا فنية ،تستوقف كل من يمر أمامه. اقتربنا من الفنان الذي كان بعض الزوار منبهرين لتحف يعرضها بطريقة بسيطة: رأس حوت كبير، و أنواع كثيرة من السفن التي تبدو نماذج مصغرة لسفن حقيقية، كان يجلس أمام طاولة تحمل وسائل عمل بسيطة، و هو ينجز واحدة من تحفه، استقبلنا بكل فرح وظل يحاورنا و يداه لم تتوقفا عن العمل. مرابط مجيد هذا الحرفي الذي أحيل على التقاعد بعد أن كان يعمل في مجال البحر ،في سنة 2007، كان يملك هواية صناعة التحف من بقايا الخشب، لتحويلها إلى سفن تعكس عشقه لكل ما يتعلق بالبحر، و بعد فترة من الزمن أصيب في حادث أقعده الفراش طيلة 3 سنوات، و لدى نهوضه منه، وقف على واقع مر ،و أصبح مطالبا بالعمل من أجل توفير لقمة العيش، فبدأ الحرفي النشاط الذي تطور مع مرور الوقت و تحول إلى عمل فني، وصل إلى مختلف بقاع العالم. ابن بجاية و منذ بدايته العمل في هذا الفن، لم يكن يشتري أي شئ، ما عدا الغراء و الخيط، و كل ما دون ذلك هي فضلات يقوم بجمعها من الشواطئ أو لدى النجارين ،ممن أصبحوا أصدقاء له يحتفظون له ببقايا الخشب، هكذا يوفر وسائل العمل قبل أن يحولها إلى تحف تدهش كل من يراها. يصنف مجيد عمله في إطار العمل الإيكولوجي و الاهتمام بالبيئة و حمايتها ، فهو يعيد تدوير نفايات تخلى عنها الآخرون، يحنط رؤوس الأسماك، و يقوم بطلائها، يحول قطعا خشبية صغيرة إلى سفن، فينتج أنواعا مختلفة منها يتحصل على صورها من الإنترنت، فيحولها إلى حقيقة، يربط قرني الكباش لصنع جسم السفينة، يصنع لوحات حائطية، و أشياء أخرى كثيرة تشترك في كونها من البحر أو لها علاقة به. تحف ابن ولاية بجاية الذي شارك في 75 معرضا و 15 مهرجانا ،داخل وخارج الوطن، قال بأن تحفه لم تعد مطلوبة في المدن الجزائرية فقط، و إنما تعدى ذلك إلى الخارج، حيث وصلت إلى فرنسا، كندا و السعودية، علما أن الطلبيات تصله بالجملة من بائعي التحف و أدوات الزينة من أجل إعادة بيعها عبر التجزئة. عن سؤالنا حول العراقيل التي يمكن أن تواجهه في عمله،رد مرابط مجيد بأنها غير موجودة، فمديرية الصيد البحري لبجاية تساعده و تطلب مشاركته في كل معرض تشارك فيه في أي ولاية، كما أنه استفاد من محل بمنطقة أوقاس أين يقوم بتكوين اثنين من أبنائه، و شابين آخرين، يحلم في أن يواصلوا العمل في هذه الحرفة و يطورونها إلى الأحسن ، لكن يبقى من بدأوها أحياء بأعمالهم التي تخلدهم ،مهما تعاقبت الأجيال كما أنهى حديثه معنا ،مؤكدا عزمه مواصلة العمل لآخر نفس.